مؤتمر الرياض 2: فرصة للتوافق أم اعتماد خطاب مهادن؟

18 نوفمبر 2017
التحدي الأبرز هو تشكيل وفد مفاوض موحّد(فيليب ديماز/فرانس برس)
+ الخط -


تستعد المعارضة السورية للتوجّه مرة أخرى إلى العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة في مؤتمر الرياض 2، على أمل الخروج بتوافق ينهي حالة تشظٍ تعيشها منذ سنوات، ساهمت أطراف إقليمية ودولية بتكريسها. لكن مخاوف جدية تسود من محاولات الضغط على المعارضة من أجل تغيير خطابها وتبنّي منهج جديد مهادن تحت ذرائع مختلفة أبرزها "القراءة السياسية الواقعية" للموقف الإقليمي والدولي، وهو ما يعني التخلي عن مبادئ الثورة السورية، خصوصاً أن نصف المدعوين من قِبل السعودية للمؤتمر، هم "شخصيات مستقلة"، بلا مرجعيات لها وزن، ما يثير مخاوف من ضغوط قد تُمارس على هذه الشخصيات لتمرير إملاءات معينة لا تتوافق مع طموح الشارع السوري المعارض.

وكشفت مصادر مطلعة الأربعاء لـ"العربي الجديد" أن نحو 144 شخصية ستشارك في المؤتمر الموسع للمعارضة، المزمع عقده في الرياض الأربعاء والخميس المقبلين، ويضم تيارات سياسية معارضة فاعلة، مشيرة إلى أن الحصة الأكبر من المدعوين هي لـ"المستقلين". وأوضحت المصادر أن الخارجية السعودية طلبت من الائتلاف الوطني السوري ترشيح 22 من أعضائه للمشاركة في المؤتمر، كما طلبت من هيئة التنسيق الوطنية ترشيح 14، ومن منصة القاهرة عشرة أعضاء، ومن منصة موسكو سبعة، بينما تختار الرياض 70 شخصية "مستقلة" للمشاركة في المؤتمر. وكانت وزارة الخارجية السعودية، أعلنت في بيان، الإثنين الماضي، أن المؤتمر "يهدف إلى التقريب بين أطراف المعارضة السورية، ومنصاتها، وتوحيد وفدها التفاوضي لاستئناف المفاوضات المباشرة في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة".

كما أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أول من أمس الخميس، أن مؤتمر المعارضة الموسع سيُعقد الأربعاء والخميس المقبلين، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، أن الهدف من المؤتمر هو "توحيد جهود المعارضة والخروج بوفد مفاوض واحد"، مشيراً إلى أن الخارجية السعودية بدأت بتوزيع الدعوات لحضور المؤتمر.

ويهدف المؤتمر إلى إجراء تغييرات جوهرية في هيكلية الهيئة العليا للمفاوضات، التي انبثقت عن مؤتمر الرياض 1 أواخر عام 2015، والذي صدر عنه بيان بات من أهم الوثائق السياسية للمعارضة، ونصّ على إجراء مفاوضات مع النظام تنتهي بحل يقوم على انتقال سياسي وفق قرارات دولية، أهمها بيان جنيف 1، يؤدي إلى إنشاء دولة تعددية ديمقراطية في سورية. لكن التحدي الأبرز أمام المعارضة في المؤتمر الذي اصطلح على تسميته بـ"الرياض 2" هو في تشكيل وفد واحد وموحّد، يضم الهيئة العليا للمفاوضات، ومنصتي القاهرة وموسكو، خصوصاً بعد أن لمّح المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أخيراً إلى أن استئناف التفاوض مرتبط بهذا الأمر.

وأكد رئيس الائتلاف الوطني السوري، رياض سيف، في حديث لوكالة "الأناضول"، أن مصير رئيس النظام بشار الأسد محسوم بالنسبة للمعارضة برحيله، معتبراً أن مؤتمر الرياض 2 سيعزز موقف المعارضة في مفاوضات جنيف المقبلة. وشدد على أنه "لن يكون هناك تعديل يذكر فيما يتعلق بالموقف من رحيل الأسد، وأغلب المشاركين في المؤتمر (الرياض) يدعمون موقف الائتلاف في هذا الصدد"، معتبراً أن المؤتمر "سينجح في تشكيل رؤية واضحة للمعارضة". وفيما يخص الوفد المفاوض الموحد، رأى سيف أنه "يمكن الوصول لذلك، فإن كان الجو وطنياً في الرياض، ويبحث عن حلول، ويريد أن يحقق إنجازاً عبر الحل السياسي وانتقال السلطة، فلا أعتقد أن سورياً صادقاً مع نفسه وشعبه، يرفض العمل بهذا الاتجاه"، مستدركاً: "لكن إذا كانت مصالح الدول وحالة الاستقطاب الراهنة ستغلب على المصالح العامة للشعب (السوري)، هنا يكون الاختلاف والافتراق". وأوضح أن النقطة التي يمكن أن تكون حاسمة بشأن تشكيل الوفد الموحد للمعارضة هي "قضية وجود الأسد أو عدم وجوده في المرحلة الانتقالية وما بعدها".


في المقابل، أشارت مصادر رفيعة المستوى في الهيئة العليا للمفاوضات، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن أوساط المعارضة "فوجئت بالتوزيع السعودي لقائمة المدعوين لمؤتمر الرياض 2"، مؤكدة أن "حرص المعارضة على إنجاح المؤتمر يحول دون الاعتراض العلني على هذا التوزيع غير المتوازن"، مضيفة: "الاعتراض العلني يُعدّ مقدمة لتفجير المؤتمر قبل عقده، وهذا ما لا نريده، فربما يكون فرصة حقيقية للتوافق لمواجهة استحقاقات المرحلة الأصعب في تاريخ سورية المعاصر". وتوقفت المصادر عند دعوة وزارة الخارجية السعودية لسبعين شخصية سورية "مستقلة"، قائلة إن "هذه الشخصيات بلا مرجعيات حزبية أو هيئات سياسية لها وزن في المشهد السوري المعارض، ومن ثم لا يوجد أحد يحاسبها في حال انخفض سقف مطالبها إلى ما دون طموح الشارع السوري المعارض".

وجزمت المصادر بأن ضغوطاً إقليمية ودولية مورست على الرياض من أجل توسيع قائمة المستقلين لتضم شخصيات "مرنة" يمكن أن تمرر إملاءات معينة لا تتوافق والرؤية العامة للهيئة العليا للمفاوضات، في محاولة لوأد الهيئة أو التقليل من شأنها في المرحلة المقبلة، وهي مرحلة التسويات الأخيرة. واستغربت المصادر دعوة سبعة من منصة موسكو، مضيفة باستهزاء: "منصة موسكو كلها ربما لا تضم هذا العدد"، مؤكدة أن الهيئة العليا للمفاوضات "لم تلمس أي تراجع سعودي إلى ما دون سقف المعارضة، ولا نعتقد أن الرياض ستمارس ضغوطاً علينا من أجل الحصول على تنازلات سياسية".

وأكدت المصادر أن الائتلاف الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية والفصائل العسكرية، وهي ركائز الهيئة العليا للمفاوضات، "تذهب إلى الرياض 2، ولا تحمل في جعبتها ما يتناقض أو لا يتوافق مع مبادئ الثورة السورية"، مضيفة: "سقفنا السياسي معلوم للجميع، وهو التفاوض مع النظام لإيجاد حل سياسي يقوم على بيان جنيف 1 والقرارين الدوليين 2218، و2254، ويجب أن يُطرح مصير بشار الأسد على طاولة التفاوض فهو جوهر العملية التفاوضية"، مشددة على "أننا لن نقبل بأي حل سياسي لا يؤدي إلى تغيير عميق وجوهري في سورية، مهما مورست علينا من ضغوط".

من جهته، رأى عضو الهيئة العليا للمفاوضات أحمد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مؤتمر الرياض بمثابة فرصة متوفرة وحيدة من أجل توحيد جهود المعارضة، وسنعمل على إنجاحها". العسراوي وهو قيادي في هيئة التنسيق الوطنية، أعرب عن اعتقاده بأن المؤتمر "سيخرج بنتائج إيجابية على صعيد تشكيل وفد مفاوض واحد"، وهو المسعى الذي فشلت المعارضة في تحقيقه على الرغم من تعدد المؤتمرات بسبب تباين كبير في الرؤى بين تيارات مختلفة.

ويُعد قبول منصة موسكو بحضور مؤتمر الرياض 2 مؤشراً على توافق روسي سعودي للدفع باتجاه تشكيل وفد واحد للمعارضة السورية في مفاوضات جنيف التي ستبدأ جولة جديدة منها أواخر الشهر الحالي. ولم تنجح لقاءات سابقة بين الهيئة العليا للمفاوضات ومنصة موسكو في ردم هوة الخلاف بينهما، إذ ترى الأخيرة أن دستور عام 2012 يحكم المرحلة الانتقالية، وذلك اتساقاً مع الرؤية الروسية للحل القائمة على إعادة تأهيل النظام السوري برمته، وتنصيب بشار الأسد مرة أخرى رئيساً للبلاد.

وتداولت وسائل إعلام تتبع للمعارضة السورية قائمة أسماء مدعوين إلى مؤتمر الرياض 2 لم تؤكدها مصادر رسمية، تتضمن شخصيات مثيرة للجدل بسبب تبنّيها خطاباً مهادناً، ومنها من هو متهم بإشاعة روح الهزيمة في الشارع السوري المعارض تحت ذريعة القراءة الواقعية للخارطة السياسية الإقليمية والدولية. وكانت مصادر في الائتلاف الوطني السوري قد أكدت لـ"العربي الجديد" أن "أغلب الذين حضروا الرياض 1 من المتوقع حضورهم مؤتمر الرياض 2 إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة، وشخصيات مستقلة غير مرتبطة بتيارات سياسية".