سد النهضة: مصر تبحث عن دعم دولي وتغازل السودان

10 مارس 2020
تروج إثيوبيا لفكرة المظلومية بالنسبة لمياه النيل(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يبذل النظام المصري محاولاتٍ مُضنية لحشد رأي عام عربي فعّال ضد إثيوبيا، لحملها على عدم البدء في الملء الأول لخزّان سد النهضة قبل الاتفاق النهائي على قواعد الملء والتشغيل، سواء بالصيغة التي أعدتها وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، أو بأي صيغة أخرى. وتسعى الحكومة المصرية للخروج من الأزمة الحالية بمكسب إعلان الاتفاق حول السد، حتى ولو غضّت الأطراف المعنية النظر عن محتواه ومدى تأثيره على مستقبل البلاد المائي.

وشكّلت قضية سد النهضة محور الرسالة الموحدة التي بعث بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بواسطة وزير الخارجية سامح شكري إلى زعماء سبع دول عربية، هي الأردن والعراق والكويت والإمارات وسلطنة عُمان والسعودية والبحرين، على الرغم من وجود قضايا عدة أخرى تتطلب تنسيقاً رفيع المستوى مع بعض هذه الدول. وعلى رأس هذه القضايا مثلاً، مشاكل العمالة المصرية في بعضها، ووقف رحلات الطيران وزيادة قيود السفر البيني مع مصر بسبب انتشار فيروس "كورونا" وعدم ثقة العواصم الخليجية في الإدارة المصرية للأزمة الصحية.

مصادر دبلوماسية مصرية قالت لـ"العربي الجديد"، إن جولة وزير الخارجية التي بدأها أول من أمس الأحد، هي الأولى في هذا السياق، حيث ستتبعها زيارات أخرى مشابهة لعدد من العواصم العربية الأفريقية، ثم بعض العواصم الأفريقية والأوروبية، بهدف محاولة تحسين صورة مصر في أزمة سد النهضة، مقابل الدعاية الإعلامية والسياسية الإثيوبية. وتنطلق الأخيرة من فكرة "المظلومية التاريخية" لدول منبع النيل لصالح دولتي المصب (مصر والسودان)، وبالأخص مصر، فضلاً عن نشر أديس أبابا عبر وفودها الدبلوماسية في العواصم الأفريقية والأوروبية أرقاماً تراها القاهرة غير صحيحة ومبالغاً فيها، عن حجم استهلاكها السنوي للمياه.

وأضافت المصادر أن هناك مجموعة من الدول تستهدف مصر في الأساس مطالبتها بوقف أو تعليق استثماراتها في إثيوبيا، كالسعودية والإمارات، اللتين تنخرط بعض الشركات فيهما بالفعل في مؤسسات استثمارية تُمول بناء السد، وكذلك في إنتاج المواد الخام للبناء، فضلاً عن حقيقة تنافس هاتين الدولتين على الاستثمار في منطقة شرق أفريقيا. وفي المستوى ذاته من الأهمية، تأتي دولٌ أخرى كفرنسا وإيطاليا وألمانيا والصين، والتي تساهم شركات منها بصورة رئيسية في أعمال إنشاء السد والمقاولات وتوريد الماكينات التي ستستخدم في الرفع وتوليد الطاقة الكهربية مستقبلاً.

وأوضحت المصادر أن الإمارات والسعودية تعهدتا من قبل بـ"ممارسة ضغوط على الإثيوبيين لتخفيف الأضرار الممكن وقوعها على مصر"، لكن هذه التعهدات لم تؤت أكلها حتى الآن. أما الدول الأربع الأخرى، أي الصين وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، فلم تتعهد لمصر بحسب المصادر بأي شيء في أيّ مرحلة. وتذرعت حكومات هذه الدول بأنها لا تستطيع الضغط على مستثمريها، سواء لجهة وقف العمل أو تعطيله، بحجة الالتزام بقواعد القانون الدولي الخاصة بعدم الإضرار، الأمر الذي اعتبرته الحكومة المصرية "تهرباً من المسؤولية ومماطلة".

وذكرت المصادر أن الرسالة المصرية للعواصم العربية "لم تتضمن من قريب أو بعيد أي إشارة لاحتمالية استخدام الحل العسكري للأزمة" أي استهداف السد، كما لم تتطرق الرسالة إلى السودان، إلا في سياق انتقاد موقف الخرطوم الأخير المتحفظ على توقيع القرار العربي الموحد بدعم مصر، وهو الموقف الذي كان بحسب المصادر "محلّ انتقاد لاذع من بعض الدول".


لكن فكرة الحلّ العسكري سيطرت على اتصالات القاهرة بعددٍ من العواصم العربية والغربية، إذ تلقت مصر تساؤلات عن مدى جدية التلويح به، خصوصاً بعد اجتماع السيسي المفاجئ مع قيادات القوات المسلحة، واستخدام عبارات من نوع "جميع الوسائل الممكنة" في بيانات الخارجية، ما أثار غضب وانتقاد الجانب الإثيوبي.

وذكرت المصادر أن هناك عوائق سياسية عديدة تحول دون استخدام الحل العسكري، ليس فقط الخاصة بالتوازنات الإقليمية ونظرة المجتمع الدولي لمصر تحت حكم السيسي، ولكنها أيضاً تمتد لتخوف مصر من توقيع عقوبات عليها من الدول التي تشتري منها الأسلحة والمعدات وقطع الغيار كالولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا. كما أن هناك تخوفاً من عزل مصر قارياً، فالقاهرة تعي جيداً ما لأديس أبابا من تأثير واسع على دول أفريقيا جنوبي الصحراء، إلى جانب الدور الإقليمي الواضح أداه رئيس الوزراء آبي أحمد منذ توليه السلطة قبل عامين تقريباً، وبالتالي فإن حصيلة الحسابات المصرية لا تصب حتى اللحظة في إمكانية انتهاج حلٍّ عنيف.

وفي سياق قريب، قالت مصادر حكومية مصرية ذات صلة بملف التعاون مع السودان، إن تعليمات صدرت لمجلس الوزراء ووزارة التعاون الدولي أول من أمس الأحد، بعد ساعات من اتصال السيسي برئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، للتواصل مع عدد من الجهات الدولية المانحة في أوروبا ووزارة الخزانة الأميركية، لدعم موقف الخرطوم في المطالبة بالحصول على عدد من القروض التنموية وإسقاط مديونيات قديمة، في خطوة "مغازلة غير معلنة" وصفتها المصادر بأنها "مفاجئة".

وأوضحت المصادر أن السودان طلب منذ أشهر مساعدة مصر في هذا الأمر على هامش اجتماع تنسيقي حكومي، لكن السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومستشاريهما لم يعطوا الأمر اهتماماً في حينه، ما تفسره المصادر اليوم بأنه "محاولة مصرية لخطب ود السودانيين واستمالتهم في قضية مفاوضات سد النهضة المتعثرة".

في المقابل، يبدو الجانب الإثيوبي في طريقه للتصعيد، ليس فقط ضد تحول الولايات المتحدة من مُسهّل ومراقب للمفاوضات إلى وسيط ملزم، بل أيضاً ضد إشراك أي جانب غير الأطراف الثلاثة الأساسيين في التفاوض.

وقال مصدر إعلامي ينتمي لحركة تحرير التغراي، المنافس الأساسي للحزب الجديد الذي يقوده رئيس الوزراء آبي أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن الاستخبارات الإثيوبية أوعزت إلى جميع الصحف المحلية التابعة للدولة والمقربة لها، بداية الأسبوع الحالي، بتصعيد الحشد الجماهيري ضد ما وصفوه بـ"تدويل القضية". ويصبّ ذلك في محاولة لاستثمار الموقف الأخير إزاء جولة المفاوضات الأخيرة في واشنطن لتخفيف حدة الخلاف السياسي الداخلي، حيث يطمح أحمد للاتفاق مع معظم الفرقاء قبل إجراء الانتخابات على محاصصة بنسب معينة، لحماية حزبه من احتمالات الخسارة في بعض الولايات الإثيوبية.

ودخلت القاهرة وأديس أبابا طوال الأسبوع الماضي في معركةٍ كلامية، على خلفية مقاطعة إثيوبيا لجولة مفاوضات سد النهضة الأخيرة في واشنطن، وتهديدها بالملء الأول بالتوازي مع إنهاء الإنشاءات. واستدعى ذلك اتهام مصر لإثيوبيا بأنها تغيبت عمداً لإعاقة مسار المفاوضات، وبأنها تنشر المغالطات وتشوه الحقائق وتتنصل من التزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي، وبالأخص أحكام اتفاق إعلان المبادئ، مع إعلان تأييدها لما وصفته "الاتفاق العادل والمتوازن الذي بلورته الولايات المتحدة والبنك الدولي" واعتباره يمثل حلّاً وسطاً عادلاً ومتوازناً، تم استخلاصه من واقع جولات المفاوضات السابقة.

وفي تصعيدٍ مصري غير مسبوق في وضوح إشارته، دون تصريح، عقد السيسي اجتماعاً يوم الثلاثاء الماضي بعدد كبير من القيادات العسكرية في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، على رأسهم وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي. وتطرق البيان الرئاسي الصادر عن الاجتماع إلى "ضرورة التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولاً إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة".

واستطاعت مصر، يوم الخميس الماضي، اكتساب تأييد أغلبية دول جامعة الدول العربية لمشروع قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب ودعم موقفها في مواجهة إثيوبيا في قضية سد النهضة، لكن السودان تحفظ على المشروع، وأكد ممثلوه أن إقحام الجامعة العربية في هذا الملف أمر يضر بموقفه، وأبدى تخوفه من أن يؤدي إلى مواجهة عربية إثيوبية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقبيل انطلاق الاجتماعات الفنية الحاسمة برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، صرح نائب مدير مشروع السد بيلاتشو كاسا، لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، بأن عملية الإنشاء تتقدم دون أي تباطؤ "كما كان من قبل"، وأنه تم بالفعل الانتهاء  من لوح الوجه الخاص بسد السرج، وهو سد الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار السد الرئيسي. وللحفاظ على سلامة تدفق المياه، تم إنجاز العمل في جانب المجرى ليصبح السد قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام، حيث سيضم السد ثلاثة مجار للمياه، تتمثل في مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بأكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سد السرج.

وتجادل مصادر مصرية بأن إثيوبيا قد لا تستطيع فنياً البدء في ملء الخزان في يوليو/تموز المقبل، بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السد حتى الآن، والمفترض أن يتم الانتهاء منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء، أخذاً في الاعتبار أن الحكومة الإثيوبية أعلنت أن السد تم إنجازه بنسبة 70 في المائة فقط. علماً أن مصر كانت تتمنى البدء السريع في فترة الفيضان والرخاء الحالية في نهر النيل.