اشتباكات "الحرس الثوري" و"الكردستاني"... تمهيد لتحالف بين طهران وأنقرة؟

02 يوليو 2016
تتخوّف إيران من الزحف الكردي داخل أراضيها(صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
في شهر مارس/آذار الماضي، صدرت تصريحات عن سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني مصطفى هجري، خلال مشاركته في مراسم عيد رأس السنة الشمسية "النوروز"، قال فيها، أثناء وجوده على الحدود الإيرانية ـ العراقية، إن حزبه سيعود للكفاح المسلح ضد إيران، إذ سيعمل على توحيد صفوف الشباب وتجنيد المزيد من المتطوعين بهدف خلط العمل السياسي المستمر منذ عقود ولّت بالنضال المسلح ضد إيران ونظامها.

تصريحات يبدو أنها بدأت بالتحول لواقع عملي وملموس. فمنذ عشرة أيام، تقريباً، كثّف الحرس الثوري الإيراني عملياته شمال غربي البلاد بالقرب من الحدود مع العراق، إذ بات الحرس يتولى مسألة أمن الحدود في ظل وجود تهديدات تحدق بإيران من كل أطرافها. وأسفرت الاشتباكات الأخيرة، بين الحرس الثوري والأكراد المطالبين بالانفصال عن إيران، عن سقوط أحد عشر انفصالياً كردياً وثلاثة عسكريين من الحرس، بحسب ما أعرب قائد الحرس في محافظة كردستان الإيرانية، محمد حسين رجبي، يوم الثلاثاء الماضي. وقال الأخير إن قواته "استطاعت تفكيك خلية معادية للنظام في إيران، وقتلت كل أفرادها البالغ عددهم أحد عشر شخصاً، وهذا بعد عمليات استمرت ثلاثة أيام في منطقة كوهسالان في مدينة سروآباد".

بدوره، قال قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، محمد باكبور، إن أحد قتلى هذه العملية هو كاوه جوانمرد، أحد قادة الانفصاليين الأكراد. وقبل أيام وجيزة، ذكر هذا الأخير مقتل خمسة أكراد آخرين في عمليات استهدفت مهاباد وسروآباد، وكان من بين القتلى قياديان اثنان وهما؛ أرش منبري، وشورش منبري، بحسب السلطات الإيرانية.

وأصدر باكبور تصريحات وصفها البعض بـ"التصعيدية"، إذ أشار إلى أن "قوات الحرس ستلاحق الإرهابيين أياً كانت مواقعهم، وستستهدف أي نقطة يتواجدون فيها"، مضيفاً أن "المراكز الرئيسية لتواجد هؤلاء المسلحين تقع شمالي العراق"، في إشارة منه لإمكانية توجيه ضربات للمنتمين للحزب الديمقراطي الكردستاني حتى داخل الأراضي العراقية.

ومرّ الحزب "الكردستاني" بفترة سبات في إيران، فهو الذي تأسس قبل أكثر من سبعة عقود، على يد مصطفى البرزاني، ليكون حزباً كردياً يعمل على إقامة إقليم كردي في جمهورية فيدرالية داخل الحدود الإيرانية، على غرار كردستان العراق. وقام البرزاني مع القاضي محمد بتأسيس جمهورية مهاباد عام 1946 خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والتي لم تدم لأكثر من 11 شهراً، إذ استغل الأكراد التوتر الحاصل بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، والأوضاع غير المستقرة في المنطقة، عقب الحرب العالمية الثانية، لكن الحكومة الإيرانية أسقطتها بدعم أميركي وبضغط من السوفييت، وتم إعدام القاضي محمد وانسحب البرزاني من المدينة.





وبعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، في حين لم تكن الأوضاع في البلاد قد استقرت بعد، شهدت تلك المناطق تمرّداً كردياً، قام الحرس الثوري الإيراني بالسيطرة عليه لاحقاً، إلى أن سحب الحزب "الكردستاني" مقاتليه من إيران مطلع تسعينيات القرن الماضي بالاتفاق مع الأحزاب الكردية الرئيسية في كردستان العراق. وجاء ذلك بعد عملية عسكرية ضخمة طاولت هؤلاء على الشريط الحدودي الإيراني ـ العراقي في التسعينيات. فتوقف العمل المسلح، واكتفى أعضاء الحزب بالتواجد السياسي في إيران، وهو ما يزيد من شعور الحزب اليوم بأنه خسر جمهوره في الداخل الإيراني، وابتعد عن تحقيق أهدافه الرئيسية، وهو سبب عودة عسكرييه لتجنيد الشباب في عمليات ضد إيران، وفقاً لمراقبين.

وقبل مدة، شهدت مهاباد، ذات الغالبية الكردية في إيران، توتراً آخر، احتوته السلطات الإيرانية سريعاً. وجاء هذا التوتر على خلفية موت فتاة تدعى فريناز خسرواني (26 عاماً)، بعد سقوطها من الطابق الرابع لفندق تارا في المدينة، بعدما قيل إنها تعرضت لاعتداء. فخرج المحتجون إلى الشارع للمطالبة بمحاسبة المسؤول عن موتها، بعدما اختلفت الأقاويل حول وفاتها، إذ اعتبر البعض أنّها تعرضت لاعتداء على يد رجل أمن، فيما ذكر آخرون أنها كانت تحاول الفرار من عائلتها وهو ما أدى لسقوطها، ودعت السلطات الإيرانية في حينه لعدم إثارة الشغب واحتوت الموقف.

وفضلاً عن وجود الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحركاته الأخيرة، والأحداث التي شهدتها مهاباد، يثير حزب "بيجاك" الكردي قلق طهران أيضاً، وهو حزب الحياة الحرة الكردستاني، جناح "العمال الكردستاني" في إيران. في أغسطس/آب 2015، وقع هجوم تبناه "بيجاك" في سنندج القريبة من الحدود مع العراق، وهو ما أدى لمقتل عشرة أفراد من الحرس الثوري الإيراني، ولا يزال أعضاؤه حاضرين اليوم في سلاسل جبلية بين إيران والعراق.

كل هذا يجعل طهران تحاول احتواء الداخل، في وقت تتصاعد فيه تهديدات الخارج واضطرابات الإقليم، وقرار تصعيد الكفاح المسلح من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني قد يرفع مستوى التدخل الإيراني في الأراضي العراقية، بحال عدم مراعاة الميثاق الأمني بين الدول الجارة، وفقاً لمتابعين.

وطالب الحرس الثوري، في وقت سابق، المعنيين في كردستان العراق وبغداد بالوقوف في وجه الزحف الكردي داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما جاء واضحاً في كلام قائد القوات البرية التابعة للحرس محمد باكبور، والذي أكد أن طهران سترد على أي هجوم في أي نقطة يتواجد فيها أتباع الحزب.

وفي آخر التطورات، عيّن المرشد الأعلى علي خامنئي رئيساً جديداً لهيئة أركان القوات المسلحة وهو محمد حسين باقري، بدلاً من الجنرال حسن فيروز أبادي الذي بات مستشاراً عسكرياً للمرشد. وباقري من محافظة أذربيجان الغربية القريبة من الحدود مع العراق وتركيا، والمحاذية لمحافظة كردستان الإيرانية. انضم للحرس الثوري الإيراني بعد التمرد الكردي الذي أعقب انتصار الثورة الإسلامية واستمر حتى عام 1983. وبحسب مراقبين، قد لا يؤثر هذا التعيين الجديد على سياسات إيران العسكرية إزاء قضايا وملفات خارجية، ولا يعني تغير السياسات الداخلية، لكن لدى باقري خبرة في تلك المناطق وفي التعامل مع الملف الكردي.

هذا الأمر قد يجعل إيران تتجه أكثر نحو تركيا، فكلتاهما ترفضان فكرة وجود كيان كردي مستقل في وقت يواجه فيه البلدان خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والإرهاب. وطهران تتحدث عن وجود دعم أميركي وإسرائيلي لمخطط الأكراد من باب أنه سيعرقل القدرة الإيرانية في المنطقة. وفي الوقت ذاته، تحاول إيران عدم التدخل كثيراً ضد الأكراد في العراق، لكنها تعلم أن تقدم الأكراد مقلق لأنقرة أيضاً. وفي حال التصعيد، سيكون أمام تركيا السيناريو ذاته، والذي ستدعمه طهران إذا ما استمرت العمليات ضدها، ولكنها ستقوم بخطوات مدروسة ومحسوبة، مما لا يرفع من مستوى التحرك الشعبي الكردي.

فأكراد إيران يعيشون في منطقة جغرافية قريبة من أكراد العراق، في محافظة كردستان، لكنها ليست منفصلة وتشكل جزءا من الوحدة المركزية للجمهورية الإسلامية، وأي تحركات قد تلبي الطموحات الكردية بتحقيق حلم الدولة الممتدة من جنوب جبل آرارات من منتصف المسافة بين جنوب غرب بحر قزوين إلى داخل محافظة أذربيجان الإيرانية وجمهورية أرمينيا، وتأخذ قسماً من شرق الأناضول التركي، ثم تتجه جنوباً نحو مشارف شبه الجزيرة العربية، فشمال العراق حتى القسم الغربي من إيران، لتنتهي في جنوبها بخط من مندلى العراقية إلى كرمانشاه الإيرانية. وتقدّر كل هذه المساحة بنحو 409 آلاف كيلومتر مربع، وتحتل منطقة استراتيجية ستشكل حداً فاصلاً في الشرق الأوسط يتعارض ومصالح القوى الفاعلة فيه، وفي مقدمتها طهران وأنقرة.