اتفاق "كفريا - الفوعة"... عبث بالهوية السورية وتكريس لدور طهران الطائفي

19 يوليو 2018
تنفيذ الاتفاق بين الإيرانيين و"النصرة" (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

كرّست إيران الدور الطائفي الذي تؤديه في سورية منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، مع إبرام اتفاق جديد مثير للجدل مع فصيل متشدد، ينص على إخلاء بلدتين شيعيتين شمال غربي سورية من سكانهما، وهو ما يعدّ استمراراً سافراً لسياسة العبث بالهوية السورية، في وقت ينظر الشارع السوري المعارض بعين "الارتياب" إلى الاتفاق الجديد الذي يفتح باب مرحلة جديدة للقضية السورية، مع تخوف هذا الشارع من تبعات هذا الاتفاق ليس على مصير محافظة إدلب فحسب، بل مصير البلاد برمتها.

في هذا السياق، أكدت مصادر محلية دخول نحو 60 حافلة إلى بلدتي كفريا والفوعة قرب إدلب، أمس الأربعاء، لتنفيذ بنود اتفاق توصلت إليه "هيئة تحرير الشام" مع الجانب الإيراني تحت إشراف ورعاية الجانبين الروسي والتركي وأعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي، نصّ على تهجير من تبقى من سكان البلدتين في الريف الشمالي الشرقي لمدينة إدلب، والبالغ عددهم نحو 7 آلاف مدني ومسلح جلّهم منتسب لمليشيات إيرانية، نحو مدينة حلب، على أن يتم نقلهم لاحقاً إلى مناطق أخرى غير محددة حتى الآن.

وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "الحافلات دخلت من معبر العيس في ريف حلب الجنوبي"، مشيرة إلى أن "نحو 60 حافلة أخرى من المتوقع وصولها للبدء في نقل المهجرين". كما نصّ الاتفاق على إطلاق سراح 1500 معتقل في سجون النظام وكشفت المصادر أن "80 في المائة من المفرج عنهم سيكونون ممن اعتقلهم النظام منذ مطلع عام 2018 وحتى نهاية شهر إبريل/نيسان، و10 في المائة ممن اعتقلهم عام 2017 و10 في المائة من السنوات الأقدم". وأضافت المصادر أن "الاتفاق ينص أيضاً على خروج 37 أسيراً من عناصر هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة النصرة ثقلها الرئيسي، من معتقلات حزب الله اللبناني المدعوم من إيران".

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "الاتفاق ينصّ أيضاً على الإفراج عن مختطفين من الطائفة العلوية كانوا قد اختطفوا من منطقة اشتبرق في ريف إدلب الشمالي الغربي في عام 2015 من قبل فصائل متطرفة، مقابل تعهد روسيا بعدم تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، والسماح بتسلم تركيا منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، على أن تعمل أنقرة على التوصل لحل لقضية هيئة تحرير الشام والمجموعات الجهادية في ريف إدلب".

ومن المرجح أن تتم إعادة توطين هؤلاء المهجرين، في مناطق جرى تهجير أهلها في سياق اتفاقيات طائفية سابقة أبرمتها إيران مع المعارضة. وتلقّى الشارع السوري المعارض اتفاق كفريا والفوعة بـ"ارتياب شديد"، خصوصاً "أنه يكرس البعد الطائفي الذي أضافته إيران للثورة السورية من خلال هذه الاتفاقات المشبوهة"، وفق ما كشفت مصادر في ريف إدلب، لـ"العربي الجديد".

من جهتها، لفتت مصادر أخرى إلى أن "وجود مليشيات إيرانية متطرفة في كفريا والفوعة، كان بمثابة شوكة في خاصرة السوريين والتخلص منها ربما يكون شيئاً إيجابياً"، مضيفة: "لكن كان يجب ألا يتم هذا الأمر على حساب المدنيين في كفريا والفوعة الذين كان يجب بقاؤهم في منازلهم، وتوفير حماية لهم على غرار قرى في ريف إدلب غالبية سكانها من الطائفة الدرزية".



وأكدت مصادر محلية أن "غالبية سكان كفريا والفوعة غير راضين عن الاتفاق الذي أبعدهم من منازلهم"، مضيفة أنهم "خرجوا تحت الضغط الإيراني، والتخويف من المصير في حال خروج مليشيات إيران من البلدتين. وكان آلافٌ من سكان الفوعة وكفريا، وبعض المُسلحين هناك، قد غادروا البلدتين على مراحل، خلال السنوات الثلاث الماضية، بعد مفاوضات، من أشهرها اتفاق الزبداني (ثم مضايا وبقين) شمال غربي العاصمة دمشق، العام الفائت، ولاحقاً أثناء تهجير سكان شرق حلب، نهاية سنة 2017، وصولاً إلى اتفاقٍ قضى بتأمين طريق آمن لعناصر هيئة تحرير الشام من مخيم اليرموك جنوب دمشق نحو إدلب، مقابل إفساح الهيئة الطريق لمرور مئات الأشخاص من كفريا والفوعة لمناطق سيطرة النظام، وتم لاحقاً تنفيذه جزئياً".

وحاولت إيران على مدى سنوات فك الحصار عن كفريا والفوعة، من خلال مليشيات متمركزة في ريف حلب الجنوبي، ولكنها فشلت في ذلك، ولم تجد أمامها إلا إبرام اتفاق طائفي يعزز سياسة العبث بالهوية السورية، ويكرس أسلوب التهجير الطائفي الذي بدأته إيران والنظام منذ عام 2014 حين عُقد اتفاق إحياء حمص القديمة.

ودفعت إيران على مدى السنوات الفائتة نحو "تطييف" الصراع في سورية، من خلال العزف على الوتر الطائفي، وإثارة النزعة الطائفية، من أجل ضرب الجوهر الأخلاقي للثورة السورية التي رفعت شعارات وطنية تحض على وحدة سورية، وتنبذ كل خطاب طائفي أو قومي. وكان لطهران الدور البارز في العديد من الاتفاقات القائمة على أساس طائفي. وهي متهمة من قبل المعارضة السورية بمحاولة فرض الهيمنة على العاصمة دمشق وريفها، وعلى مناطق لا تقل أهمية في سورية منها حمص وحلب التي بدأت تعبث بهويتها. وتفعل الشيء ذاته في ريف دير الزور الشرقي، مع تأكيد مصادر محلية أنها شرعت بالفعل ببناء ما تُسميه بـ "المقامات" من خلال مليشيات محلية قامت على أساس طائفي يتزعمها بعض "الزعران" الباحثين عن السلطة والمال. وأفرغت إيران مناطق واسعة من أغلب سكانها، وسلمتها لمليشياتها وخصوصاً في منطقة جنوب دمشق، وتحولت منطقة السيدة زينب إلى محمية إيرانية كاملة لا سلطة فعلية للنظام فيها، وفي منطقة داريا جنوب غربي دمشق، وفي أحياء داخل الأخيرة بعض سكانها شيعة، إضافة إلى منطقة القصير غرب حمص التي خلت من سكانها منذ عام 2013، بعد حملة شرسة من حزب الله، ومناطق في ريف دمشق، خصوصاً وادي بردى، وأخرى في ريف حلب الجنوبي الذي بات معقلاً لمليشيات عراقية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.

من جانبه، تساءل رئيس اللجنة العسكرية في وفد المعارضة السورية في مسار أستانة العقيد فاتح حسون، عن المكان الذي سينقل إليه المهجرون من كفريا والفوعة "إلى الخالدية (حمص)، أم داريا (دمشق) أم القصير؟"، مضيفاً لـ "العربي الجديد"، أن "أي منطقة سنية سيستقرون بها؟". وتابع: "على الرغم من أهل هاتين القريتين انتقلوا من كونهم مدنيين إلى مقاتلين، وعلى الرغم من أنهم أصبحوا خنجراً مسموماً في ظهر المنطقة المحررة في الشمال السوري، لكن هذا الاتفاق سيعطي انطباعاً تاريخياً بأن ثورتنا طائفية، وبأن التغيير الديمغرافي والتهجير القسري سلاح استخدمه الجميع، وهذا غير صحيح، فتهجير السنة السوريين القسري تهجير ممنهج من قبل النظام، أما تهجير الشيعة السوريين، فلا يعدو أن يكون حفاظاً عليهم".