وعلى مدى الأسابيع الماضية، بدا واضحاً أن اغتيال قائد اللواء 35 مدرع، العميد عدنان الحمادي، مطلع الشهر الحالي، دشّن مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية داخل مناطق سيطرة الشرعية في محافظة تعز، بعد ما بدا أن اغتياله يمثل استهدافاً لقطاع واسع داخل الجيش يمثله الحمادي، ومن خلفه العديد من القوى السياسية.
وسرعان ما تحولت تداعيات عملية الاغتيال من ردودٍ فعل سياسية واتهاماتٍ ضمنية في وسائل الإعلام، إلى حراك جماهيري. وشهدت تعز على مستوى المدينة والمديريات أكثر من تظاهرة واعتصام، رفعت خلالها صور الحمادي، وطالب المشاركون فيها بكشف ملابسات عملية اغتياله والأطراف المسؤولة عن "الجريمة".
وجاء التحول مع دخول أحزاب سياسية يمنية فاعلة، وتحديداً الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الناصري، على خط التأييد للتحركات الجماهيرية الداعية إلى الكشف عن نتائج التحقيق باغتيال الحمادي. في المقابل، تقف العديد من القيادات العسكرية في المدينة، والمحسوبة على حزب الإصلاح بصورة أو بأخرى، بموقع المتهم والمستفيد، بنظر منتقديها، من الجريمة، انطلاقاً من الفرز العسكري في خارطة النفوذ، على الرغم من أن المعلومات المتوفرة، حتى اليوم، تعزز اغتيال الحمادي برصاص أحد أقاربه، وبما لا يمنع الشبهات السياسية في الملابسات.
وتعززت صورة الانقسام العسكري في تعز، من خلال لجنة التحقيق التي وجه بتشكيلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، أخيراً، إذ لم تضم في عضويتها قادة محور تعز، وهو ما يعني إقراراً مبدئياً بالشرخ الذي تعيشه المحافظة، وباعتبار القيادات المستثناة من التحقيق بموقع غير المحايد، الأمر الذي يأتي نتيجة للمطالبات والضغوط المحلية، التي تعكس واقع التقسيم في المدينة.
وغير بعيدٍ عن الأزمة العسكرية داخل تعز، برزت نقاشات عدة بعد تداول فيديو من معسكر تدريبي تابع للقيادي في "المقاومة الشعبية" حمود المخلافي، وهو أحد الوجهاء المحليين المحسوبين على حزب الإصلاح، يوثق عرضاً للمئات من العائدين من "الحد الجنوبي" للسعودية قالوا فيه إن عودتهم جاءت استجابة لدعوة المخلافي. ورأى المنتقدون أن التسجيل المصور يكشف عن محاولة إنشاء معسكرات أو مليشيات غير خاضعة للشرعية، لتضطر الأحزاب السياسية بما فيها "الإصلاح"، إلى إصدار بيان يعبر عن رفض إنشاء أي مليشيات خارج إطار الحكومة.
وخلافاً للعديد من المحافظات، الخاضعة لإرادة أحد الأطراف، كما هو حال المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أو جنوباً حيث التشكيلات التابعة لما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً، جاءت مجمل تطورات تعز خلال الأسابيع الماضية، لتعكس الحضور الكبير لمختلف الأطراف، سياسياً وعسكرياً. ويتمحور الصراع في السياق، بين "الإصلاح"، الذي يعتبره خصومه الطرف الأقوى والنافذ على أغلب التشكيلات الأمنية والعسكرية في المدينة ومحيطها، وبين بقية الأحزاب، التي تمتلك حضوراً قوياً، وإن بدرجة أقل، بالمقارنة مع هذا الحزب.
وتمثل قيادة محور تعز وألوية متعددة، أبرزها "اللواء 22 ميكا"، إلى جانب السطوة في أجهزة الشرطة المحلية والعسكرية، واجهة نفوذ "الإصلاح"، في حين تتولى قيادات محسوبة على الحزب، أبرزها وكيل أول المحافظة عبد القوي المخلافي، الحضور في السلطة المحلية المعينة من الشرعية، في حين أن المحافظ الحالي نبيل شمسان، لم يتمكن من فرض حضوره على الأرض في مختلف المديريات، الأمر الذي تقول مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنه نتيجة لحالة الانقسام والولاءات الأمنية والعسكرية المتعددة في مناطق الشرعية.
من زاوية أخرى، فإن الصراع حول تعز وفي داخل المدينة، بين حزب الإصلاح وخصومه، لا يمثل سوى أجزاء معتبرة من تعز، في حين تحضر الإمارات والقوات التي تدعمها في جزء ثانٍ يتخذ وضعاً مغايراً في الساحل الغربي للمحافظة، ويضم مناطق أبرزها يبدأ من المخا وحتى باب المندب. هذا الجزء يتعزز فيه حضور حزب المؤتمر الشعبي العام، نظراً لوجود القوات التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، في المناطق المحاذية لمحافظة الحديدة، إلى جانب حضور القوات المعروفة بـ"العمالقة"، والتي تتألف من متحدرين من المحافظات الجنوبية في الغالب، وكانت القوة الميدانية الأبرز التي يدعمها التحالف لانتزاع السيطرة في الساحل الغربي من الحوثيين.
وبين تعز المدينة والساحل (المخا)، لا تزال أجزاء غير قليلة من المحافظة خاضعة لسيطرة الحوثيين، أبرزها منطقة الحوبان التجارية الاستراتيجية، بسبب وجود العديد من المصانع التابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم. وتغلق الجماعة منافذ المدينة الرئيسية في وجه السكان، الأمر الذي يعد أحد أبرز أوجه المعاناة للملايين من سكان المدينة ومحيطها.
في هذا السياق، تلقي الأزمة في مناطق الشرعية بظلالها على حديث استكمال "تحرير تعز" من الحوثيين، إذ تتفق مختلف الأطراف المؤيدة للحكومة أو المناهضة لجماعة "أنصار الله"، على أن المستفيد الأول من الصراع هم الحوثيون أنفسهم. هكذا تمثل خارطة الصراع والقوى المسيطرة في تعز الأوضاع المعقدة التي أنتجتها الحرب في "مدينة الثقافة" اليمنية، والتي عُرف سكانها بمدنيتهم، خلافاً لمحافظات أخرى في البلاد ينتشر فيها السلاح. غير أن الحرب حولت تعز إلى مساحات واسعة مزروعة بالألغام وساحة لتصفيات الصراعات بين العديد من القوى المحلية والإقليمية.