النظام يُصعد شروطه في معضمية الشام لإخضاع مقاتلي المعارضة

07 سبتمبر 2016
خرج الآلاف من أهالي المدينة في أوقات سابقة(فرانس برس)
+ الخط -
رفعت لجنة التفاوض عن النظام السوري في معضمية الشام، نبرة تهديداتها خلال جلسات المفاوضات الجارية مع وفد أهالي المدينة الواقعة في ريف دمشق الجنوبي الغربي، والتي تسيطر عليها المعارضة السورية منذ عام 2013، لتصل إلى منع النظام خروج المقاتلين الرافضين للتسوية نحو إدلب، مع التلميح إلى أنه سيحدد لهم وجهتين: إما خارج البلاد نحو لبنان أو الأردن، أو إلى مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الرقة أو دير الزور، وذلك بحسب ما أكدت مصادر مطلعة على مسار المفاوضات لـ"العربي الجديد".
لكن مصادر "العربي الجديد" داخل المدينة، أكدت أن هذه التهديدات لا تبدو جدية وواقعية، بقدر ما تهدف إلى ممارسة ضغوطٍ على المقاتلين الرافضين للتسوية للحيلولة دون خروجهم إلى إدلب، لأن النظام يريد بقاءهم ضمن معضمية الشام كي يتحولوا من مقاتلين في صفوف المعارضة، إلى لجانٍ عسكرية وشرطية تدير المدينة تحت إشرافه، وهو ما يرفضه مقاتلون من المعارضة، كان من المفترض أن يخرجوا إلى إدلب، على أن يبقى من رضخ لشروط النظام في المعضمية.
وقالت مصادر في الائتلاف السوري، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام صعّد من شروطه خلال الساعات القليلة الماضية في المعضمية، إذ زاد ضغطه ورفض خروج المقاتلين الذين لم يوافقوا على التسوية إلى إدلب، وأبلغهم بأن الوجهة للمقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية هي لبنان والأردن من دون سلاح فردي أو أي أمتعة ولا ذخيرة ولا أي قطعة نقود"، وذلك بعد أن كان مسار التفاوض، يسير تقريباً وفق البنود نفسها التي أدت لتهجير آخر السكان المدنيين في داريا وخروج مقاتليها بسلاحهم الفردي إلى محافظة إدلب.
وأضافت المصادر المطلعة على مسار التفاوض في معضمية الشام، أن "لجنة التفاوض عن أهالي المعضمية، كانت قد قدّمت في السابق شروطها المتعلقة بخروج المقاتلين الرافضين للتسوية بسلاحهم الفردي مع الذخيرة إلى إدلب وفق قوائم يتم إعدادها، لكن رد النظام جاء بالرفض"، مشيرة إلى أن "النظام أرسل رسالة مفادها بأن الحرب مقبلة وأن قواته ستقوم اليوم بإخلاء شامل للنساء والأطفال من المعضمية والبدء بعمل عسكري بمشاركة الروس، علماً أن طريق المعضمية الوحيد نحو دمشق الذي كان مفتوحاً للحالات الإنسانية تم إغلاقه صباح أمس".
وتواصلت "العربي الجديد" مع مصادر في معضمية الشام، والتي أكدت أن الأمور متأزمة داخل المدينة بعد أن ظهرت بوادر انفراجة في مسار التفاوض تشير إلى أن الأمور متجهة نحو خروج مقاتلي المعارضة الرافضين للتسوية نحو محافظة إدلب، وبقاء من انصاع لشروط النظام داخل المعضمية.


وقال الناشط الإعلامي الموجود في المعضمية داني قباني، لـ"العربي الجديد"، إن "لجنة التفاوض عن النظام هددت برفض خروج المقاتلين الرافضين للتسوية مع عائلاتهم إلى إدلب، ووضعت خيارات بأن تكون وجهاتهم إما إلى الرقة أو دير الزور، أو نحو الحدود الأردنية أو اللبنانية، واشترطت كذلك على من يريدون الخروج، تسجيل أسمائهم الثلاثية مع عائلاتهم، وأن يغادروا من دون أي سلاح، مع التهديد بحملة عسكرية ضخمة قد تبدأ خلال 24 ساعة إذا ما تم رفض الشروط".
مصادر في المدينة بينها قباني وآخرون، اعتبرت أن "هذه التهديدات تهدف لدفع المقاتلين الذين رفضوا التسوية للانصياع لها، إذ يريد النظام منهم أن يبقوا في المدينة كلجان شرطة وأمن تحت إشرافه"، مؤكدة أن "النظام يعمل كما كان يروج منذ عقد الهدنة في معضمية الشام في ديسمبر/كانون الأول سنة 2013، لأن تصبح المعضمية نموذجاً للمصالحات التي تتم وفق أهوائه وتخدم أهدافه بالكامل".
مصادر أخرى في المدينة قالت لـ"العربي الجديد" إن "أعداداً قليلة من المقاتلين رضخوا منذ أيام لشروط النظام ووافقوا على البقاء في المدينة لإدارتها أمنياً تحت إشراف قواته"، لكن العدد الأكبر من مئات المقاتلين رفضوا الانصياع ووافقوا على الخروج نحو إدلب، ولكن النظام يضغط عليهم لتحقيق هدفين اثنين؛ أولهما أن نجاحه في المخطط الموضوع للمعضمية قد يشجع بلدات ومدناً أخرى تحت سيطرة المعارضة على الدخول في التجربة نفسها، والهدف الثاني يتمثل في استثمار النظام أعداد المقاتلين الموجودين كي يحولهم بضغط القصف والجوع والحصار المستمر منذ أكثر من سنتين من مقاتلين ضده إلى منخرطين في صفوفه أو محايدين على الأقل.
وأشارت المصادر إلى أن "لجنة التفاوض عن النظام تقدّم في سبيل ذلك تطمينات كبيرة لمن يريد البقاء، بأن أوضاعهم القانونية ستتم تسويتها بالكامل، وتعهدت مراراً بأنهم لن يكونوا عرضة للاعتقال أو الانتقام لمحاربتهم النظام لسنواتٍ مضت"، مضيفة أنه "على الرغم من كل ذلك فإن العدد الأكبر من المقاتلين الموجودين في المعضمية يرفضون تماماً شروط النظام رغم أنهم وافقوا ضمناً على الخروج من المدينة على أن تكون الوجهة إدلب".
وبالعودة إلى مسار التطورات في معضمية الشام التي تبعد عن ساحة الأمويين وسط دمشق نحو ثمانية كيلومترات فقط، وتتاخمها شرقاً مدينة داريا، وعلى أطرافها الجنوبية يقع مطار المزة العسكري القريب من "قصر الشعب"، فإن هذه المدينة كانت من أوائل المناطق التي شهدت تظاهرات مناوئة للنظام منذ أواخر مارس/آذار عام 2011، وقُتل فيها خلال الاحتجاجات السلمية عشرات المتظاهرين، إلى حين سيطرت مجموعات من الجيش الحر على مساحات واسعة منها مع بداية عام 2013. وقُتل لاحقاً المئات من سكانها نتيجة حملاتٍ عسكرية عدة، شنّها النظام بهدف دفع سكانها للرضوخ، وتعرضت لحصارٍ خانق بلغ أسوأ مستوياته مع نهاية سنة 2013، والتي كانت قد شهدت في 21 أغسطس/آب، استهداف النظام للمدينة بالسلاح الكيماوي ما أدى إلى مقتل نحو ستين مدنياً فيها بحسب مصادر المعارضة السورية.
وفي السادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 2013، وقّعت المدينة هدنة مع النظام بعد أن فقد أهاليها أبسط متطلبات الحياة كالخبز والمواد الغذائية الأساسية، ومر هذا الاتفاق بمنعطفات عدة لاحقاً، لكنه بقي قائماً بإطاره العام، على الرغم من خرقه مرات عدة، إلى أن شنّت قوات النظام ومليشيات تابعة لها بداية العام الحالي، حملة عسكرية كبيرة أدت إلى فصل المدينة عن داريا، وصولاً إلى خروج أهالي داريا وجميع مقاتلي المعارضة هناك في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، إذ بدأ النظام بالضغط مباشرة على معضمية الشام، بهدف إعادة سيطرته عليها ولو بشروط مختلفة نسبياً.
ويعيش في المعضمية وفق ما يقوله ناشطون فيها، نحو خمسة وأربعين ألف مدني، فيما كان آلاف آخرون قد غادروها نتيجة القصف شبه اليومي الذي كانت تعيشه قبل عام 2014، ولسوء الأوضاع الخدمية فيها بعد توقيعها الهدنة، والتي أدت إلى وقف قصف المدينة اليومي، لكنها عاشت من حينها تحت رحمة حواجز النظام المحيطة بالمدينة، والتي تُشرف على الطرقات المؤدية إليها، وكان النظام يعمد إلى إغلاقها، كلما أراد فرض شروط تصعيدية جديدة.

المساهمون