بحث أميركي عن الخلفيات الأيديولوجية لقرار ترامب بشأن القدس

18 ديسمبر 2017
من زيارة ترامب إلى حائط البراق أخيراً(رونين زفولين/فرانس برس)
+ الخط -
تهتم وسائل إعلام أميركية بشكل مكثف في الكشف عن العدة الأيديولوجية - الدينية التي أنتجت قراراً سياسياً كبيراً بحجم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وتخلص إلى أن القرار سياسي بامتياز، لكنه ولد من رحم حسابات أميركية داخلية انتخابية، عنوانها نفوذ اللوبي الإنجيلي المسيحي في الولايات المتحدة، القريب في العديد من معتقداته من عقيدة فرق يهودية متطرفة، ممثلة بقوة اليوم في النواة الصلبة لفريق ترامب وقاعدته الانتخابية. والتفسيرات نفسها قد تسري على وضع اعتبار واشنطن أن "حائط البراق" في القدس هو جزء من إسرائيل، في سياق تبنّي الإدارة الأميركية المفاهيم الأيديولوجية الدينية المشتركة بين فرق دينية إنجيلية متطرفة وأخرى يهودية، لأهداف سياسية.

وبعد عجز القراءات السياسية عن تفسير الأسباب التي أملت على الرئيس الأميركي اتخاذ قرار إعلان القدس "عاصمة أبدية" لدولة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من نتائجه الكارثية على علاقات الولايات المتحدة الدولية وعلى الأمن القومي الأميركي، لجأ مراقبون سياسيون أميركيون إلى مقاربة دينية والبحث عن أسباب قرار ترامب في المعتقدات الدينية المشتركة بين أنصاره من المسيحيين الأميركيين الإنجيليين المؤمنين باقتراب نهاية العالم وظهور المخلص، مع الجماعات الدينية اليهودية المتشددة، خصوصاً المنظمات اليهودية الأميركية الأرثوذكسية، التي تقوم أيديولوجيتها الدينية على الدعوة إلى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة هيكل سليمان الثالث مكان المسجد الأقصى.

وعززت مشاهد الاحتفالات بعيد الحانوكا اليهودي في البيت الأبيض قبل أيام وصور الحاخامات المحيطين بترامب، نزعة المحللين إلى الالتفات أكثر إلى الأبعاد الدينية في شخصية ترامب، الذي للمفارقة يذهب خصومه إلى حد تشبيهه بالزعيم النازي أدولف هتلر ويلصقون به صفات العنصرية واللاسامية، فيما يرى حاخامات اليهود أن الله يديره وأنه قورش الكبير ملك فارس الذي سمح لليهود قبل نحو أربعة آلاف عام بإعادة بناء هيكل سليمان للمرة الثانية.

هيكل سليمان

يعتبر اسيف فرايد من United temple movement، وهي منظمة يهودية أميركية متطرفة، أن قرار ترامب جعل من هدف المنظمة المتمثل بإعادة بناء هيكل سليمان للمرة الثالثة أمراً قابلاً للتحوّل إلى حقيقة واقعية. ويضيف "ما فعله هو خطوة مهمة لإعادة بناء الهيكل". وبحسب فرايد، فإن الخطوة التي جاءت من غير اليهود الأميركيين تتحدث عنها النصوص الدينية اليهودية. ويشبّه فرايد الرئيس الأميركي بقورش الكبير ملك الفرس الذي سمح لليهود بإعادة بناء هيكل سليمان للمرة الثانية قبل ألفي عام من ميلاد المسيح. وهو يعتقد أن ترامب مُسيّر من قبل الرب كي يؤدي دوراً في إعادة بناء هيكل سليمان.

من جهته، يقول الحاخام اليهودي الأميركي هيلال وايس: "قبل عام طالب السنهادرين (مجلس ديني يهودي) ترامب بإعادة بناء الهيكل. وهو يسير في هذا الاتجاه، لكن ما زالت أمامنا طريق طويلة". ويضيف: "ترامب يواجه ضغوطاً سياسية كبيرة، حدود القدس ما زالت خاضعة للمفاوضات وجبل الهيكل ما زال قضية إشكالية والأمم المتحدة تحاول إقناع العالم بأن لا مكان لليهود هناك"، متابعاً: "من أجل نجاح ترامب على اليهود أن يتوحّدوا من أجل إبقائه قوياً".


وبالنسبة لياكوف هايمان، رئيس United Temple Movement، فإن خطوة ترامب هي نقلة مفصلية في التاريخ الحديث بالنسبة لإسرائيل واليهود. ويقول: "عام 1917 كان وعد بلفور بتأسيس دولة إسرائيل، وفي عام 2017 جاء إعلان ترامب". الخطوة التالية المهمة، بحسب هايمان، هي دعوة المستوطنين اليهود إلى الصعود بأعداد كبيرة إلى جبل الهيكل، "وعندما يحصل ذلك يكون الهيكل الخطوة الحتمية الثانية". ويعتبر هايمان أن "حول ترامب هالة مقدسة. أحياناً يبدو حديثه بعيداً عن الدين. لكنه عندما يتحدث عن الوطن يعود للاستشهاد بكلام الله".

كذلك تدعم مجموعات اليمين الأميركي المسيحي إعادة بناء هيكل سليمان كخطوة على طريق عودة المسيح، (المسيّا)، وبداية معركة هرمغدون. ويدعم الإنجيليون المسيحيون في الولايات المتحدة إسرائيل في كل مواقفها، خصوصاً المجموعات التي ترى أن نهاية العالم قد صارت وشيكة. وبحسب هؤلاء، فإن "عودة المخلّص ترتبط بأورشليم مباشرةً" وأنّ معظم النبوءات التوراتية تشير إلى "أورشليم ونهاية الزمن"، وإلى بناء الهيكل الجديد، والمسيح الدجال، وقيام معركة هرمغدون.

الإنجيليون الجدد
يرى موقع "بريتبارت نيوز"، الذي يديره ستيف بانون، رمز اليمين العنصري الأميركي والمستشار الاستراتيجي السابق لترامب، أن إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة لإسرائيل يظهر مدى قوة الإنجيليين المسيحيين ومتانة تحالفهم مع إسرائيل واليهود الأميركيين. ويقول الموقع إنه "لا مجال للشك في أن لصهر الرئيس جاريد كوشنر دوراً أساسياً في البيت الأبيض، كذلك الأمر بالنسبة للجالية اليهودية في الولايات المتحدة وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل دايفيد فريدمان، الذي يقوم بدور رائع كممثل لأميركا في الدولة اليهودية"، بحسب "بريتبارت".

لكن الموقع اليميني يرى أن الدور الأول المؤثر على قرار ترامب يعود إلى القوة الانتخابية للمسيحيين الإنجيليين الذين يمثّلون 24 في المائة من الناخبين في الولايات المتحدة (أكثر من 50 مليون صوت) الذين أراد إرضاءهم والإيفاء بتعهداته لهم خلال الحملة الانتخابية بتنفيذ نقل السفارة الأميركية من تل أبيب وإعلان القدس عاصمة للدولة اليهودية. بينما يبلغ عدد اليهود في الولايات المتحدة من 5 إلى 7 ملايين فقط ولا يتجاوز 3 في المائة من عدد السكان. وبحسب "بريتبارت" اقترع 82 في المائة من الناخبين الإنجيليين المسجلين خلال انتخابات 2016 لمصلحة ترامب.

بالنسبة للإنجيليين الأميركيين، فإن كل فرقة منهم تنظر إلى القدس من زاويتها الخاصة وفق قناعاتها التوراتية. فمجموعات مثل "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" و"الجامعة الحرة" وعدد من رجال الدين المسيحيين المتشددين مثل دايفيد جيرميه، يعتبرون أن مدينة القدس هي عاصمة مملكة سليمان قبل 3000 سنة التي ذكرها الإنجيل. أما بالنسبة لمجموعات أميركية مسيحية أخرى، فإنها ترى أن الله ذكر إسرائيل في الكتب المقدسة كرمز مجازي وليس كحقيقة واقعية.

لكن الأمر المهم الذي لم يشر إليه موقع "بريتبارت" هو الدور الأساسي الذي قام به نائب الرئيس مايك بنس في دفع ترامب إلى الإسراع في خطوة نقل السفارة، ربما بسبب الخلافات بين بانون وبنس الذي يُعتبر رجل الاستبلشمنت الأول، وبسبب دوره في طرد المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي من البيت الأبيض. وكان تقرير نشرته صحيفة "ذي نيويوركر" قبل أسابيع، قد نقل عن رئيس مجلس النواب الأميركي السابق نويت غينغريتش أن هناك ثلاثة رجال أقوياء في البيت الأبيض يحددون ويؤثرون مباشرة على اتجاه السياسات الأميركية، وهؤلاء هم ترامب ومدير الموظفين في البيت الأبيض الجنرال جون كيلي ونائب الرئيس مايك بنس. واستعرض تقرير "ذي نيويوركر" السيرة السياسية لبنس الذي تحوّل إلى أحد أبرز المحافظين المتشددين في الحزب الجمهوري واكتسب نفوذه وقوته من علاقاته الوطيدة مع المتبرعين وكبار المتمولين من اليهود الأميركيين.