"المركز العربي" يناقش وظائف المجتمع المدني في مراحل الانتقال الديمقراطي

13 أكتوبر 2017
الندوة ركزت على أدوار المجتمع المدني (العربي الجديد)
+ الخط -


تتواصل المداخلات والنقاشات، لليوم الثاني على التوالي، ضمن الندوة الدولية التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس، بعنوان "المجتمع المدني والانتقال الديمقراطي، دراسة حالات"، حيث تم تسليط الضوء على الأدوار والوظائف التي يؤديها المجتمع المدني في مراحل الانتقال الديمقراطي. 

فبعد "الربيع العربي"، تغير المشهد المدني العام، وبرزت بوادر "انفتاح" سياسي ومتطلبات جديدة لحماية الحريات والحقوق الجماعية والفردية، وهي عوامل أدت إلى توسع منظومة المشاركة الاجتماعية والسياسية، وتنامت معها المطالب الداعية إلى تغيير قواعد ممارسة السلطة.

وفي السياق، قال الباحث المغربي والمدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية ـ مركز يقظة، حميد أبكريم، إن مداخلته، التي تناولت موضوع أدوار ووظائف المجتمع المدني المغربي في الانتقال الديمقراطي، ركزت على دور المجتمع المدني، مشيراً إلى أن هذا الدور مهم، وأنه لا يمكن التطور والتغيير إلا من خلال الفكر وإنتاج الأفكار.

وأضاف أبكريم أنّ "الإصلاح الدستوري ومؤسساته هو مدخل من مداخل الانتقال الديمقراطي"، متسائلاً: "لماذا يتم الإصلاح الدستوري ولا يتم الانتقال الديمقرطي؟"، مبيناً أن "المجتمع المدني في العالم العربي والبلدان المغاربية عموماً معقد لعدة أسباب". وذكر أن "هذا المفهوم لا يخلو من عدة التباسات تتعلق بارتباط نشأة المفهوم بالمجتمع الغربي، فالعالم العربي لم يشهد بناء مؤسسات تنطبق عليها صفة المجتمع المدني".



وأوضح أبكريم أنّ "المجتمع لم يظهر في الخطاب السياسي العربي إلا في العقدين الأخيرين، ولكن هناك من يعتبر أن ثمة واقعاً ومظاهرَ لهذا المجتمع من خلال الهيئات والمؤسسات التي تقوم بدور داخل المجتمع".

وأكد أبكريم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "المجتمع المدني يلعب دوراً في البناء الديمقراطي، ولا سيّما عندما يشتغل على الحكم والحريات والإصلاح وبناء الدولة الديمقراطية"، معتبراً أن "هناك عدة عراقيل أمام المجتمع المدني، أبرزها قانونية، من حيث الترخيص من قبل السلطة في النشاط، خاصة وأنها ترفض منح الجمعيات الوصل القانوني، رغم أن المبدأ في القانون يتحدث عن التصريح، وليس الترخيص، ولكن على أرض الواقع المغربي فالأمر مختلف".

واعتبر أنه "قبل 2011، ورغم القيود والعراقيل التي كانت على المجتمع المدني، فإن العديد من الإمكانيات كانت أمامه كي يقوم بمبادرات ويخلق شبكات وتنسيقيات وتحالفات تتفق في موضوع ما للضغط على الدولة، وخاصة في مجال حقوق الإنسان".

وأضاف أن "التمويل المالي للمجتمع المدني ضعيف جداً، وتوجد قيود من الدولة في تمويل الجمعيات"، مبيناً أن "الاختراق الأجنبي محدود، والدولة نفسها تتلقى تمويلات أجنبية، فلماذا تمنعها على الجمعيات؟"، مشيراً إلى أن "هناك شرطاً قانونياً في الدعم الأجنبي، والتصريح به للأمانة العامة للحكومة في ظرف شهر، والدولة إذا ترى وتراقب الحسابات، وبالتالي فالتمويل محدود ومراقب ولا يشكل خطراً".

وقال الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية- قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الجزائري مصطفى بخوش، إنّ "الحديث عن الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية هو حديث ذو شجون ومعقد، لأنه مرتبط بتزامن عملية الانتقال بتغيرات على المستوى الإقليمي والمحلي، وهي تغيرات دفعت العديد من المحللين إلى الحديث عن الاضطراب في النظام الدولي، وتزامن تعايش عالمين، عالم تكون فيه الدولة الفاعل الرئيسي، وعالم يضم فوارق جديدة تحاول أن تسحب وظائف الدولة لمصلحتها".

واعتبر بخوش أن "هذه الفوارق عقّدت قدرتنا على فهم ما يحدث على المستوى الدولي"، معتبراً أن "التجربة في الجزائر من حيث علاقة المجتمع المدني بالسلطة هي علاقة تبعية وعلاقة "زبونية" لا تختلف كثيراً عما هو موجود في العديد من الدول العربية باختلاف بعض الخصوصيات التاريخية". 

وأضاف أنه سيستند إلى المقولة التي تشير إلى أنّ "أكبر فشل هو أننا أنشأنا مؤسسات ولم ننشأ مجتمعاً مدنياً، وهي حقيقة كامنة في المجتمعات العربية، حيث نملك مؤسسات حديثة، ولكنها تظل شكلية، أي ما يعبر عنه بديمقراطية الواجهة"، مشيراً إلى أن "ضعف مؤسسات المجتمع المدني والطابع الزبوني في علاقة مؤسساتها بالدولة في الجزائر ساهم في ديمومة نمط الحكم دون الحاجة إلى البحث عن بدائل ديمقراطية جديدة وبدائل في الحكم".

واعتبر أن "المجتمع المدني يتميز بعدم الاستقلالية والتبعية للسلطة، بسبب غياب التحرك والمبادرة"، مبيناً أن "المجتمع المدني في الجزائر محكوم بالتبعية بسبب النمط الاقتصادي السائد والقائم على صادرات النفط، فالدولة تملك الثروة وتمسك بزمام المبادرة، وهي التي توزع الثروة بحسب درجات الولاء وليس الكفاءة والنزاهة".

وقال الباحث السوري نائل جرجس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "المنطقة العربية تعاني من أنظمة استبدادية، والدور الذي منح للمجتمع المدني لم يكن لانتقاد الانتهاكات التي يرتكبها النظام، بل للقيام بدور في دعم الشعوب المختلفة في الدول العربية عن طريق خدمات تقوم على الصعيد الإنساني، وبرامج المصالحة الوطنية، وخاصة في الدول التي عرفت نزاعات مسلحة".

وأوضح جرجس أن "التجربة السورية عاشت تصحراً على مستوى الحراك المدني، فمنذ وصول النظام البعثي إلى السلطة تم اعتماد سياسة الحزب الواحد، وتهميش دور المجتمع المدني بشكل كامل، باستثناء بعض المنظمات الإغاثية، وأخرى تنشط في مجال حقوق المرأة، والتي أتيح لها إلى حد ما هامش من حرية الحراك، لأن طبيعة الحقوق التي تعمل عليها لا تشكل خطراً، ومع ذلك تدخل النظام وفرض إيديولوجيته على مختلف الأنشطة على حساب برامج المصالحة الوطنية ونشر ثقافة حقوق الإنسان". 

وأضاف الباحث السوري أنّه "في العام 2005، وفي ظل حكم بشار الأسد، تم قمع الناشطين الذين ظهروا وزجهم في السجون، ولكن مع انطلاق ثورة مارس/ آذار 2011 حصلت ثورة على النظام السياسي لإعطاء حيز أكبر للمجتمع المدني والحريات، ووقف الاستبداد، ومع ذلك تم قمع ناشطي المجتمع المدني، وهذا القمع ليس فقط من قبل النظام السوري، بل حتى من قبل تشكيليات عسكرية مسلحة غير حكومية"، معتبراً أن "النشاط القوي للمجتمع المدني كان في الدول المجاورة في لبنان وتركيا، وهؤلاء أدّوا أدواراً مهمة في توثيق الانتهاكات، ومن المنتظر أن يلعبوا دوراً في العدالة الانتقالية وفي المصالحة الوطنية".