لم يجد الجانب التركي بدًّا من فضّ نقطة اعتصام شعبي على الطريق الدولي "أم 4" (حلب-اللاذقية) الذي يربط الشمال السوري بالساحل، وذلك لتطبيق أهم بنود اتفاق موسكو الذي وقّعه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، مطلع شهر مارس/آذار الماضي، وهو تسيير دوريات مشتركة على الطريق، في خطوة باتجاه استعادة حركة التجارة ومرور المدنيين عليه، وذلك بعد نحو 40 يوماً على الاتفاق، فشل الجانبان خلالها في تسيير دورية مشتركة على كامل الطريق.
وبحسب مصادر محلية في إدلب، فإنّ الجيش التركي اقتحم، مع ساعات الفجر الأولى من يوم أمس الإثنين، خيام المعتصمين في نقطة متقدمة شرق بلدة النيرب بريف إدلب الشرقي، وطردهم وجرف خيامهم، مشيرةً إلى أنّ المعتصمين تراجعوا إلى خيام الاعتصام في النقطة المركزية في النيرب.
بدورها، أشارت مصادر في فصائل المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الجيش التركي "لم يفضّ كامل الاعتصام"، موضحةً أنه "أزال نقطة متقدمة جداً من المحتل الروسي. أما نقطة الاعتصام الرئيسية بالقرب من مدينة أريحا، فلم يقترب منها أحد". غير أنّ المصادر ذاتها لم تستبعد أن يستمرّ التقدّم التركي باتجاه النقاط الأخرى، وإزالتها كلها، لفتح الطريق الدولي بالقوة. ومن الواضح أنّ الجانب التركي مصرُّ على تنفيذ ما اتفق عليه مع الجانب الروسي حيال الشمال الغربي من سورية، كي لا يترك أي فرصة للنظام والروس لنقض الاتفاق، والبدء بعمل عسكري واسع النطاق ستكون له تبعات سلبية على تركيا، لجهة دفع عشرات آلاف المدنيين باتجاه حدودها، مما يخلق أزمات إنسانية تحاول أنقرة تجنّبها.
وكان اتفاق الرئيسين أردوغان وبوتين، الموقّع في 5 مارس الماضي، قد نصّ على وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب-اللاذقية "أم 4"، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق "أم 4"، فأشار إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين موسكو وأنقرة على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس الفائت. وفشلت القوات الروسية ونظيرتها التركية في تسيير أولى الدوريات المشتركة على الطريق، إذ انطلقت الدورية في منتصف الشهر الفائت بمقتضى الاتفاق، من بلدة سراقب شرق إدلب، ووصلت إلى بلدة النيرب، لتعود مجدداً إلى النقطة التي انطلقت منها بسبب قطع الطريق من قبل مدنيين محتجين. وسيّر الجانبان التركي والروسي، في الثالث والعشرين من الشهر الفائت، دورية ثانية على الطريق الدولي "أم 4" من منطقة الترنبة التي تقع تحت سيطرة قوات النظام وروسيا، إلى حدود سيطرة فصائل المعارضة العسكرية بالقرب من بلدة النيرب بريف إدلب الشرقي. وفي الثامن من شهر إبريل/نيسان الحالي، سيّر الجانبان التركي والروسي دورية ثالثة على الطريق، إذ أوضحت وزارة الدفاع الروسية وقتها أنه شاركت في الدورية من الجانب الروسي مدرعتان وسيارة مصفحة، بينما قامت طائرات روسية بدون طيار بالتحكم في مسار الدورية من الجو وتأمين الحماية لها.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، رجّح القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى البكور، عدم قدرة أنقرة وموسكو على فتح الطريق الدولي "أم 4" واستعادة حركة السير والترانزيت كما تخططان "ما لم يتم الاتفاق مع القوى العسكرية الكبرى، وهي هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، والجيش الوطني السوري (تابع للمعارضة السورية)"، وفق قوله.
ويواجه تسيير دوريات مشتركة، ومن ثمّ استعادة الحركة على الطريق، تحديات كبيرة في ظلّ رفض مجموعات منضوية في غرفة عمليات "وحرّض المؤمنين"، للاتفاق الروسي، وهي من الممكن أن تخلق عقبات في طريق تطبيق الاتفاق. وتضمّ هذه الغرفة، التي أُنشئت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مجموعات متشددة، منها "تنظيم حراس الدين"، و"جبهة أنصار الدين"، و"أنصار التوحيد"، و"جماعة أنصار الإسلام". وكان من اللافت أنّ "هيئة تحرير الشام" سهّلت مهام الجيش التركي في نشر آلاف الجنود في أكثر من 50 نقطة انتشار له في محافظة إدلب، ما يعني أنّ الهيئة تسعى إلى عقد صفقة مع أنقرة تسمح من خلالها بتسيير الدوريات التركية الروسية مقابل عدم التعامل معها عسكرياً من أجل تفكيك بنيتها العسكرية القوية في الشمال الغربي من سورية. وربما تشارك الهيئة في استئصال المجموعات المتطرفة الأخرى، في حال قرر الجيش التركي تحييدها عن المشهد، في محافظة إدلب وفي ريف اللاذقية الشمالي حيث تتمركز.
ويبدأ الطريق الدولي "أم 4" من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري غربي البلاد، ثمّ يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ليمرّ بقرية فريكة، قاطعاً ريف إدلب الجنوبي، حيث يمرّ عبر مدينة أريحا. وفي مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، يلتقي طريق "أم 4" مع طريق "أم 5" الآتي من مدينة حماة، ليشكلا طريقاً واحداً باتجاه مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري. وتسيطر فصائل المعارضة السورية على جانب مهم من هذا الطريق، بدءاً من منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، مرواً بمدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، وصولاً إلى بلدة النيرب في ريف إدلب الشرقي، بينما يسيطر النظام على ما بقي منه وصولاً إلى مدينة حلب. ويعدّ هذا الطريق هدفاً للجانب الروسي الساعي إلى إنعاش اقتصاد النظام المتهالك، من خلال فتح الطريق أمام حركة التجارة والمسافرين، في خطوة باتجاه استعادة حركة الترانزيت الآتية من تركيا، مروراً بسورية، ومن ثم إلى الأردن ومنه إلى الخليج العربي ومصر.
وتدلّ المعطيات على أنّ الجانبين التركي والروسي جادان هذه المرة في تنفيذ ما اتفقا عليه في موسكو، خصوصاً لجهة تثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة الحركة للطرق الدولية في الشمال الغربي من سورية. ويدرك الجانب التركي أهمية هذه الطرق للجانب الروسي، لذا لن يصمت طويلاً أمام محاولات تعطيل الاتفاق في مقابل تعهّد الروس بعدم شنّ هجوم جديد على محافظة إدلب.
وبات الجيش التركي قادراً على التحكم بمجريات الأحداث بعد أن نشر ما يربو عن 20 ألف جندي في ريف إدلب، على مدى أكثر من شهر. ولا يزال هذا الجيش يواصل استقدام تعزيزات إلى نقاطه المنتشرة في عموم محافظة إدلب، حيث دخل، مساء الأحد، رتل عسكري تركي من نقطة كفر لوسين الحدودية في ريف إدلب الشمالي، ووصل إلى نقاط المراقبة التركية شرق إدلب، وهو يضم تعزيزات لوجستية، بحسب ما أشارت مصادر لـ"العربي الجديد".
إلى ذلك، دخل وقف إطلاق النار في شمال غرب سورية يومه الأربعين، مع استمرار الهدوء النسبي الذي تتخلله عمليات قصف من قوات النظام، ومحاولات تسلل وتقدم في جبهات عدة، يقابلها ردّ من فصائل المعارضة السورية في المنطقة.
وفي السياق، قصفت قوات النظام، أمس الاثنين، بالمدفعية الثقيلة، بلدتي سرمين والنيرب بريف إدلب الشرقي، بينما أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بوقوع اشتباكات بعد منتصف ليل الأحد – الاثنين بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، والفصائل المعارضة السورية من طرف آخر، على محور كفرنبل بريف إدلب الجنوبي.
من جانبها، ذكرت مصادر محلية أنّ فصائل المعارضة صدت محاولة تقدّم لقوات النظام وتلك التابعة لروسيا على محور بلدة البارة بمنطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، فجر أمس، مشيرةً إلى أنّ الفصائل كبدت قوات الأسد خسائر فادحة بالعتاد والأرواح، وأجبرتها على العودة إلى مواقعها.