إيقاف العملية الانتخابية الفلسطينية: حكم قضائي بخلفيات سياسية؟

09 سبتمبر 2016
اصطدم القرار مع قطاعات واسعة من الجمهور(عباس المومني/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن تأجيل الانتخابات المحلية الفلسطينية مؤقتاً، بقرار من محكمة العدل العليا، مفاجئاً لأوساط سياسية سعت وراهنت منذ اللحظة الأولى على عدم إجراء الانتخابات في موعدها، الذي حددت حكومة الوفاق الوطني موعده في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لكنّ القرار كان صادماً لحقوقيين ومراقبين، اعتبروه مؤشراً على فشل النظام السياسي الفلسطيني، من جهة، وعدم الرغبة بتجديد دمائه، من جهة أخرى.

في هذا السياق، قررت محكمة العدل العليا، أمس الخميس، وقفاً مؤقتاً لتنفيذ قرار مجلس الوزراء إجراء الانتخابات المحلية، إلى حين البتّ في طعون تقدّم بها ممثلو ثلاث قوائم انتخابية، بشأن عدم توفر الظروف الملائمة لإجرائها.

مضمون الطعون الذي تلقته المحكمة وأصدرت قرارها وفقاً لها يتلخص كالتالي: "تجد المحكمة من خلال ما يدور حالياً بخصوص العملية الانتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحرمان مدينة القدس المحتلة وضواحيها من حق المواطنين في الانتخابات، وحول قانونية القرارات التي ستصدر في قطاع غزة حول الاعتراضات المقدمة من المرشحين المستدعين، أمراً يؤثر في النتيجة الانتخابية"، حسبما نقلت الوكالة الرسمية الفلسطينية "وفا". وستنظر المحكمة في الطعون المقدمة في 21 سبتمبر/أيلول الحالي، و4 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

في هذا السياق، أكدت مصادر فتحاوية رفيعة لـ"العربي الجديد"، أن "الإنذارات العربية المتتالية من الأردن ومصر والسعودية والإمارات للرئيس محمود عباس، بأن الانتخابات المحلية ستقود حماس مرة ثانية للسيطرة على الضفة الغربية، سيزيد الوضع الفلسطيني سوءاً وسيعمّق الانقسام، ويضعف فتح أكثر".

من جهته، اعتبر الخبير القانوني والإعلامي ماجد العاروري في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "محكمة العدل العليا التي قررت وقف الانتخابات مؤقتاً، هي ذاتها التي قررت عام 2012 إلزام حكومة سلام فياض بإجراء الانتخابات. كما أن وضعية قطاع غزة والقدس لم تتغير منذ عام 2012، وبالتالي لا يوجد متغيرات سياسية، إلا إذا اكتشف السياسيون اليوم أنهم كانوا قد نسوا القطاع والقدس وتذكروهما الآن".

وحول ما يترتب على القرار، قال العاروري، إن "قرار المحكمة على المستوى القانوني، يعني وقفاً فورياً لكل الإجراءات المتعلقة بالانتخابات، إلى أن تصدر المحكمة العليا قرارها النهائي خلال الفترة المقبلة التي قد تمتد لأسابيع أو أكثر".



وتابع: "إن توقف الإجراءات يُشكّل ضربة لكل الخطوات التي قامت بها اللجنة المركزية للانتخابات، من تغييرات دستورية وتغييرات على سجل الناخبين وأحقية الترشح". ورجّح العاروري أن "يكون قرار المحكمة العليا النهائي، منسجماً مع القرار الذي صدر، إلا إذا كان هناك شعور سياسي بأن أهم قرار اتخذته السلطة السياسية يصطدم مع قطاعات واسعة من الجمهور".

وحول الطعون أوضح أن "الطعون تتعلق بالقدس، وهي غير مشمولة بالانتخابات، والطعن يتعلق بشرعية مراقبة الانتخابات، من قبل محاكم غزة، على اعتبار أن المحاكم لم تُشكّل من مجلس القضاء الأعلى، وقضاتها لم يؤدوا اليمين الدستورية، وهذا النمط القائم في قطاع غزة منذ عام 2007. وقرار المحكمة العليا فيما إذا صدر بصيغته النهائية، سيفتح باب نقاش كبير جداً بشأن عشرات آلاف القرارات التي اتخذتها محاكم قطاع غزة منذ عام 2007، حول ما إذا كانت هذه المحاكم غير قانونية، وقد ترتّب على القرارات مراكز قوى قانونية، لأنها حكمت بأموال وسجن وغيره من الأحكام". أما الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب، فاعتبر أن "قرار المحكمة العليا، يؤكد فشل النظام السياسي في تطبيق قراراته، لكن هذه المرة باستخدام القضاء".

وأضاف حرب في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أن "تداعيات القرار خطرة، إذ كان ينظر للانتخابات المحلية كمقدمة وتمهيد للانتخابات التشريعية والرئاسية، وما جرى يعني وقف جميع الإجراءات التي كانت تمهّد لتلك الانتخابات. وهذا يترجم على الأرض بنفي حق المواطن في اختيار ممثليه، سواء في الهيئات المحلية أو التطلع لاختيار ممثلين في المجلس التشريعي والرئاسة، ما سيؤدي إلى زيادة تكلس مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني المتكلّسة أيضاً".

وحول ما إذا كان هناك تداعيات متوقعة للقرار، توقع حرب أن "تعيق عطلة عيد الأضحى الطويلة نسبياً، أي تفاعلات ممكنة في هذا الوقت، لكن بعد ذلك ربما نشهد ردود فعل ميدانية، لا كردّ مباشر على إلغاء الانتخابات، بل كردّ على فشل أداء النظام السياسي، مثل الاحتجاجات التي شهدتها مدن فلسطينية عدة في الآونة الأخيرة".

من جهته، كان المحاضر في جامعة بيرزيت، أمين عام حزب "الخضر الفلسطيني" عبد الرحمن التميمي، من أوائل الأصوات التي خرجت قبل أشهر مؤكدة أن الانتخابات البلدية لن تعقد. وفي تصريح إلى "العربي الجديد"، قال التميمي إن "تحليلي السياسي الذي قلته أكثر من مرة في الأشهر الماضية، بأن الانتخابات لن تعقد، مبني على شيء واحد، وهو أن النظام السياسي الفلسطيني لا يريد أي عملية منظمة لتجديد نفسه، وقرار القيادة بإجراء الانتخابات جاء بسبب ضغوط دولية".

أما النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، حسن خريشة، فأكد لـ"العربي الجديد"، أن "تأجيل الانتخابات سياسي لا قانوني، لأن حركة فتح لم تستطع ترتيب قوائمها بالطريقة الصحيحة، كونها درجت على ترتيب الأمور بطريقة تفوز بها". وحول مضمون الطعون التي قُدّمت للمحكمة العليا، قال خريشة "هناك اتفاق ضمني ما بين لجنة الانتخابات، وتم تبليغ الرئيس عباس ومجلس الوزراء به، وهو أن أمن حركة حماس ومحاكمها، سيشرفان على الانتخابات في قطاع غزة، والسلطة ستتولى الإشراف في الضفة الغربية، وتمت الموافقة على هذا منذ اليوم الأول".

المساهمون