فتح العفو الملكي، الصادر يوم الأحد، في سياق الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد، الباب أمام 50 معتقلا إسلاميا سبق أن أدينوا بقانون مكافحة الإرهاب، لمعانقة الحرية، كخطوة أخرى في استكمال حلقات البرنامج الذي أطلقه المغرب بغية مصالحة المعتقلين مع "الذات، والنص الديني، والمجتمع".
وكانت وزارة العدل، قد أعلنت أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، أصدر عفوا لفائدة 5654 سجينا، ووجه باتخاذ جميع التدابير اللازمة، لتعزيز حماية نزلاء المؤسسات السجنية، والإصلاحية من انتشار فيروس كورونا الجديد.
وأوضحت الوزارة أن المعتقلين المستفيدين من العفو تم انتقاؤهم بناء على "معايير إنسانية، وموضوعية مضبوطة"، تأخذ بعين الاعتبار سنهم، وهشاشة وضعيتهم الصحية، ومدة اعتقالهم، وما أبانوا عنه من حسن السيرة والسلوك والانضباط، طوال مدة اعتقالهم، مشيرة إلى أنه اعتبارا للظروف الاستثنائية، المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، وما تفرضه من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، فإن العملية سيتم تنفيذها بطريقة تدريجية.
ويوجد ضمن أبرز الوجوه الموجودة في لائحة السلفيين المستفيدين من العفو الملكي معتقلين اثنين على خلفية ما عرف في المغرب بـ "خلية بلعيرج"، هما مختار لقمان، الذي كان محكوما بـ 15 سنة سجنا نافذا، وعبد الله الرماش، الذي كان محكوما بثلاثين سنة سجن. كما تشمل لائحة العفو الأخوين محمد وكمال الشطبي الذين كانا قد تزعما عملية الفرار من السجن المركزي بالقنيطرة في أبريل/ نيسان 2008 في عملية أثارت الجدل، قبل أن يتم القبض عليهما من جديد.
وفيما ينتظر أن يتم اليوم الثلاثاء استكمال عملية الإفراج عن المعتقلين بعد إخضاعهم للإجراءات الاحترازية المتعلقة بفيروس كورونا، يرى الباحث المغربي المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، إدريس الكنبوري، في حديث لـ "العربي الجديد" أن العفو الملكي عن معتقلي السلفية الجهادية يأتي في سياق التصدي لوباء كورونا والتخفيف من الاكتظاظ في السجون الذي يمكن أن يؤدي إلى انتشار الفيروس بطريقة خطيرة.
وأوضح أن "الإفراج عن هؤلاء المعتقلين تم وفق معايير مضبوطة، جلها لا يخرج عن المعايير التي اتبعتها الدولة في حالات العفو السابقة، منها حسن السيرة والاستعداد لمراجعة المواقف المتطرفة، إضافة إلى معايير إنسانية مثل الهشاشة والتقدم في السن".
ويبقى القاسم المشترك بين معتقلي "التيار السلفي الجهادي" الذين حظوا بالعفو الملكي، أنهم شاركوا في برنامج "مصالحة" الذي يروم إعادة إدماجهم ومصالحتهم مع المجتمع، الذي يشترط أن يكونوا قد أعلنوا مراجعاتهم الفكرية والعقدية بخصوص عدد من القضايا، وأن يصرحوا بنبذ التطرف والتشدد في أفكارهم وسلوكياتهم، ويعلنوا التمسك بثوابت الدولة من نظام ملكي ودين وسطي.
وبحسب المؤسس والباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، عمر العمري، فإن العفو الملكي كان متميزا واستثنائيا بعفوه عن العشرات من المعتقلين الإسلاميين المدانين في ملف السلفية الجهادية وقضايا الإرهاب، لافتا في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أنه بالرغم من حساسية هذه الملفات، إلا أن العاهل المغربي أكد أن الجميع سواسية في الاستفادة من العفو.
وبحسب العمري، فإن العفو الملكي كرس كذلك مصداقية وفعالية برنامج "مصالحة" الذي يستهدف المحكومين في قضايا الإرهاب والتطرف الديني، معتبرا أن التوبة والمراجعة الفكرية والالتزام بالثوابت الدينية للبلاد من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في حياة السجناء، ويقوي الأمل في معانقة حياة الحرية.
وأشار العمري إلى أن "العفو الملكي عن المعتقلين الإسلاميين يؤكد على حكمة المؤسسة الملكية ودورها الفعال في مكافحة الإرهاب والتطرف الديني عن طريق الغفران والعمل بمبدأ التسامح، مما يشجع باقي المعتقلين الإسلامين على الانخراط الحاد في عملية المصالحة الشاملة".