توتر في الحديدة يُنذر بانهيار "هدنة هشة" بين قوات الحكومة اليمنية والحوثيين

11 مارس 2020
القوات الحكومية تنسحب من ثلاث نقاط مراقبة بالحديدة(فرانس بس)
+ الخط -
تشهد مدينة الحديدة اليمنية توتراً كبيراً بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بعد تعرض ضابط رفيع يمثل الجانب الحكومي في لجان التهدئة لإصابة بليغة جراء طلق ناري بالرأس، وهو ما ينذر بانهيار هدنة هشة ترعاها الأمم المتحدة بين الجانبين منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018.

وأعلنت الحكومة اليمنية تعليق عمل الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار لدعم اتفاق الحديدة، محملة الحوثيين كامل المسؤولية عن ذلك، فيما ردت الأخيرة بالنفي متهمة قوات الشرعية بـ"قلب الحقائق وترحيل نتائج الصراع".

وجاء في بيان لوزارة الخارجية، أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، بأن "تعليق عمل الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار يأتي نتيجة لاستمرار التصعيد من قبل مليشيات الحوثي وسوء استغلالها لاتفاق الحديدة والهدنة الناتجة عنه للحشد والتصعيد لحربهم العبثية، وتعنت المليشيا في تنفيذ مقتضيات اتفاق الحديدة لأكثر من عام وتقييد حركة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة بشكل غير مقبول وتقويض عمل رئيس وأعضاء لجنة تنسيق إعادة الانتشار وعمل نقاط الرقابة الثلاثية".

وأشار البيان إلى "استمرار المليشيا الحوثية المدعومة إيرانياً في رفضها السماح لفريق الأمم المتحدة الفني بالدخول وتقييم وصيانة خزان صافر العائم على سواحل الحديدة لتلافي وقوع كارثة بيئية خطيرة في البحر الأحمر لا تحمد عقباها على الرغم من تكرار الدعوة لذلك من قبل الحكومة الشرعية ومجلس الأمن والمجتمع الدولي".

في المقابل، أعلن الحوثيون التزامهم بتنفيذ اتفاقات استوكهولم، بما في ذلك اتفاق الحديدة، ودعم الجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، ورئيس لجنة دعم تنفيذ اتفاق الحديدة، أبهيجيت جوها.

واتهمت وزارة الخارجية التابعة للحوثيين في بيان صحافي، القوات الحكومية بـ"قلب الحقائق وترحيل نتائج الصراع وتصفية الحسابات داخل فصائلها بالحديدة ونسبتها إلى قواتهم"، في نفي لاستهداف لجان الرقابة الحكومية.

وكانت القوات الحكومية أعلنت في وقت سابق انسحابها من ثلاث نقاط رقابة نشرتها البعثة الأممية في الحديدة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار، وذلك على خلفية إصابة العقيد محمد شرف الصليحي، أحد منتسبي القوات التي يقودها نجل شقيق الرئيس السابق، طارق محمد عبد الله صالح.

واتهمت القوات الحكومية الحوثيين باستهداف عضو الفريق الحكومي الذي كان مرابطاً في نقطة الرقابة الخامسة بمنطقة "سيتي ماكس" في مدخل مدينة الحديدة، فيما نفى الحوثيون ذلك رسمياً، مشيرين إلى أن إصابته كانت جراء اشتباكات داخلية بين قوات طارق صالح والألوية التهامية والعمالقة.

والفصائل الثلاثة، جميعها موالية للتحالف السعودي الإماراتي وتقاتل الحوثيين منذ سنوات في الساحل الغربي، واتخذت مؤخراً مسمى "القوات اليمنية المشتركة"، ومن المستبعد أن تكون قد اندلعت اشتباكات داخلية بينها كما يزعم الحوثيون، رغم وجود خلافات على الزعامة بين قيادات الصف الأول فيها.


وقالت قوات طارق صالح، التي تتمركز في مداخل مدينة الحديدة، إنها سحبت ممثليها من نقاط الرقابة الأولى والثالثة والخامسة، والأخيرة أصيب فيها الضابط الصليحي.

واعتبر رئيس الإعلام العسكري لتلك القوات، محمد أنعم، سحب ضباط الارتباط من نقاط المراقبة، رسالةً تؤكد أن خروقات الحوثيين لا يمكن أن تستمر بعد اليوم، وأن الحديدة لا يجب أن تعيش وضع "اللاحرب واللاسلم".

وتبادلت القوات الحكومية والحوثيون، الاتهامات بشأن التصعيد الحاصل في مدينة الحديدة، ففي حين تحدثت القوات الحكومية عن تصاعد الخروقات الحوثية لاتفاق استوكهولم، وقصف مدفعي مكثف على مجمع "إخوان ثابت"، في مدينة الحديدة، بعد ساعات من استهداف الضابط الصليحي، أعلنت جماعة الحوثي، رصد 143 خرقاً من قبل من وصفتها بـ"قوى العدوان" في جبهات الحديدة خلال الـ24 ساعة الماضية.

وأتهم الحوثيون القوات الحكومية بـ"استحداث خمسة تحصينات قتالية في شارعي الخمسين وكيلو 16، و35 خرقاً بقصف صاروخي ومدفعي و95 خرقاً بالأعيرة النارية، فضلاً عن تحليق طائرة حربية في أجواء مدينة حيس، وأربع طائرات تجسسية في أجواء شارع الخمسين والفازة وكيلو16".

وقال ممثل الحوثيين في لجنة إعادة الانتشار، اللواء محمد القادري، إن قيادات القوات الحكومية، وجهت بـ"قطع إمداد الغذاء لضباط الارتباط التابعين لهم في منطقة "السيتي ماكس" بتغطية نارية كثيفة في محاولة لتفجير الوضع".

وفيما زعم أن إصابة الصليحي كانت "نتيجة اشتباكات بين ألوية طارق صالح والألوية التهامية وألوية العمالقة"، حمّل ممثل الحوثيين في لجنة الحديدة، القوات الحكومية والبعثة الأممية، مسؤولية انهيار اتفاق السويد.


ولم تتوقف تبريرات الحوثيين عند ذلك، حيث أعلن ضابط الارتباط للحوثيين بلجنة الحديدة، العميد ياسر المغربي، أن الصليحي لم يكن في نقطة الرقابة منذ مساء اليوم الماضي (الثلاثاء).

وفي تصريحات نقلتها قناة "المسيرة"، وصف القائد العسكري الحوثي انسحاب القوات الحكومية بـ"المسرحية"، وإن الهدف منها نقض اتفاق السويد، لافتاً إلى أن ممثليهم لا يزالون في أماكنهم، وأن القوات الموالية للحكومة تتحمل تبعات ما يحصل.

ودعا الحوثيون الأمم المتحدة للوفاء بالتزاماتها وسرعة نشر المراقبين في نقاط التهدئة إن كانوا جادين، كما حملوها مسؤولية حياة ضباطهم في نقاط التماس بمدينة الحديدة.

ولم يصدر على الفور أي تعليق من البعثة الأممية بالحديدة حول التوتر الحاصل بين نقاط التماس، وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن رئيسها الجنرال الهندي أباهيجت جوها، توجه إلى صنعاء من أجل اللقاء بالمبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الذي يزور العاصمة اليمنية اليوم الأربعاء.

وأكد مصدر في ألوية العمالقة لـ"العربي الجديد"، إنهم ملتزمون بالتهدئة رغم استهداف الضابط الصليحي، رغم أن كل المؤشرات تقول إن الحديدة على عتبة تصعيد عنيف سينسف اتفاق استوكهولم.

وأضاف المصدر "اتفاق استوكهولم كان هدية أممية للحوثيين، وتحريك جبهة الحديدة عسكرياً وحده ما سيخفف الضغوط على الجوف ومأرب، وسيكسر شوكتهم".

وبدأت ملامح انهيار اتفاق هدنة الحديدة، الأحد الماضي، عقب استئناف مقاتلات التحالف السعودية غاراتها في مدينة الحديدة بعد التزام طويل بالهدنة، حيث شنت عدة غارات على مواقع حوثية بالصليف قالت إنها استهدفت منشآت لصناعة زوارق مفخخة تهدد أمن البحر الأحمر وممرات الملاحة.

ويتعرض اتفاق استوكهولم لخروقات شبه يومية منذ نحو 15 شهراً، لكن وتيرتها تصاعدت بشكل غير مسبوق خلال الأيام الماضية، وسط مخاوف من انهيار تام لهدنة الحديدة كصدى للتصعيد الحاصل في الجوف ومأرب.

ومطلع مارس/آذار الجاري، لوحت جماعة الحوثي، على لسان رئيس وفدها بلجنة الحديدة، اللواء علي الموشكي، بنسف الاتفاق، حين قال إنه إذا لم يتم وضع حد لاستهداف مدينة الدريهمي ورفع الحصار عنها من قبل القوات الحكومية، فستكون الشرارة التي ستستكمل نسف اتفاق السويد وتلغيه، متهماً الطرف الآخر بعدم احترام الاتفاق.