المعتقلون الإسلاميون في الجزائر: ربع قرن من رفض العفو

08 فبراير 2020
تبنى الحراك الشعبي قضية السجناء الإسلاميين (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون هذا الأسبوع عفواً عما يقارب العشرة آلاف سجين، لكنّ هذا العفو لم يشمل 160 من المعتقلين السياسيين الإسلاميين من الكوادر العلمية لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، والموقوفين في السجون منذ أكثر من ربع قرن بسبب انتمائهم السياسي للجبهة. وبدأت قضية هؤلاء تعود إلى الواجهة بعد تحرّك عائلاتهم أخيراً للمطالبة بإنهاء هذه "المظلمة"، إلى جانب تعدد الأصوات الحقوقية والسياسية الداعمة لحقهم في الإفراج والعفو، خصوصاً أنهم يقضون أحكاماً أصدرتها محاكم خاصة أنشأتها السلطة العسكرية بعد الانقلاب الذي جرى في الجزائر في 12 يناير/كانون الثاني 1992.

وشمل عفو الرئيس الجزائري الذي صدر على دفعتين، ما يقارب العشرة آلاف سجين في قضايا الحق العام، كالسرقات البسيطة والاعتداءات والرأي. وشمل أيضاً سجناء الحراك الشعبي من بين الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية نهائية (لا الموقوفين على ذمة التحقيق). لكن هذا العفو الرئاسي الأكبر في تاريخ الجزائر، استثنى السجناء المحكومين في قضايا الإرهاب والتخريب واختلاس المال العام والفساد، ما يعني أنه استثنى مساجين "جبهة الإنقاذ" الذين يحتاجون إلى قرار عفو منفصل وخاص.

ومنذ أكثر من 28 سنة، يقبع أستاذ الرياضيات كرفوف الحبيب، وهو قيادي محلي سابق في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بولاية سعيدة غربي الجزائر، في السجن بسبب الانتماء للجبهة، وهو انتماء استغلته السلطة والأجهزة الأمنية لاتهامه، بعدما أجريت محاكمات وصفت بالشكلية انتهت بإدانته بالسجن المؤبد. وتقول عائلته إنه يتواجد في سجن عين وسارة، ويعاني من أمراض عدة بينها مشاكل في التنفس وضعف البصر، بسبب طول فترة السجن المتواصلة منذ العام 1992.

ليس الحبيب وحده من يعاني، فعائلته وأولاده يعانون معه أيضاً. فعندما أودع السجن، كان أصغر أبنائه لم يتجاوز بعد السنتين ونصف السنة، فيما عمره الآن يقارب الـ30 سنة.

ولا تختلف حالة الحبيب عن السجين السياسي بن يامنة عبد القادر، والذي يقول نجله محمد لـ"العربي الجديد"، إنه "من العار على الدولة الجزائرية، الاستمرار في احتجاز سجناء أغلبهم الآن في وضع صحي مزرٍ، وتقدّم بهم العمر. بعضهم تمّ اعتقالهم وعمرهم لم يتجاوز الثلاثين سنة، الآن هم يقتربون من العقد السادس، فكيف سيبدأون حياتهم مجدداً، وكيف سيقضون ما تبقى لهم من عمر؟". ويوجه محمد رسالة إلى السلطات لـ"الإفراج عن هؤلاء ورفع هذه المظلمة"، مضيفاً: "إذا كانت السلطة تعتبرهم إرهابيين، فيفترض أن يشملهم قانون المصالحة الوطنية، وإذا لم يكونوا كذلك، فهم سجناء سياسيون يجب الإفراج عنهم. في كلتا الحالتين هم ضحية مظلمة وتعسّف".


وبهدف إثارة قضية هؤلاء المعتقلين، وإطلاع الرأي العام الوطني والدولي عليها، اجتمعت عائلاتهم في تنسيقية تقوم بتنظيم دوري لوقفات احتجاجية وتصدر بيانات بشأن الموضوع، كما تتولى الدعم والإسناد المادي والمعنوي التكافلي لعائلات المعتقلين. ونظّمت هذه التنسيقية الخميس الماضي وبحضور عائلات وأبناء المعتقلين، وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان وسط العاصمة الجزائرية، رفعت خلالها صور السجناء ولافتات تطالب الرئيس عبد المجيد تبون باتخاذ خطوة لإنهاء هذه القضية. وهتفت العائلات بشعار "مانسيناش" (لم ننس، مساجين التسعينيات). كما ستنظم اليوم السبت وقفة مماثلة في مدينة بشار جنوبي الجزائر، على أن تليها وقفات في مدن أخرى.

اللافت أنّ أغلب المعتقلين السياسيين القابعين في السجون من كوادر "الإنقاذ"، هم من الكفاءات والأساتذة في تخصصات علمية مختلفة. ويقول المتحدث باسم تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين، مصطفى غزال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "بعض هؤلاء المعتقلين، وأغلبهم من الكفاءات العلمية وعسكريون أبدوا تعاطفاً مع الجبهة ورفضوا قرار وقف المسار الانتخابي، أوقفوا مباشرة بعد هذا القرار في يناير 1992 وبعد قرار حلّ وحظر النشاط السياسي لجبهة الإنقاذ"، مؤكداً أنّ "لا علاقة لهم بأي قضايا أمنية، وتم تلفيق تهم سياسية لهم تخصّ الإرهاب في ظروف خاصة، وفوضى سياسية كانت تشهدها البلاد، وحكمت عليهم محاكم خاصة أنشأتها السلطات خارج إطار القانون والدستور". وأوضح غزال أنه "كان يفترض أن يشمل هؤلاء المعتقلين قانون المصالحة الوطنية عام 2005".

وفي العام 2005، أصدر الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، قانون المصالحة الوطنية الذي تضمّن عفواً عن المسلحين والمساجين في قضايا الإرهاب، والذي شمل حينها 2200 سجين من سجناء الأزمة الأمنية. لكن المعتقلين السياسيين هؤلاء تمّ استثناؤهم من العفو، كون محاكمتهم أتت من محاكم خاصة. وعلى الرغم من مساع عديدة لعائلات وقوى سياسية، فإنّ السلطات الجزائرية لم تشملهم بأي قرار للعفو إلى الآن، لأنّ الأحكام التي تصدرها المحاكم العسكرية لم يشملها قانون المصالحة الوطنية.

من جهته، يحمّل المنسّق الوطني في التنسيقية الوطنية لعائلات المختطفين قسراً، عضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، سليمان حميطوش، جنرالات الجيش في التسعينيات وبينهم وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، وقائدا جهاز المخابرات الموقوفين محمد مدين وبشير طرطاق، مسؤولية هذا الملف وتلفيق التهم للمساجين في تلك الفترة من تاريخ الجزائر. ويضيف في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّ "كل المحامين الذين دافعوا عن هؤلاء المساجين يؤكدون أن ملفات قضاياهم فارغة وملفقة، ولا علاقة لها بالواقع، ناهيك عن أنّ محاكمتهم تمّت من قبل محاكم غير دستورية وخارج إطار القانون".

بدوره، يوضح المحامي عبد الغني بادي، أنّ "المحاكم الخاصة غير دستورية على الإطلاق"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "أحكامها يفترض أن تكون لاغية"، مضيفاً "هذه المحاكم هي وصمة عار على السلطة التي كانت تحكم في تلك الفترة، والدولة مسؤولة عن إزالة ومعالجة مخلفات هذه المحاكم ضمن سياق معالجة آثار الأزمة الأمنية". ويتابع: "أعتقد أن في هذا الملف شقّا قانونيا يستدعي خطوات من أعلى درجات السلطة، وشقا إنسانيا لكون القضية إنسانية تتعلّق بسجناء حكم عليهم وأودعوا السجن في ظروف خاصة".

وفي وقت سابق، تبنّت أحزاب سياسية الدفاع عن هؤلاء السجناء منها "جبهة القوى الاشتراكية" وحزب "العمال" اليساري و"جبهة العدالة والتنمية". ومع بداية الحراك الشعبي تبنّى هذا الأخير القضية أيضاً، وباتت صور ولافتات تخصّ هؤلاء السجناء تبرز كل يومي ثلاثاء وجمعة في التظاهرات، كما تشارك عائلاتهم في الاحتجاجات للمطالبة بإيجاد حلّ نهائي للقضية، خصوصاً مع وجود السلطة السياسية الجديدة في الجزائر، ممثلة في تبون الذي تسلّم الحكم في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتدفع أطراف عدة بالملف إلى الواجهة السياسية والإعلامية، للفت نظر تبون إلى هذه "المظلمة" السياسية والمأساة الإنسانية الممكن إنهاؤها بقرار عفو، وتمكين هؤلاء السجناء من العودة إلى عائلاتهم وإلى الحياة والمجتمع، بعد فترة طويلة من السجن والاعتقال.

المساهمون