الانتخابات الإسرائيلية الثالثة: نصر لنتنياهو بلا حسم

04 مارس 2020
نتنياهو يحاول استمالة نواب من أحزاب أخرى (أرتور ريداك/Getty)
+ الخط -
انتصر رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو، في الانتخابات الإسرائيلية العامة، التي جرت الإثنين الماضي، على خصمه الرئيسي الجنرال بني غانتس. فقد حصل "الليكود"، بقيادة نتنياهو، بحسب 90 في المائة من الأصوات التي تم فرزها، أمس الثلاثاء، على 36 مقعداً، متقدماً على حزب "كاحول لفان"، الذي يتزعمه غانتس بأربعة مقاعد. وتراجعت حصة "كاحول لفان" من 33 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، التي جرت في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى 32 مقعداً، وهو ما عكس نكسة حقيقية، بحسب النتائج الحالية للحزب الذي سعى للإطاحة بنتنياهو من سدة الحكم التي تربع عليها منذ انتخابات العام 2009.

لكن انتصار نتنياهو على غانتس، بالرغم من الأهمية الكبيرة التي يوليها له رئيس الحكومة نفسه لجهة تأكيد أن حزبه هو الأكبر في إسرائيل، وأن الجمهور الإسرائيلي منحه الثقة مجدداً، ظل منقوصاً، إذ فشل نتنياهو بأن يحقق مع باقي الأحزاب المنضوية تحت معسكره اليميني – الحريدي ("الليكود"، و"شاس"، و"يهدوت هتوراة"، و"يمينا") هدفه المعلن في الأيام الأخيرة وهو 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست، ما يمكنه من تشكيل حكومة ائتلاف دون الاستعانة بمقاعد حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان.

وبالرغم من الإنجاز الذي حققه نتنياهو، أمس الأول، فإن نتائج 90 في المائة من الأصوات الصحيحة لم تفضِ إلى حسم قاطع لصالح نتنياهو، أو في المقابل لصالح غانتس، الذي حصل تحالفه "كاحول لفان" مع تحالف حزب "العمل ــ غيشر" على 39 مقعداً فقط، مقابل 43 مقعداً في انتخابات سبتمبر الماضي. ما يعني أنه كي يشكل جسماً مانعاً، أو ائتلافاً حكومياً ضيقاً، فإنه بحاجة لقبول حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة ليبرمان، الذي حصل على 7 مقاعد، بالانضمام لحكومة وائتلاف حكومي مدعوم من القائمة المشتركة للأحزاب العربية. وقد خرجت الأخيرة هي الأخرى منتصرة في هذه الانتخابات، إذ زاد عدد مقاعدها من 13 إلى 15 مقعداً، ما يعزز قدرتها على أن تكون طرفاً معطلاً لتشكيل حكومة بقيادة نتنياهو، دون أن يعني أنها مرشحة أو قادرة على الانضمام لحكومة بديلة بقيادة الجنرال بني غانتس.

وبالرغم من النصر الذي حققه نتنياهو على الصعيد الشخصي والحزبي برفع عدد مقاعد "الليكود" إلى 36 مقعداً، ومجمل مقاعد المعسكر المؤيد له من 56 إلى 59 مقعداً، إلا أن الطريق أمام تشكيل حكومة لا يزال مرصوفاً بعراقيل مختلفة، ولا سيما أن عملية فرز نحو 10 في المائة من الأصوات، أي نحو 400 ألف صوت، استمرت مساء أمس الثلاثاء، وينتظر أن تنتهي مساء اليوم الأربعاء، لتبدأ بعدها عملية فرز نحو 3500 صوت منفصلة، هي لإسرائيليين ممن يخضعون حالياً لنظام العزل الفردي الطوعي، بفعل عودتهم أخيراً من دول ينتشر فيها فيروس كورونا.
ومع أنه من الصعب توقع انقلاب كبير في النتائج النهائية للتصويت، إلا أن الخيار يبقى قائماً، وخصوصاً أن الأحزاب الرئيسية التي ستستفيد من أصوات الجنود، هي بالأساس الأحزاب الصهيونية، وهي "الليكود" و"كاحول لفان" و"يسرائيل بيتينو" وتحالف "العمل ـ ميرتس ـ غيشر"، وتحالف "يمينا"، فيما يستبعد أن يصوت الجنود للأحزاب الحريدية غير الصهيونية ("شاس" و"يهدوت هتوراة")، التي لا يخدم مصوتوها عادة في الجيش، ولا القائمة المشتركة للأحزاب العربية.

ومع ظهور النتائج، أمس، فقد بدا واضحاً أنها لا تعني بالضرورة حسماً لصالح حكومة برئاسة نتنياهو، وأنها تنذر باستمرار الأزمة السياسية في إسرائيل، في حال لم يطرأ تغيير على موقف حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة ليبرمان، ولم يقرر ليبرمان الانضمام بشروط معينة لائتلاف برئاسة نتنياهو. ومع أن ليبرمان أعلن، خلال المعركة الانتخابية، أن عهد نتنياهو انتهى وولى، إلا أنه قال، أمس، في تعقيبه على نتائج الأصوات التي تم فرزها، إن الكتلة البرلمانية لحزبه ستجتمع، غداً الخميس، لتبت نهائياً في وجهتها، هل تدعم معسكر نتنياهو أم تتجه لدعم معسكر غانتس.

في المقابل، أعلنت مصادر رسمية في "الليكود"، أمس الثلاثاء، أن نتنياهو بدأ اتصالاته مع أعضاء في الكنيست من المعسكر المناهض له، لم يتم الكشف عن هويتهم، في محاولة لاستمالتهم للانشقاق عن أحزابهم الأم والانضمام إلى ائتلاف بقيادته. وقد أشهر نتنياهو بنفسه هذا الأمر، عندما قال، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، صباح الاثنين، في يوم الانتخابات، إن معسكره يقترب من تحقيق هدف 60 مقعداً، لكن في حال لم يصل إلى 61 مقعداً فإنه يحمل مفاجآت كثيرة وأن عضو الكنيست الإثيوبي الأصول غادي يبركان، الذي انتقل خلال المعركة الانتخابية إلى معسكر "الليكود" لن يكون الأخير الذي يفعل ذلك، وأنه يعتزم القيام بمحاولة لاستمالة أعضاء من الأحزاب المعارضة له للانضمام إلى ائتلافه الحكومي.

ورشحت وسائل الإعلام، مدفوعة بتسريبات من جهات في "الليكود"، أن المرشحين لهذا الأمر هم إما النائب أورلي ليفي أبوكسيس، من تحالف "العمل ـ غيشر ــ ميرتس"، أو كل من تسفي هاوزر ويوعاز هندل وعومر ينكلوفيش، من حزب "كاحول لفان"، ولا سيما أنهم معروفون بحمل آراء يمينية متطرفة ويرفضون أي تعاون مستقبلي، ولو من خارج الائتلاف الحكومي مع القائمة المشتركة للأحزاب العربية. وكان رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، قد قال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أمس الثلاثاء: "قبل أربعة أشهر، أردنا إسقاط نتنياهو. ليس فقط لأنه المحرض الأكبر واليميني الأخطر بالسابق، وإنما أيضاً من أجل إسقاط صفقة القرن. غانتس تبنى في الشهر الأخير أيضاً صفقة القرن وأيضاً الضم أحادي الجانب وأيضاً أغلبية يهودية. لا يوجد أي مجال للحديث عن أي إمكانية لأي توصية في ظل هذه المواقف". وأعلن رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي أمطانس شحادة، هو الآخر، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية العامة، أن نواب التجمع الثلاثة ضمن القائمة المشتركة، لن يوصوا ولن يدعموا ترشيح غانتس.

ومن المقرر بحسب الجدول الزمني المعلن، أن تنتهي مساء اليوم الأربعاء، عملية فرز أصوات الجنود والمساجين والمرضى والملاحين، لتبدأ في ساعات مساء اليوم الأربعاء، عملية فرز أصوات الإسرائيليين الذين اقترعوا في مراكز خاصة، بفعل الخوف من إصابتهم بفيروس كورونا، حيث سيقوم موظفو لجنة الانتخابات المركزية بأنفسهم بعملية فرز الأصوات. ووفقاً للجنة الانتخابات المركزية، فمن المقرر أن تعلن النتائج النهائية والرسمية يوم غد، الخميس. وإذا سار كل شيء وفقاً للجدول الزمني المعلن، فإنه سيكون بمقدور رئيس الدولة رؤبين ريفلين بدء المشاورات القانونية مع ممثلي الكتل البرلمانية، يوم الاثنين المقبل، لتحديد هوية المرشح الذي سيكلف بتشكيل الحكومة المقبلة.

مع ذلك، فإن التماساً قدمته جمعية نزاهة الحكم للمحكمة العليا، مطالبة إياها بتحديد مقاييس ومعايير واضحة لرئيس الدولة تحول دون تكليف مرشح توجد ضده لوائح اتهام رسمية وقرار بالمحاكمة بتهم تلقي الرشاوى والفساد وخيانة الأمانة العامة، لتشكيل الحكومة المقبلة. وقد استبعدت جهات سياسية وقضائية أن تتدخل المحكمة الإسرائيلية العليا، بفعل نتائج الانتخابات، في هذه المسألة، وأن ترد الدعوى تحت بند أن هذه القضية سياسية وليست قضائية، وخصوصاً أن القانون الإسرائيلي يجيز لرئيس حكومة مواصلة عمله في منصبه وهو يخضع لمحاكمة، إلى حين صدور قرار قضائي نهائي بالإدانة. وادعت جمعية نزاهة الحكم، على لسان مديرها البروفيسور إلعاد شراغا، أن نتنياهو ليس رئيس حكومة منتخب، بل هو رئيس حكومة تصريف أعمال ومرشح لمنصب رئاسة الحكومة، وبالتالي على المحكمة العليا أن تصدر قراراً تصريحياً بأنه ليس أهلاً لتكليفه بتشكيل الحكومة.

وستشهد إسرائيل في الأيام القريبة المقبلة استمرار حالة عدم اليقين بقدرة نتنياهو على تشكيل حكومته الخامسة، مع سيل من الأنباء المتناقلة عن هوية أعضاء الكنيست الذين قد يتركون أحزابهم وقوائمهم الانتخابية لصالح الانضمام لائتلاف بقيادة نتنياهو من جهة، واحتمالات الاتجاه إلى انتخابات رابعة في نهاية المطاف، إذا فشل نتنياهو بتشكيل حكومة خامسة، سواء كانت ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية مع تحالف "كاحول لفان"، أو جزء من مركبات التحالف المكون أصلاً من ثلاثة أحزاب مستقلة.
المساهمون