بحث عن رئيس حكومة للسودان: خشية داخل الحزب الحاكم

10 يناير 2017
البشير هو من سيعين رئيس الحكومة (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب تسمية رئيس مجلس الوزراء الجديد، الذي ينتظر أن يعينه الرئيس السوداني، عمر البشير، زاد الجدل وسط السودانيين حول المنصب وجدواه ومن يشغله، وقدرته على إحداث تغيير، فضلاً عن مدى استعداد حزب المؤتمر الوطني في التنازل عنه، وتوجيه رسالة بإحداث تغيير في السياسة والتأكيد على قدرته بتقديم تنازلات في سبيل إنجاح الحوار وتأكيد جديته. وهناك تكهنات بأن يكون صاحب المنصب المستحدث خليفة للبشير، في حال كان جاداً في رغبته التي أعلنها أخيراً، بعدم الترشح للرئاسة في الانتخابات في عام 2020. ووفق مخرجات الحوار الوطني، الذي أنهى أعماله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استحدث منصب رئيس الوزراء ضمن النظام الرئاسي الذي يعمل به في الخرطوم. واتفقت القوى المتحاورة، التي تضم الحكومة وحلفاءها فضلاً عن عدد من القوى المعارضة "غالبيتها غير فاعل على الساحة السودانية"، على أن يتم تعيين رئيس الوزراء عبر التوافق السياسي، رغم أن التعديلات الدستورية أخيراً أقرت أن يتم التعيين من قبل رئيس الجمهورية منفرداً.

ووقف حزب المؤتمر الوطني منذ البداية ضد استحداث المنصب، لكن إجماعاً داخل تكتل قوي من الأحزاب المشاركة في الحوار، أدى إلى رفض البشير نصائح من قادة حزبه بالتدخل لعرقلة الخطوة، وفق مصادر. ومع إقرار المنصب بدأت قيادات الحزب الحاكم بالتأكيد على أحقية حزبهم بالمنصب، وضرورة عدم تقديم أي تنازل عنه باسم الحوار، لمبررات كثيرة ساقوها، بينها حيازة الحزب غالبية برلمانية. وترى قوى أخرى ضرورة ألا يكون المنصب من نصيب الحزب الحاكم، الذي يسيطر على المناصب الرئيسية العليا، وهي الرئيس ونائباه، ولبعث رسالة للقوى المعارضة الرئيسية الرافضة للحوار بجدية الحزب في الحوار. وشدد نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني مساعد الرئيس السوداني، إبراهيم محمود، على أهمية إمساك الحزب الحاكم بالجهاز التنفيذي، معتبراً أنه من دون ذلك لن يكون حزباً حاكماً. وأكد نائب الرئيس السوداني، حسبو عبد الرحمن، في حوار مع صحيفة سودانية، أن "الصحيح أن يشغل منصب رئيس الوزراء من قبل القوى التي لديها قواعد وعضوية في البرلمان ليستطيع تمرير سياساته" في إشارة إلى أن "المؤتمر الوطني" يملك الغالبية في البرلمان، معتبراً أنه إذا لم يملك رئيس الحكومة الغالبية في البرلمان، فكيف سيعمل؟

لكن الفيصل في كل الموضوع هو البشير، الذي تتجه صوبه الأنظار، خصوصاً بعد أن درج أخيراً على اتخاذ قرارته بعيداً عن أجهزة الحزب. وحرص في لقاءات جماهيرية التأكيد على قوميته، ما يجعل البعض يتكهن بتنازله عن المنصب إلى القوى الأخرى، وإن كان آخرون يرون أنه أمر مستحيل. ويرى مراقبون أن حرص قادة حزب المؤتمر الوطني على منصب رئيس الوزراء، رغم سلطاته المحدودة، يعود إلى مهامه في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وبينها توصية بفصل الحزب الحاكم عن الدولة، ولا سيما أنه من المعروف أن حزب المؤتمر الوطني يمول نفسه من أموال الدولة وفق اعترافات بعض قادته ومن كانوا في الحكومة. وأكد مبارك الكودة، الذي شغل مناصب دستورية في حكومة البشير سابقاً قبل أن ينسلخ عن الحزب، أن جميع الوزراء والمسؤولين في المواقع التنفيذية في المركز والولايات يعملون على تمويل الحزب من خزينة الدولة، على اعتبار أنه جاء بهم إلى السلطة. وأعلن أنه "كان يحمل بنفسه أموال الدولة والشعب لدعم المؤتمر الوطني، مثل كل الوزراء الاتحاديين وحكام الولايات".

ويعتقد محللون أن تسليم منصب رئيس الوزراء إلى شخصية من خارج الحزب الحاكم سيدخل البلاد في أزمة دستورية، وسيقود إلى حالة تباين واختلاف حاد، وسيقسم الوزراء بين رئيس الجمهورية الذي عينهم ورئيس الحكومة الذي يشرف على عملهم ويمكن أن يوصي بعزلهم. ويرى الخبير السياسي، الطيب زين العابدين، أن تمسك قادة "المؤتمر الوطني" بالمنصب طبيعي، ولا سيما أن الحزب وافق على مضض على الحوار، فيما كانت قيادات داخله تقف ضد الفكرة برمتها. ورأى أن تسليم رئيس الحكومة عملية الإشراف على تنفيذ مخرجات الحوار أحدثت حالة من الخوف داخل الحزب الذي يعتمد على الدولة. ورجح أن يختار البشير شخصية تملك معطيات محددة، أهمها الانسجام والانصياع وعدم المشاكسة. وقال "سيختار بالتأكيد من ينفذ ما يراه، وليس من يختلف معه".


ويعتقد المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ أن إفراغ منصبي نائبي الرئيس من سلطاتهما، وجعل المنصبين أشبه بالتشريفات وتجريدهما من مهمة متابعة أداء الوزراء وإبعادهما عن عضوية الحكومة إلا في حالات استثنائية، جعل حزب المؤتمر الوطني يتمسك بمنصب رئيس الحكومة. وأوضح أن "رئيس الوزراء، رغم أنه يفتقد إلى سلطات أساسية تتصل بتعيين وإعفاء الوزراء، لكنه سيشرف على أداء الحكومة سياسياً ودستورياً، وإذا فقد الحزب المنصب سيبقى له سلطات الرئيس فقط رغم كبرها، لكن التعديلات تجعل مشاركته في مجلس الوزراء استثناء وليس أصلاً، وبالتالي ليس من المعقول أن يحضر البشير كافة الاجتماعات، ويعمد للتدخل كل مرة لحسم القضايا الخلافية، خصوصاً وأن مجلس الوزراء يعتبر جهة أساسية لتمرير السياسات والقرارات". ورأى أن من شأن أية خلافات بين الرئيس ورئيس الوزراء، في حال عين من خارج "المؤتمر الوطني"، أن يحدث إشكالات دستورية، خصوصاً إذا أوصى رئيس الوزراء بعزل أحد وزراء "الوطني" والرئيس رفض. ويرى أن تسليم المنصب إلى الحزب الحاكم لن يؤدي إلى تغيير، بل من شأنه أن يخلق مراكز قوة داخل الدولة، باعتبار أن المنصب يأخذ صلاحيات من الرئيس على قلتها، كما أن رئيس الوزراء سيكون أكثر احتكاكاً بالوزراء والدولة وإداراتها ما يجعل منه مؤثراً مستقبلاً. وأوضح "لذا أعتقد أن الرئيس في حال كان جاداً برغبته عدم الترشح في الانتخابات العامة المقبلة، سيسلم المنصب إلى شخصية يثق بها، وسيكون الأقرب نائبه الأول بكري حسن صالح". وأضاف "هناك احتمال أن يدفع بقيادات من حزبه من الصف الثاني والثالث للتقليل من قوة المنصب وتسفيهه".

ورأى أبو الجوخ أن "من شأن احتفاظ المؤتمر الوطني بالمنصب أن يثير مخاوف القوى السياسية، لا سيما القوى الرافضة للحوار بشأن جدية الحوار، بينما تنازله عنه سيؤدي إلى إحداث اختراق سياسي، ويبعث رسالة أن الحزب الحاكم يمكن أن يتنازل، باعتبار أن الحكومة الجديدة يمكن أن تمثل أساساً للتسوية الجديدة، فضلاً عن أنه يحتفظ بالغالبية داخلها وداخل البرلمان". ويقلل رئيس تحرير صحيفة "الأيام" السودانية، محجوب محمد صالح، من أهمية المنصب المستحدث. ويرى أن من يعول عليه يهدف إلى محاسبة الجهاز التنفيذي وصولاً إلى سحب الثقة عن الحكومة، وذلك لتفادي أي مواجهة مع رئيس الجمهورية. واوضح "لكن هذا السيناريو لن يتحقق في ظل هيمنة سلطة الحزب الواحد على البرلمان".

المساهمون