السعودية... الرد الحقيقي

19 سبتمبر 2019
يمعن بن سلمان في السير بمتاهات كارثية (Getty)
+ الخط -
ما أصاب السعودية من تصاعد متدرج لتلقيها ضربات قاسية، مع إمعان ولي العهد محمد بن سلمان في السير في المتاهات الكارثية ذاتها، أمر لا يخص فقط الرياض، بل يصيب العرب جميعاً بآثاره المدمرة في أكثر من مكان. وبغضّ النظر عمَن ضرب السعودية ومِن أين ضُربت، سيبقى السؤال ماثلاً كما هو منذ سنوات: متى يتوقف الحاكم العربي عن الانشغال بنرجسيته المدمرة للأوطان؟

منذ اندلاع الربيع العربي، وسيطرة حفنة من مستشاري القصر على السلطة، توسع الاستهتار بالمصالح الاستراتيجية بإضعاف داخلي وخارجي. وبدل أن تكون الرياض في مقدمة القاطرة العربية، تشير سياساتها أخيراً إلى انقياد وراء مشاريع حاكم أبوظبي، ما سرع من توسيع دائرة العداء، أو اللامبالاة بما يحل من كوارث بالسعودية، وهذا أمر ليس في مصلحة العرب استراتيجياً، في ظل الوقوف بوجه إرادة الشعب اليمني، كما الليبي والمصري والسوري، والإصرار على دعم المستبدين. وللمفارقة، فإنه في المأساة السورية، اتضح التقاء سياسات طهران مع الرياض وأبوظبي، على الرغم من أن المعسكر الثاني يدّعي محاربة أذرع إيران، فيما بشار الأسد وجد دعماً من طهران. وكذلك الأمر في استقبال قادة "الحشد الشعبي" العراقي في الرياض، والإمعان بمحاصرة قطر، وتصنيف جماعات عربية "إرهابية".

بالطبع، الشارع العربي في أغلبه يعارض سياسات طهران إنشاء دويلات موازية للدول، تمويلاً وتسليحاً وقتلاً وشقاً للصفوف، ولكنه شارع يسأل منذ سنوات عن المشروع العربي والرد المقابل لمشاريعها في الهيمنة على عواصم عربية.
فالردود التي تُقطّع جثة جمال خاشقجي، وتبني مملكة رعب من قول رأي، والهرولة للاستظلال بحماية ترامبية ابتزازية، ونشر التطبيع، لم ولن تجلب سوى الخيبات، والمزيد من تدمير علاقات الرياض بعمقها العربي، وهي ليست بردود، لا على طهران ولا أذرعها.

الإقلاع عن ذرائعية تلك "الردود"، التي لا تواجه الواقع، وبعيداً عن الانقياد لاستشارات عقيمة، أقله لتخفيف الخسائر المتراكمة، يتطلب جرأة أبعد من تجيير كل شيء تمهيداً وتسويقاً دولياً لوراثة عرش. بالتأكيد ذلك شأن داخلي، لو أن تكلفته لم تكن بهذا التدمير الذي يمس أغلب العرب وقضاياهم ومستقبلهم.
ليس المطلوب حرباً، بل الدفاع عن الأوطان وثرواتها بأن تكون أوطاناً لمواطنيها بحق، من المحيط إلى الخليج، وليست مزارع لقصور وموانئ ليخوت ومجمعات استعباد وجيوشاً لم تذق سوى طعم الهزيمة وهي تحيد عن مهامها.
المساهمون