تونس: استطلاعات الرأي تُربك الناخبين والمرشحين

24 يونيو 2019
يخشى البعض "تصويتاً عقابياً" (الشاذلي بن ابراهيم/Getty)
+ الخط -
في ظرف أسبوعين فقط، أسقطت عمليات سبر الآراء لشركات تونسية مختلفة، كل الثوابت التي كانت راسخة على مدى أشهر في ذهن الأحزاب التونسية، بما يتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني المقبلين. وظهر ذلك مع حصول شخصيات من خارج المجال الحزبي على نسب كبيرة من نوايا التصويت في الرئاسية، كما حصلت أحزاب تُعتبر من الأقليات السياسية، على نتائج عالية. وهو ما أثار الذهول وخلط الأوراق بشكل كبير، ما دفع إلى إجراء تعديلات على القانون الانتخابي حملت طابعاً إقصائياً صريحاً لهؤلاء. غير أن آخر عملية سبر آراء أنجزتها مؤسسة "إيمرود كونسالتينغ" بعثرت الأوراق من جديد، مع تأكيدها أن 42.8 في المائة من المستفتين "لا يعرفون لمن سيصوّتون أو رفضوا الإجابة عن السؤال". كما أن "36.8 في المائة لن يصوّتوا لأي حزب من القائمة التي عُرضت عليهم"، التي تتضمن الأحزاب المعروفة على الساحة. وعندما سئُلوا لأي حزب سيصوّتون، اختاروا حزب "خليل تونس"، بقيادة نبيل القروي، وجمعية "عيش تونسي" وغيرها.

وعكست النسبة الكبيرة من المستجوَبين (79 في المائة) موقفاً واضحاً من الأحزاب الموجودة أو من أدائها على الأقل، ما أظهر بوضوح شرعية المخاوف من تصويت عقابي في الانتخابات المقبلة، قد تكون تداعياته كبيرة جداً، ليس على نتائج الانتخابات في حدّ ذاتها، وما قد تحمله من انحرافات شعبوية أو راديكالية، بل أيضاً على البناء الحزبي ككل، ونموذج المشهد السياسي الذي يقوم على التنافس بين الأحزاب.

واعتبر المدير العام لـ"إيمرود كونسالتينغ" نبيل بالعم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "نتائج التصويت تظهر تراجعاً واضحاً في نسب التصويت لشخصيات وأحزاب كانت في الصدارة، في مقابل بروز شخصيات جديدة مثل رئيس جمعية "خليل تونس"، نبيل القروي، الذي يتصدر نوايا التصويت للرئاسية بـ25.5 في المائة، يليه المرشح قيس سعيد بـ15.2 في المائة، والأمينة العامة للحزب الحر الدستوري، عبير موسي". وأضاف أن "القروي يحتل أيضاً نوايا التصويت في التشريعية بحزب لم يتكوّن بعد بـ22.9 في المائة، متقدماً على النهضة التي أحرزت 6.9 في المائة فقط".

وأوضح بالعم أن "بروز وجوه جديدة في السباق إلى الرئاسيات والتشريعيات يدل على أن التونسي غير راضٍ على الأطراف والقوى السياسية، سواء التي تم انتخابها في عام 2014 أو قبلها"، مؤكداً أن "وجود نسبة كبيرة من المترددين مقدّرة بنحو 40 في المائة، من شأنها عكس الضبابية على المشهد السياسي". وأشار إلى أن "المشهد السياسي لا يزال يخفي الكثير، ولا يمكن التكهن بمن سيفوز أو سيتصدر المراتب الأولى أو معاقبة الأحزاب، لأن المجال سيكون مفتوحاً لقوائم أخرى وللمستقلين الذين قد يختارهم الناخب التونسي". واعتبر البعض أن هذه المواقف والنوايا مبالغ فيها في الوقت الحاضر، لأن الأحزاب والشخصيات المهمة لم تنزل بعد إلى الساحة، ولم تعلن عن قراراتها بالترشح وهو ما قد يغيّر من هذه الصورة حالياً.

من جهته، رأى النائب عن كتلة الائتلاف الوطني، عضو حركة تحيا تونس، وليد جلاد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّه "على الرغم من أن منظومة الحكم الحالية والأحزاب الموجودة في المعارضة والحكم فشلت في أداء مهمتها، إلا أن التونسي سيكون عقلانياً في تصويته في انتخابات 2019، ولن يصوّت للأسوأ عقاباً للأحزاب الحالية، لأن الضرر ساعتها سيلحق الجميع". وأكد أنه "سيتم تغليب العقل لأن التونسي عقلاني".

وأضاف جلاد أن "هذا لا ينفي كون التونسي غاضباً من الطبقة السياسية وهناك حالة من التشنج تسود المناخ الانتخابي ككل، بل هناك أيضاً حيرة كبيرة، ولكن مع ذلك سيتم الاستماع إلى صوت العقل ولن يكون اللجوء إلى صناديق الاقتراع لمجرد الانتقام، بل لاختيار الأنسب والأكثر قدرة على قيادة البلاد".

وتطرق إلى انتخابات 2014، معتبراً أنه "خلافاً لما كان يعتقد البعض قبلها، لم يكن التصويت عقابياً أو انتقامياً من حركة النهضة، لأنها فازت بـ68 مقعداً واحتلت الترتيب الثاني. والعقاب يعني ألا يتم التصويت لها وألا تكون ضمن المشهد السياسي".

بدوره، أقرّ النائب في حركة النهضة، وليد البناني، بوجود "تشتت في التصويت، لأن نحو 40 في المائة من الناخبين مترددون، ولا يعرفون لمن سيصوّتون. بالتالي لا يمكن التكهّن ما إذا كان هناك تصويت عقابي أم لا، وستتضح المسألة أكثر بعد نحو شهرين، أي مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "امتناع البعض عن التصويت أو العزوف عن التصويت، أمران يصعب تصنيفهما الآن في سياق العقاب للأحزاب، خصوصاً أن متغيرات عدة قد تحصل أثناء الحملات الانتخابية".

وأشار البناني إلى أن "الحملات الانتخابية للأحزاب والمرشحين ستكون مهمة، لأن البعض قد يغير رأيه فيصوّت لحزب أو لشخصية، بالإضافة إلى أن لكل حزب قواعده الثابتة وجسمه الانتخابي الذي سيصوت له مهما كانت الظروف"، مؤكداً أنّ "التصويت سيكون عن قناعة أكثر منه بروحية الانتقام، رغم التشتت الحالي".

من ناحية أخرى، جاءت التعديلات على القانون الانتخابي لتستبعد عدداً من المرشحين المحتملين للرئاسيات والتشريعيات، ومن بينها جمعية "عيش تونسي" وجمعية "خليل تونس"، وغيرها ممن استفادوا من الإشهار السياسي، ويحصلون حالياً على أعلى نوايا التصويت. وسيكون لها بالتالي أثر مهم على نتائج الانتخابات. غير أن التعديل القانوني أثار جدلاً كبيراً وتقدمت المعارضة بطعن فيه لدى الجهات الدستورية المعنية، ما طرح فرضية احتمال تأجيل موعد الانتخابات.

في السياق، أوضح عضو هيئة الانتخابات عادل البرينصي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنّه "طالما هناك طعن في القانون الانتخابي، فإن كل الاحتمالات تبقى ممكنة، بين العمل بالقانون القديم أو اعتماد القانون الجديد. وهذا الأمر لن يتضح قبل يوم الثلاثاء المقبل". وشدّد على أن "الأهم بالنسبة لهيئة الانتخابات هو أن يتم حسم الجدل قبل 22 يوليو/تموز المقبل، أي قبل موعد قبول الترشيحات للانتخابات، خصوصاً أن الحيز الزمني المتبقي ضيق".

وأوضح البرينصي، أنّ "هناك صعوبات طرحت حالياً على هيئة الانتخابات على ضوء التعديلات التي حصلت في القانون الانتخابي، وتتعلق بكيفية مراقبة المرشحين قبل سنة من الترشح (ما يتطلبه التعديل الجديد)، وهو ما قد يطرح إشكاليات في المتابعة وتوفير التقنيات اللازمة، من بشرية ومادية، خصوصاً أن القانون المعمول به سابقاً، يجيز للهيئة المتابعة فقط طيلة الحملة الانتخابية". وأضاف أن "الهيئة سبق لها أن أعدت دليلاً للترشح وانطلقت في التكوين الذي يقوم على قوانين وروزنامة محددة، لكنها ستضطر إلى تطبيق القانون الذي سيتم اعتماده". ولفت إلى أن "ما يروّج حول اضطرار الهيئة إلى تأجيل الانتخابات أو تعديل المواعيد على ضوء القانون الانتخابي الجديد، لا أساس له، لأن الهيئة متمسكة بالمواعيد التي حددتها. وهي تاريخ أحمر وآجال دستورية. ولا بد من احترام المواعيد المحددة مهما كانت القوانين".

من جهته، استقبل الرئيس الباجي قائد السبسي، يوم الخميس الماضي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، الذي كشف أن "اللقاء استعرض استعدادات الهيئة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، خصوصاً التنقيحات الجديدة للقانون الانتخابي، التي صادق عليها مجلس نواب الشعب أخيراً". وأكد بفون على "جاهزية الهيئة لإنجاح الاستحقاقات المقبلة"، مشيراً إلى "الصعوبات المحتملة في تفعيل التعديلات الجديدة قبل فترة وجيزة من فتح باب الترشيحات". غير أن استعداد الهيئة واستبسالها في الدفاع عن مواعيدها التي حددتها، التي تعتبرها دستورية لا مجال للمساس بها، لا تنقص من تواتر الحديث عن تأجيل الانتخابات لأسباب أخرى، وسعي جهات كثيرة لذلك.
المساهمون