فرانسوا فيون... صوت معسكر الأسد وإسرائيل وبوتين في فرنسا

22 نوفمبر 2016
يدافع فيون بشراسة عن بوتين (مارتن بورو/فرانس برس)
+ الخط -

لم يجذب رئيس الوزراء الفرنسي السابق، فرانسوا فيون، مرشح اليمين الفائز بالدور الأول في الانتخابات التمهيدية، والمرشح الأوفر حظاً للفوز في دورتها الثانية، الأحد المقبل، في مواجهة ألان جوبيه، كثيراً من الاهتمام بخصوص مواقفه من السياسة الخارجية، وتحديداً أفكاره بما يخص الأزمة السورية والتدخل الروسي. ذلك أن الاهتمام كان منصباً بالأساس على مواقف منافسيه نيكولا ساركوزي وجوبيه. والواقع أن فيون يتميز بشكل جذري عن منافسيه في المعسكر اليميني، ويدعو بكل بساطة إلى التحالف مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وحليفه الإيراني والدفاع عن نظام، بشار الأسد، ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وضد المعارضة السورية.

ويعتبر فيون، أن فرنسا والدول الغربية الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، مخطئة في تقدير الأوضاع في سورية. وقال، في تصريح الشهر الماضي، "منذ سنوات تأمل واشنطن وحلفاؤها الغربيون في قلب نظام بشار الأسد، وهم يعتبرون أن الأزمة السورية هي ثورة شعبية بدل الاهتمام بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية". ويعتبر فيون أن "الأمور أكثر تعقيداً في سورية، ولا يتعلق الأمر بثورة شعبية ضد النظام، لكون الأسد يحظى بدعم قوي من طرف شريحة واسعة من السوريين، ومنهم المسيحيون، وهذا ما لا يريد الغربيون فهمه". ويتابع رئيس الوزراء السابق خلال ولاية ساركوزي الرئاسية السابقة إن "الغرب سجين نظرة أخلاقية ومثالية عمياء راهنت على انهيار الأسد مثلما انهار (زين العابدين) بن علي في تونس و(حسني) مبارك في مصر و(معمر) القذافي في ليبيا، والجميع يقول، إن على الأسد أن يرحل. لكن لا أحد يتساءل من سيعوض الأسد؟".

ويواصل انتقاداته للسياسة الغربية في الملف السوري، "في فرنسا والغرب عموماً لدينا مواقف قاسية من بوتين ومن السياسة الروسية في سورية، ونحن في الوقت ذاته متحالفون مع السعودية ودول الخليج التي هي جزء من الأزمة السورية". ويدافع فيون بشراسة عن بوتين، ولا يتردد في التأكيد أن "روسيا هي القوة الدولية الوحيدة التي تنتهج سياسة واقعية وبراغماتية في سورية، وهي حسمت الأمر بمساندتها نظام الأسد ضد تنظيم داعش والمتطرفين الجهاديين". وفي تصريحات أخرى أدلى بها الشهر الماضي إلى مجلة "فالور أكتويال"، المقربة من اليمين المتطرف، قال فيون "من حسن الحظ أن بوتين تدخل عسكرياً في سورية، وإلا كنا سنجد أنفسنا أمام تنظيم داعش أكثر قوة وتهديداً، وربما كان هذا التنظيم سينجح في السيطرة على دمشق ومناطق واسعة في سورية. علينا أن نتحالف مع موسكو من أجل وضع استراتيجية جديدة لإعادة السيطرة على كافة التراب السوري".

ولا يتردد فيون في القفز على الحقائق الميدانية في سورية، وقال، لإذاعة "فرانس آنتير"، في سبتمبر/أيلول الماضي، "لم أر أبداً المعارضة السورية تقاتل ضد تنظيم داعش، وهي تقاتل فقط ضد نظام الأسد"، وهو ما انتقده العديد من المحللين السياسيين الذين اعتبروا مواقفه من الأزمة السورية انحيازاً أعمى لبوتين، وقراءة تضليلية للوضع السوري. وكان وزير الخارجية، جان مارك أيرولت، انتقد بشدة مواقف فيون اتجاه سورية، خلال المناظرة التلفزيونية التي جمعت بين مرشحي اليمين والوسط في الانتخابات التمهيدية، ليل الخميس الماضي، واعتبر أن "دعوة فيون إلى الاختيار بين داعش أو بشار الأسد اختزال خاطئ للأزمة السورية، وظلم في حق الشعب السوري". وكان فيون قال، خلال هذه المناظرة، إنه سيسعى إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في دمشق من أجل فتح قناة حوار مع الأسد، وهو الموقف الذي لم يتجرأ أي سياسي فرنسي على تبنيه، عدا مرشحة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان التي تتفق مع فيون في الدفاع عن سياسة بوتين في سورية والدفاع عن نظام الأسد. وتكمن المفارقة الكبرى في أنه في حال فوز فيون في الدور الثاني من الانتخابات التمهيدية فسيجد نفسه في مواجهة لوبان، إن وصلا إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار المقبل، ما ينذر بالمزيد من المزايدات من كلا المرشحين في الدعوة إلى التحالف مع بوتين ودعم نظام الأسد.

ويركز فيون، كلما تعلق الأمر بسورية والأوضاع في المشرق العربي عموماً، على الدفاع عن مسيحيي الشرق، انسجاماً مع القاعدة الشعبية المسيحية لليمين المحافظ التي تدعم ترشحه. وإضافة إلى تثمينه لما يعتبره دفاعاً عن الأقليات المسيحية في سورية من طرف نظام الأسد، انتقد فيون بقوة أداء الحكومة الاشتراكية في سورية والعراق، معتبراً أن فرنسا "تخلت عن الأقليات المسيحية في الشرق وتركتها عرضة للقتل والتعذيب والتهجير من طرف التنظيمات الجهادية المتطرفة". وفي يونيو/حزيران العام الماضي، قام فيون بحملة كبيرة لحشد الدعم لمسيحيي الشرق في إطار حملة مدروسة لدعم ترشحه للانتخابات التمهيدية، ونشر عريضة وقعها إلى جانبه 2000 شخص، من بينهم 80 نائباً برلمانياً.

وخلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة، كان لافتاً ربط فيون بين مسيحيي الشرق وإسرائيل. وقال إن "تنظيم داعش" يريد تدمير المسيحيين في الشرق وطرد اليهود من إسرائيل". وفي فبراير/شباط الماضي، قال فيون، خلال مداخلة في ندوة نظمها "المجلس التمثيلي للجمعيات اليهودية في فرنسا"، "ليس لدي دروس لأقدمها إلى إسرائيل فأنا لا أعيش هناك. أنا لست ضد إسرائيل لكنني أعتقد بضرورة إقامة دولة فلسطينية من أجل السلام في المنطقة". والواقع أن فيون كان ينتقد دوماً رفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية، ما جر عليه كثيراً من الانتقادات من طرف المنظمات اليهودية في فرنسا، غير أنه في المقابل أعرب عن رفضه حركة المقاطعة العالمية للمنتجات الإسرائيلية، وانتقد بشدة القرارات التي أصدرتها منظمة "يونيسكو" بخصوص الهوية الإسلامية للحرم القدسي، معتبراً أن الحكومة الفرنسية ارتكبت خطأ كبيراً بعدم معارضتها تلك القرارات. أيضاً كان لفيون تصريح مفاجئ في البرلمان أخيراً، حين أعلن دعماً مفاجئاً لحزب الله اللبناني لم يسبق لأي نائب يميني أن اتخذه، ودعا إلى "دعم حزب الله في الحرب التي يشنها ضد تنظيم الدولة في سورية".

وبالإضافة إلى هذه المواقف حيال الأزمة السورية، يعتبر فيون أن فرنسا أخطأت كثيراً في عهد الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، عندما تدخلت عسكرياً لإسقاط نظام العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي. وفي تصريح لصحيفة "لوموند"، في يوليو/تموز الماضي، قام فيون بنقد ذاتي، كونه كان رئيس الوزراء في عهد ساركوزي وساند سياسته في ليبيا. وقال "كان علينا أن نلتزم فقط بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في فبراير 2011، والقاضي بالدفاع عن المدنيين الليبيين والمناطق المدنية المهددة، لكننا ذهبنا أبعد من ذلك، وكان تحليلنا للوضع خاطئاً". وأضاف "عندما ندمر مؤسسات دولة ما فنحن نصل إلى الفوضى الشاملة. وبعد التدمير كان علينا أن نفكر بسرعة في إعادة البناء، لكننا لم نفعل ذلك". كذلك يعتبر فيون أن على فرنسا التوقف عن القيام بعمليات عسكرية بمفردها في أفريقيا، من دون مظلة دولية، وانتقد مراراً العملية العسكرية التي يخوضها الجيش الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

واللافت أن فيون في كل هذه المواقف يرتكز على أيديولوجية يمينية لها قراءة خاصة للتاريخ، تؤمن بتفوق المسيحية البيضاء وإيجابيات الاستعمار، فهو يعتبر أن فرنسا "من خلال تاريخها الاستعماري قامت بعمل حضاري، وساهمت في نشر ثقافتها في المستعمرات السابقة"، وهي "لم ترتكب أي ذنب اتجاه شعوب هذه المستعمرات في أفريقيا والشرق وآسيا". وذهب فيون إلى حد الدعوة لإعادة كتابة التاريخ الفرنسي وطرق تدريسه، والتركيز على دوره الإنساني في نقل الحضارة والثقافة إلى شعوب العالم، وهذه نقطة أخرى أساسية يتقاسمها فيون مع اليمين المتطرف الذي يدعو باستمرار إلى تمجيد التاريخ الاستعماري الفرنسي.

المساهمون