وقالت المصادر المصرية، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كان قد أخبر نظيره المصري سامح شكري، يوم الخميس الماضي، في اتصال هاتفي بينهما، أنّ ترامب سيعيد طرح خيار المفاوضات على أبي أحمد لاستكشاف احتمالات عودته، وأنّ الإدارة الأميركية لديها الاستعداد لتغيير بعض الأمور الإجرائية لتسهيل استئناف المفاوضات انطلاقاً من قاعدة ما توصلت إليه حتى الآن من اتفاقات مبدئية على معظم النقاط العالقة، والتي يقدرها الجانب المصري بنحو 75 في المائة، بينما يقدرها الجانب السوداني بنحو 90 في المائة من البنود.
وأوضحت المصادر أنه من الاحتمالات المطروحة حالياً نقل ملف المفاوضات إلى وزارة الخارجية الأميركية، بدلاً من وزارة الخزانة المتهمة من قبل إثيوبيا بمحاباة مصر، مشيرةً إلى أنّ القاهرة ليست لديها مشكلة في ذلك طالما أنه سيتم البناء على ما تم تحقيق تقدم بشأنه، لكنها تتمسّك باستمرار البنك الدولي كطرف ميسّر ثانٍ مع الإدارة الأميركية، في الوقت الذي تطرح فيه أديس أبابا على الدوائر المعنية مقترحات بشأن الاستعانة بطرف آخر معهما أو بدلاً من البنك الدولي، مثل الاتحاد الأفريقي، وهو ما ترفضه مصر، إذ تعتبر أنّ دخول المنظمة القارية التي ساهمت الدولتان في إنشائها عام 1963، قد يؤدي إلى حساسية مضاعفة بينها وبين أي طرف.
وذكرت المصادر أنّ استئناف المفاوضات حالياً، في ظلّ استمرار أزمة كورونا ووقف الرحلات الجوية، قد يأخذ أشكالاً مختلفة من تبادل الملفات والمناقشات الفنية عبر تقنية "فيديو كونفرنس"، لكن النقاشات التي دارت حتى الآن "لم تصل بعد إلى هذه النقطة"، بل تركّز على نقطة أولية هي حسم موافقة إثيوبيا على العودة إلى المسار، بالإضافة إلى مسألة جوهرية تتمثّل في تعهدها بالامتناع عن ملء الخزان للمرة الأولى من دون موافقة مصر والسودان، وهو الأمر الذي باتت تتفق عليه الدولتان الأخيرتان.
وأشارت المصادر إلى أنّ القاهرة وواشنطن متوافقتان على ضرورة حسم المسألتين قبل شهر يوليو/ تموز المقبل الذي هدّدت إثيوبيا ببدء ملء خزان السدّ خلاله، وخصوصاً أنّ ذريعة اقتراب موعد الانتخابات وضرورة مساندة النظام الإثيوبي الحاكم في معركته السياسية الداخلية وعدم إحراجه لم تعد حججاً قوية، بعدما تم تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقررة في أغسطس/ آب المقبل لأجل غير مسمّى.
وعلى الصعيد الفني، قال مصدر في وزارة الري المصرية إنّ فريق التفاوض المصري تلقّى تعليمات بإعداد تقرير تقني لتضمينه في مجموعة من الأوراق التي ستستخدمها السفارات المصرية في بعض الدول الأوروبية للردّ على الادعاءات التي أثارتها إثيوبيا أخيراً حول سوء استغلال مصر لمواردها ولحصتها من مياه النيل وانخفاض قدرتها على الترشيد. وهي نقطة تروّج إثيوبيا لها، باعتبار أنّ مصر تحمّلها كلفة فشلها في إدارة مواردها، وأنها تحصل سنوياً على أكثر من 80 مليار متر مكعب من مياه النيل، أي بأكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 مليار متر مكعب، الأمر الذي لا تعترف به مصر، وتؤكد أنّ كفاءة استغلال المياه تصل حالياً إلى أكثر من 85 في المائة.
وأضاف المصدر أنه تمّ عقد ثلاثة اجتماعات في الأسبوعين الماضيين بين ممثلين عن المخابرات العامة، ووزارتي الخارجية والري، وخمسة خبراء قانونيين مصريين، جميعهم أكاديميون، للتداول في الأفكار المطروحة للتصعيد القانوني والدبلوماسي للأزمة، كرفع شكاوى للجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو طرح إمكانية اللجوء للتحكيم الدولي. لكن، وبحسب المصدر نفسه، فإنّ هناك إجماعاً بين المتخصصين الذين تستشيرهم الحكومة على عدم نجاعة مثل تلك الحلول، وأنّ التفاوض المباشر استناداً لمرجعية صارمة هو الحلّ الأمثل للاشتباك الواقع حالياً.
وكان السيسي قد صرح مطلع عام 2018 بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سدّ النهضة"، بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني المخلوع عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي. وخالف السيسي بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من تردّي المفاوضات، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي. ثمّ اعترف السيسي خلال المؤتمر الثامن للشباب الذي عُقد في سبتمبر/ أيلول الماضي بصعوبة الموقف. ومن بين ما يعبّر عن اتساع الفجوة بين أفكار السيسي والواقعية الإثيوبية ما حدث خلال زيارة أبي أحمد إلى مصر في يونيو/ حزيران 2018، عندما طلب منه بصيغة أبوية متعالية أن يقسم اليمين خلفه على أنّ إثيوبيا لن تضرّ بمصالح مصر المائية، وردد أحمد خلفه القسم باللغة العربية.
ولم تصدر مصر إشارات أو بيانات تهاجم الإثيوبيين وتلمّح لاستخدام حلول غير دبلوماسية، إلا في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد مقاطعتهم جولة مفاوضات واشنطن الأخيرة، كان أبرزها عقد السيسي اجتماعاً في الثالث من مارس/ آذار الماضي، مع عدد كبير من القيادات العسكرية في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، على رأسهم وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي. وقد تطرّق البيان الرئاسي الصادر عن الاجتماع إلى "ضرورة التحلّي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولاً إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إلى المجتمعين لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظلّ التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة".
وتجادل مصادر مصرية بأنّ إثيوبيا قد لا تستطيع فنياً البدء في ملء الخزان في يوليو/ تموز المقبل، بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السدّ حتى الآن، والمفترض أن يتم الانتهاء منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء.