قوننة تكميم الأفواه

19 يناير 2017
المشهد المنفلت يخدم السلطة الطامحة لكمّ أفواه الأردنيين(جوردان بيكس/Getty)
+ الخط -
يوماً بعد آخر، يفقد الأردن القدرة على الاختلاف، ويعج الفضاء العام بالضجيج، وينحدر المتحاورون إلى مستوى بدائي في التعبير عن مواقفهم وتوجهاتهم، ولا يتورعون عن استخدام أيديهم في إدارة الحوار بدلاً من عقولهم.

المشهد المنفلت، لا يخدم سوى السلطة الطامحة لكمّ أفواه المواطنين، والتي لا تتوقف عن اعتقال منتقديها ومخالفيها، بشكل يخالف القانون ويضرب بالحريات عرض الحائط. وها هي تخلط السم بالعسل، وتعلن إقدامها على تشريع قانون خاص لمواقع التواصل الاجتماعي. وقبلها أعلنت عزمها تشريع قانون خاص بتجريم خطاب الكراهية.

تبرر السلطة توجهها بالحرص على حفظ السلم الاجتماعي، ومحاصرة التحريض المنظم وخطاب الكراهية، وهي المبررات التي تجد، في ظل المشهد المنفلت، منْ يدافع عنها ويؤيد ما تذهب إليه السلطة التي تضمر نوايا مخالفة لما تعلنه.

تمتلك السلطة ترسانة قانونية تعاقب من يهدد السلم الاجتماعي ومن يتورط بالتحريض، وتلاحق من خلالها مثيري الفتن وخطاب الكراهية. وهي الترسانة التي مكنتها من توقيف أكثر من عشرين متهماً بالتحريض، في أعقاب اغتيال الكاتب ناهض حتر، واعتقال المزيد في أعقاب الاعتداء الإرهابي على ملهى رينا في إسطنبول، ليلة رأس السنة، والذي قُتل فيه أردنيون.

أمام هذه الوقائع، بات من الضروري أن يتوسع النقاش الدائر حول مشروعي القانونين، ليشمل محاسبة السلطة على تقصيرها في تطبيق أحكام القوانين السارية، على الرغم من الانتقادات التي تلاحق تلك القوانين، والتي تجرم نصوص فيها خطاب الكراهية والفتنة، كقانون العقوبات ومنع الإرهاب، وغيرهما من القوانين.

تتحمل السلطة في تقاعسها عن تطبيق القوانين مسؤولية انتشار التحريض وخطاب الكراهية، وانعكاسات ذلك على السلم المجتمعي، وهو ما يجب أن يشمله النقاش الدائر، من دون التوقف عند الانقسام حول مشاريع القوانين التي تطبخ في الخفاء، والتي ستَنْقَضّ بالضرورة على ما تبقى من حرية سقفها منخفض أصلاً.

رفض القوانين وتنظيم حملة لثني السلطة عن المضي في تشريعها يمثل التزاماً أصيلاً بالدفاع عن الحريات، غير أنه بات ضرورياً تنظيم حملات اجتماعية لتوعية وتدريب الناس على فنون الحوار، واحترام الاختلاف، بما يقطع الطريق على أعداء الحرية.

المساهمون