ويعكس هذا المشهد واقعاً يصفه البعض بالصحي والضروري في الفترة الانتقالية التي تعيشها تونس بعد الثورة، فيما يراه آخرون تخبطاً خالياً من أي برامج سياسية واضحة ومركزة، وفي ظلّ عدم بروز قوة بإمكانها إقناع الشعب بمشروعها.
وتضيفُ "الحركة الديمقراطية"، التي أعلن أمس عن تأسيسها رسمياً، بعدما أطلقها الشابي بشكلٍ غير رسمي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، إلى الساحة السياسية التونسية مولوداً حزبياً جديداً. ورغم كثرة الأحزاب السياسية في تونس، إلا أن العدد لا يزال مرشحاً للارتفاع، بالإضافة إلى ولادة تحالفاتٍ سياسية جديدة، كمبادرة النقابي والوزير السابق عبيد البريكي، الذي أعلن مؤخراً عن ائتلاف يساري ديمقراطي (مبادرة تجميع اليسار) اتفق على تسميته بـ"حركة تونس إلى الأمام".
وأعلنت وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، أنه "وفقاً لمقتضيات المرسوم عدد 87 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011، المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، تمّ تأسيس حزب سياسي جديد أطلق عليه اسم الحركة الديمقراطية"، مؤكدة أن العدد الإجمالي للأحزاب السياسية في تونس أصبح 211 حزباً.
ويبدو أن الشابي اختار العودة إلى الساحة السياسية التونسية، رغم القرار الذي كان اتخذه في عام 2015 بالتخلي عن الحياة الحزبية، مباشرة بعد هزيمته في المعركة الرئاسية، وفشل "الحزب الجمهوري" الذي كان ينتمي إليه سابقاً في الحصول على مقاعد في البرلمان.
وبالرغم من تأكيده سابقاً أنه سيتفرغ لتأسيس منتدىً للفكر السياسي يحمل اسم "سياقات"، وموقع إلكتروني بالاسم ذاته، تحت إشرافه المباشر، إلا أن الشابي لم يطل فترة التأمل، ليعود سريعاً بحزبٍ جديد.
أما التحالفات السياسية الجديدة، فقد ظهرت من خلال محاولة تجميع اليسار والعائلة الديمقراطية، تحت راية "حركة تونس إلى الأمام" التي أعلنها البريكي، مبيناً أن "الهيئة التأسيسية" تتألف حالياً من ستة أحزاب وعدد كبير من المستقلين والنقابيين، بمشاركة نسائية وشبابية ملفتة. وأضاف النقابي والوزير السابق أن هذه الهيئة ستبقى أبوابها مفتوحة لكلّ حزبٍ سياسي أو شخصية وطنية مستقلة تتبنى مبادئ مبادرة الحركة.
ويرى مساعد رئيس مجلس نواب الشعب المُكلّف بشؤون النواب، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المشهد السياسي الجديد في تونس لم يتبلور بشكل نهائي بعد، وهو في دينامية متواصلة، لافتاً إلى أن المواطن التونسي لا يمكنه حالياً التمييز بين كل هذه الأحزاب، لأن عددها أصبح مرتفعاً، وجهودها مشتتة.
ويعتبرُ الشواشي أن تونس لا تزال في مرحلة انتقال ديمقراطي، ولذلك فإن ظهور الأحزاب والائتلافات الجديدة في حياتها السياسية ظاهرةً صحية إيجابية، مطالباً في الوقت ذاته قادة بعض الأحزاب بالتخلي عن تمسكهم بهوس الزعامة، وأن يتم تجميع العائلات السياسية في حزبٍ واحد، خاصة أن تونس لا تحتاج الى هذا الكمّ من الأحزاب، بل الى أربعة أو خمسة أحزاب فقط.
أما عن اقتراح تجميع الأحزاب ضمن عائلات، فيرى الشواشي أنه يجب أن يتم بحسب الأفكار وإيديولوجيات العمل، كالقومية والإسلامية والليبرالية والوسطية، لأن التشتت الحاصل لن يخدم هذه الأحزاب في نهاية الأمر، وسيكون مصيرها الزوال، حالُها كحال سابقات لها تبخرت.
وحول ظاهرة انسحاب بعض السياسيين وعودتهم مجدداً إلى الساحة، يصف الشواشي السياسة بـ"المرض"، وهي تصيب ممارسها بالإدمان، فلا يعود يمكنه التخلي عنها بسهولة، ولذلك فهو قد يختفي لفترة لتقييم أدائه، أو التأمل، ثم سرعان ما يعود مجدداً إلى الساحة السياسية، لإثبات قدراته.
وشدّد النائب التونسي على أن الساحة السياسية المحلية تعيش اليوم استقراراً نسبياً، ولكن التحالفات السياسية ستتبدل مستقبلاً، خصوصاً أن الأغلبية الحاكمة في الوقت الراهن والائتلافات الحالية لن تستمر، وستحدث تحولات سياسية جديدة، في الوقت الذي تستعد فيه تونس لاستحقاقات مهمة، منها الانتخابات المحلية والرئاسية والتشريعية.
بدوره، يرى القيادي في "الجبهة الشعبية"، الجيلاني الهمّامي، أن المشهد السياسي في تونس لم يستقر بعد وهو في حالة تفاعل متواصل، في ظل منظومة الحكم الهشة والضعيفة وغير المقنعة.
ويؤكد الهمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدم بروز خيار سياسي يفرض نفسه بقوة على الساحتين السياسية والشعبية، سيبقى منعكساً على المشهد السياسي، وستستمر الأحزاب والائتلافات الجديدة في الظهور، محاولة إقناع الرأي العام بطرحها، وفرض نفسها.
وفي هذا السياق، يلفت الهمامي إلى أنّ من خصوصيات المشهد السياسي التونسي أن عدداً كبيراً من الأحزاب ظل موجوداً فقط على الورق، أو بالاسم فقط، أي غائباً عن أرض الواقع، مشيراً إلى قلة عدد الأحزاب الفاعلة، التي لا تتعدى الـ10 أو الـ12 حزباً.
وأخيراً، يشرح النائب عن "الجبهة الشعبية" أن التجمع في ائتلاف واحد قد لا يكون مجدياً، مشيراً إلى محاولات سابقة فاشلة في هذه الإطار، ومعتبراً أن الإشكالية ليست تنظيمية أو تنفيذية، بل تتعلق بالمضمون والبرامج التي تتجمع حولها الأحزاب، معرباً عن أسفه لغياب البرامج السياسية في الكثير من الأحزاب، وهو مشهد أصبح متكرراً.