صِدام مضبوط بين تركيا والنظام: أنقرة تهدد دمشق عبر موسكو

29 يونيو 2019
أرسلت تركيا تعزيزات إلى الحدود مع سورية(إبراهيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -





مع تواصل الاشتباكات العنيفة على محاور القتال في ريف حماة الشمالي الغربي، شمال غربي سورية، تصاعدت حدة التوتر بين تركيا والنظام السوري، إثر إقدام قوات الأخير على التعرض مجدداً لنقاط المراقبة التركية المنتشرة في المنطقة، بناء على اتفاق "خفض التصعيد" مع روسيا. ما استدعى رداً تركياً، عسكرياً ودبلوماسياً، في ظلّ التقديرات بأن قصف قوات النظام، هو استفزاز مقصود للجانب التركي، وإشارة إلى امتعاض روسي من الموقف التركي الداعم بقوة للفصائل العسكرية. وهو ما تسبب حتى الآن في إحباط الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام في الشمال السوري، بدعم من روسيا.

ورداً على استهداف إحدى نقاطها العسكرية ما تسبب في مقتل جندي تركي وجرح 3 آخرين، قصفت القوات التركية المتمركزة في نقطة المراقبة في شير مغار بريف حماة الشمالي الغربي مواقع لقوات النظام السوري في ريف حماة فجر أمس الجمعة، من دون معرفة نتائج القصف. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "نحو 20 صاروخاً استهدفت مواقع لقوات النظام في محاور قرى الكريم وقبر فضة والحويز في منطقة سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي". ونقلت وكالة "الأناضول" التركية، عن وزارة الدفاع التركية، إشارتها إلى أن "قوات النظام السوري شنّت هجوماً بقذائف المدفعية والهاون، يُعتقد أنه متعمد، على نقطة المراقبة العاشرة التابعة للقوات التركية في إدلب، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة 3 آخرين، وتم نقل المصابين إلى المستشفى للعلاج". وأضافت الوزارة أن "رئاسة الأركان التركية استدعت الملحقية الروسية في سفارة موسكو بأنقرة، وأبلغتها أن الرد على الاعتداء سيكون قاسياً"، لافتة إلى أنها "تراقب الوضع في إدلب عن كثب".

وقالت مصادر محلية إن "ثلاث مروحيات تركية هبطت في نقطة المراقبة لإجلاء الجرحى"، منوّهة إلى أن "قوات النظام الموجودة في التمانعة بسهل الغاب، استهدفت نقطة المراقبة التركية في شير مغار بثلاث قذائف". وتضم نقطة المراقبة التركية أكثر من 100 عنصر من الجيش التركي بينهم ضباط، وقوات خاصة، إضافةً إلى عتاد عسكري وعشرات الآليات المصفحة ودبابات. وهي المرة الخامسة التي تستهدف فيها قوات النظام نقطة تركية في حماة، على الرغم من التحذيرات التركية عبر روسيا. وتنتشر في إدلب ومحيطها 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في منطقة "خفض التصعيد" بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وفقاً لمقررات أستانة.

في السياق نفسه، وصلت دفعة جديدة من القوات الخاصة التركية، إلى ولاية هاتاي المحاذية للحدود مع سورية، جنوبي البلاد. وذكرت "الأناضول" أن "قافلة مدرعات تحمل قوات خاصة (المغاوير) وصلت صباح أمس الجمعة، إلى قضاء قرقخان بولاية هاتاي، آتية من قواعد مختلفة، وسط تدابير أمنية مشدّدة. وذكرت مصادر عسكرية أن القوات الخاصة أُرسلت بهدف تعزيز الوحدات العسكرية المتمركزة على الشريط الحدودي".

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حذر مطلع الشهر الحالي، من استهداف النقاط التابعة للجيش التركي قائلًا: "إذا استمر الهجوم على قواعد المراقبة العسكرية في إدلب، فلا يمكن أن نلتزم الصمت وسنقوم بما هو مطلوب"، علماً أن تركيا أعلنت في 22 مايو/أيار الماضي، أنها لن تسحب قواتها العسكرية من محافظة إدلب، رغم التصعيد العسكري في المنطقة.


من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاستهداف المتكرر لنقاط المراقبة التركية عمل مقصود من جانب قوات النظام، ولا يمكن أن يتم إلا بالتنسيق مع روسيا". وأضاف أن "الغاية من هذا القصف هو الضغط على الموقف التركي، بعد أن عرقلت تركيا حتى الآن الحملة العسكرية الشرسة لقوات النظام المدعومة من روسيا، من خلال دعمها القوي سياسياً وعسكرياً للفصائل المقاتلة في إدلب". وبشأن الرد التركي على هذه الهجمات، قال رحال إن "يدي تركيا مكبّلتان إلى حد ما في الرد بسبب التفاهمات القائمة مع روسيا، ولا تستطيع استخدام سلاحها الجوي في الانتقام من الهجمات، وتكتفي حتى الآن بقصف مدفعي محدود، إضافة لمحاولة التنسيق مع روسيا من أجل وضع حد لهذه الهجمات".

بدوره، توقع القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، أن "يتخذ الردّ التركي أشكالا عدة، ولا يقتصر بالضرورة على الجانب العسكري". وأضاف حسون في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من بين تلك الأشكال قد يكون الأمني والسياسي والاقتصادي"، مبدياً اعتقاده أن "يكون للرد التركي تأثير واضح وكبير في حال استمرار عمليات القصف الاستفزازي للنقاط التركية". واستدرك بالقول "لكن ذلك الرد سيكون مع الحفاظ على سياسة ضبط النفس التي تتحلى بها تركيا، والتي تعمل جهات عدة لإخراجها عنها".

في غضون ذلك، تواصلت الاشتباكات العنيفة بين الفصائل وقوات النظام على محوري الجبين وتل ملح بريف حماة الشمالي الغربي، وذلك في إطار الهجمات المتكررة من جانب النظام لاستعادة السيطرة على القريتين اللتين خسرهما في 6 يونيو/حزيران الحالي. وتترافق المعارك مع عشرات الغارات الجوية من قبل طائرات النظام الحربية، فضلاً عن مئات القذائف الصاروخية والمدفعية التي تطلقها قوات النظام على محاور القتال، والمناطق المدنية.

وأعلنت الفصائل المسلحة أمس تمكنها من قتل عشرات العناصر من قوات النظام على جبهات حماة. وقال "جيش العزة" العامل ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين" إنه "قُتل وجُرح أكثر من 50 عنصراً من قوات النظام، أثناء صدّ الهجوم واستهداف 4 مجموعات بصواريخ مضادة للدروع ومدافع الهاون والرشاشات". ونشر "جيش العزة" أنباء أن عناصره استهدفت ثلاث مجموعات اقتحام متتالية لقوات النظام بصواريخ موجهة مضادة للدروع، أثناء محاولتها التقدم على محور القتال في قرية كفرهود. ما أدى إلى إحباط المحاولة وقتل وجرح جميع عناصر مجموعات الاقتحام".

من جهتها، ذكرت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في بيان لها، أن "17 عنصراً لقوات النظام قُتلوا وجُرح أكثر من 28، بينهم ضابط برتبة نقيب وآخر برتبة ملازم في المواجهات في محيط قرية الجبين". وأضافت أنها "أصابت طائرة حربية لقوات النظام من نوع (أل 39) بصاروخ مضاد طيران شمال مدينة حماة، ما أجبرها على الهبوط اضطرارياً". كما قالت مصادر محلية، إن "كلا من هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، أرسلا تعزيزات عسكرية إلى جبهات القتال في ريف حماة الغربي، مؤلفة من عشرات السيارات والدراجات النارية، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، إضافة إلى مئات العناصر".

بدوره، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الجمعة، إلى "العمل من أجل تحقيق الاستقرار في سورية". وأعرب بوتين خلال مشاركته في قمة العشرين في اليابان عن اعتقاده بأن دول مجموعة "بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا "من الضروري أن تقوم بدور أكثر فعالية في المسألة السورية"، مؤكدا على "وجوب القضاء على بؤر التوتر المتبقية في سورية والعمل على عودة اللاجئين وإنعاش الاقتصاد في البلاد".


المساهمون