يرى مركز أبحاث إسرائيلي إن الاستنتاج الأبرز من نتائج الانتخابات البريطانية، التي أفضت إلى خسارة حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين، يتمثل في وجوب العمل على توفير بيئة تحول دون تعاظم وتأثير القوى اليسارية التي تتبنى مواقف كوربين داخل الولايات المتحدة.
وفي تقدير موقف صادر عنه، أبدى "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "بارإيلان"، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية، شكوكا إزاء قدرة إسرائيل والقوى الداعمة لها داخل الولايات المتحدة، على إلحاق الهزيمة بالجماعات اليسارية "المتطرفة" التي باتت تلعب دوراً مهماً في تصميم توجهات الحزب الديمقراطي، وحث على "التكاتف من أجل إلحاق هزيمة بالتوجهات "الكوربانية" (نسبة إلى جيرمي كوربين) داخل الولايات المتحدة".
ولفت التقدير، الذي أعده أليكس جوف، الباحث غير المقيم في المركز، إلى أن "ما يفاقم مهمة مواجهة مجموعات اليسار "المتطرف"، داخل الحزب الديمقراطي الأميركي، حقيقة أنه بخلاف اليهود البريطانيين الذين عملوا بشكل موحد ضد كوربين، فإن اليهود الأميركيين يفتقرون إلى الوحدة بسبب التباينات الأيديولوجية بينهم".
واتهم التقدير الحكومة الإسرائيلية والمنظمات اليهودية الأميركية الكبيرة بـ"عدم العمل من أجل مواجهة الجماعات اليسارية داخل الحزب الديمقراطي"، مشيراً إلى أن "ما فاقم تعقيد الأمور أن الكثير من النخب اليهودية الشابة تنتمي إلى هذه المجموعات".
ولفت إلى التدرج في تطور الجماعات اليسارية داخل الحزب الديمقراطي، مشيرا إلى أن ولاية الرئيس باراك أوباما سمحت بظهور مجموعة يهودية يسارية لا تتبنى مواقف الحكومة الإسرائيلية، أطلقت على نفسها "J Street"، موضحاً أن صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب ساعد على ظهور جماعات يسارية أكثر تطرفا، على رأسها جماعة "IfNotNow".
وهاجم التقدير المنظمات اليهودية العاملة في الولايات المتحدة لضعف أدائها وترددها، مدعياً أن "هذه المنظمات استسلمت، ولم تواجه الجدل الذي قادته المجموعات اليسارية، والذي هدف إلى التأثير على الموقف الأميركي من "الإرهاب الإسلامي" ومجمل علاقة الولايات المتحدة بالإسلام".
ويقر التقدير بحقيقة أن "صعود ترامب منح بيئة مناسبة لتعاظم تأثير الجماعات اليسارية المتطرفة في الولايات المتحدة، وداخل الجاليات اليهودية، وإسناد مرشحي الرئاسة الأميركية الذين يتبنون مواقف معادية لمصالح تل أبيب".
ولفت إلى أن ما يدلل على "التوجهات اليسارية المتطرفة" لبعض القيادات اليهودية الأميركية الشابة، إعلان النائبة في مجلس النواب أليكساندريا كوورتس عن دعمها كوربين عشية الانتخابات البريطانية، إلى جانب وجود نشطاء من "اليسار المتطرف"، الذين ينشطون في حركة المقاطعة الدولية (BDS)، في طواقم مساعدي بعض مرشحي الرئاسة، سيما بيرني سندرز وإليزابيث وورنر.
وأشار إلى أن العبرة، التي يتوجب على إسرائيل واليهود في الولايات المتحدة استيعابها من الانتخابات البريطانية، هي أنه "يتوجب عدم الركون إلى الجهود الحالية التي تبذل من أجل التأثير على الحزبين الجمهوري والديمقراطي".
وحث التقدير صناع القرار في تل أبيب على "التوقف عن التدخل والتعليق على ما يجري داخل الحزب الديمقراطي، وفي الوقت ذاته محاولة العمل بكل قوة من أجل مواجهة الأصوات الداعمة للفلسطينيين والإسلام والاشتراكية، التي باتت ذات صدى كبير داخل هذا الحزب".
ودعا إسرائيل وصناع القرار والرأي فيها إلى عدم التساوق مع الشعار الرائج داخل الحزب الجمهوري بأن "وجود إسرائيل يمثل إرادة الرب"، على اعتبار أن "مثل هذا الشعار يسهم فقط في تفاقم الاستقطاب داخل الولايات المتحدة إزاء الموقف من إسرائيل ومصالحها".
وعلى الرغم من أن معد التقدير يأمل أن تستنتج القيادات الديمقراطية في الولايات المتحدة العبر من هزيمة حزب العمال، وتصل إلى قناعة مفادها أن تبني مواقف معادية لإسرائيل سيمثل وصفة للفشل داخل الولايات المتحدة؛ إلا أنه يقر في المقابل بأنه "في ظل واقع الحزب الديمقراطي الحالي، وفي ظل انكفاء الجمهوريين على أنفسهم، فإن مستقبل العلاقات الأميركية الإسرائيلية يبدو غير مضمون، إن لم يكن مظلما".
وشكك في إمكانية استعادة الإجماع الحزبي داخل الولايات المتحدة على دعم إسرائيل، عازيا ذلك إلى توجهات المجموعات اليسارية داخل الحزب الديمقراطي، التي تشدد على تقديم اليهود في إسرائيل على أنهم "مستوطنون وكولونياليون".
وتوقع التقدير أنه حتى لو فاز جون بايدن بترشيح الحزب الديمقراطي، فإن المجموعات اليسارية "المتطرفة" لن تسمح للحزب الديمقراطي بالعودة ليمثل "الوسط" الأميركي، مشيرا إلى أن ما يعقّد الأمور أكثر أن "المجتمع الأميركي يعاني حاليا من الانقسام والاستقطاب".
لكن معد الدراسة يتجاهل حقيقة أن الأغلبية الساحقة من الاعتداءات التي استهدفت اليهود في الولايات المتحدة، خلال السنوات الثلاث الماضية، نفذها متطرفون بيض محسوبون على الجناح اليميني المتطرف، الذي يعد جزءا من قاعدة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية.
وحول مستقبل العلاقات البريطانية الإسرائيلية بعد فوز المحافظين، أكد التقدير أن التعاطي البريطاني مع قضايا الشرق الأوسط لا يخضع فقط لطابع الواقع السياسي داخل المملكة المتحدة، بل يتأثر أيضا بإرث العلاقة مع المنطقة.
ولفت إلى أن اليهود البريطانيين كثفوا، بشكل غير مسبوق، محاولاتهم التأثير على نتائج الانتخابات عبر التحذير من فوز حزب العمال برئاسة جيرمي كوربين، مشيرا إلى أن كبير الحاخامات اليهود في بريطانيا، إفرايم ميرفيس، حذر من أن وصول كوربين إلى رئاسة الوزراء "يمثل تهديدا مباشرا لحياة اليهود في المملكة المتحدة".
واعتبر أن "نتائج الانتخابات مثلت بشرى سارة لليهود في بريطانيا، كما أنها عززت من فرص بقاء حلف شمال الأطلسي".
وتمنى التقدير أن تسهم الانتقادات التي وجهت لقيادة كوربين داخل حزب العمال، لا سيما من رئيس بلدية لندن صادق خان، إلى بروز قيادة جديدة للحزب تتخلص من إرث كوربين المعادي لإسرائيل والصهيونية.