السيسي يطرح إنشاء مراكز للمهاجرين على سواحل مصر

01 أكتوبر 2018
تستضيف مصر 219 ألف لاجئ وفق مفوضية اللاجئين(أحمد السيد/الأناضول)
+ الخط -
كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل جديدة للمفاوضات المبدئية التي أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، قبل نحو أسبوع، حول سبل تلقي مصر دعماً مالياً ومهنياً واجتماعياً من أوروبا كمكافأة على نجاحها في وقف موجات الهجرة غير الشرعية على مدى العامين الماضيين، وإعانة لها على الاستمرار في وقف تلك الموجات في إطار برنامج أوروبي متكامل، شبيه بالاتفاقية التي وقّعها الاتحاد الأوروبي مع تركيا منذ عامين ونصف.

وقالت المصادر إن السيسي أبدى استعداده للنقاش حول إنشاء مراكز على السواحل الشمالية والحدود الجنوبية والغربية والشرقية لمصر مع جيرانها لاستضافة اللاجئين برعاية وتمويل أوروبا، وذلك للمرة الأولى، في ما يُعتبر نقلة نوعية في تعاطي الحكومة المصرية مع قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ كانت السلطات العسكرية والأمنية في مصر تعارض دائماً كل مقترح في هذا الاتجاه، باعتبار أن إنشاء مراكز لاستضافة اللاجئين أو جمع المهاجرين غير الشرعيين سيتسبّب في ضرر كبير للأمن القومي المصري.
كما أبدت حكومة السيسي خلال السنوات الثلاث الماضية اعتراضها على مثل تلك المقترحات خلال لقاءات جمعت مسؤولين مصريين ومسؤولين ألمان وإيطاليين قبل تطبيق قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية الذي أصدره السيسي منذ عامين، والذي منح بمقتضاه سلطة مطلقة للجيش والرقابة الإدارية في ملاحقة عصابات الهجرة المنتشرة في بعض محافظات الدلتا، فضلاً عن تطبيق سياسة أكثر صرامة مع المتسللين عبر الحدود مع السودان وليبيا.

ووفقاً للمصادر الدبلوماسية، فإن المسؤولين المصريين كانوا يرددون أن إنشاء مراكز للاستقبال يتناقض مع القوانين المحلية، وربما يتصادم مع الدستور، الأمر الذي تغيّر في الأيام الأخيرة عندما أعرب السيسي عن قبوله التفاوض حول هذه المسألة، ولكن بشروط محددة أبرزها تحمّل أوروبا التكاليف المالية للإقامة والمعيشة والانتقال للبلدان الأصلية، وكذلك تمويل التكاليف الأمنية والحمائية التي ستتكبّدها الدولة المصرية في هذه العمليات.

وبحسب المصادر، فإن السبب الرئيس لاستعداد السيسي للتفاوض حول إنشاء مراكز الاستقبال، هو وصول معلومات إلى القاهرة تفيد بأنها ليست الجهة الوحيدة التي تدرس أوروبا الاتفاق معها، لأن بعض القوى الرئيسية في الاتحاد الأوروبي ترى أن تونس والجزائر يمكنهما أداء الدور نفسه المرجو من مصر، وبالتالي فمن الأنسب إنشاء مراكز استقبال اللاجئين لدى أي دولة أخرى يمكنها قبول ذلك بسهولة، والابتعاد عن المواءمات السياسية والمطالب المالية الكبيرة من قبل مصر.

لكن تلك القوى قلقة في الوقت نفسه من أن يؤثر توجيه الجزء الأكبر من التمويل إلى دولة أخرى على تعاون القاهرة مع دول الاتحاد، وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، في وقف موجات الهجرة غير الشرعية من أراضيها من جهة، ومن جهة أخرى الدور الذي يؤديه الجيش المصري بتنسيق مع فرنسا وإيطاليا وروسيا في ضبط السواحل الليبية، التي ما زالت تُعتبر الخطر الأكبر على استقرار جنوب أوروبا.


وهناك اعتبارات عدة تجعل التعامل مع مصر محفوفاً بالمخاطر في ظن تلك القوى، منها ضعف البنية التحتية للمرافق والصحة والتعليم في مصر، والسجل السيئ لمصر في ملف حقوق الإنسان والتعامل مع اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين بقسوة بلغت حد إراقة الدماء في حالات عديدة، فضلاً عن سوء أحوال اللاجئين المسجلين في مصر لدى المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة، خصوصاً من جنسيات السودان وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان.

وتضاف هذه الاعتبارات المتعلقة بمدى فاعلية فكرة إنشاء مراكز استقبال اللاجئين في مصر، إلى اعتبارات أخرى مرتبطة بصلاحية الحكومة المصرية لتلقي تمويل ضخم لرعاية الجماعات المحتمل وصولها إلى أوروبا عموماً، إذ ترى تلك القوى الأوروبية أن الحوافز لن تنعكس بالإيجاب على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في مصر أو المواطنين المصريين الأكثر فقراً، الذين كانوا يمثلون أكثر من نصف عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا تحديداً.

وسبق أن قالت السلطات المصرية إنها تستضيف "ملايين اللاجئين"، على الرغم من أن بيانات إحصائية منشورة على موقع المفوضية السامية للاجئين تقول إن مصر تستضيف نحو 219 ألف لاجئ فقط، منهم 127 ألف مواطن سوري، وخصصت المفوضية في العام الماضي 2017 نحو 72 مليون دولار لرعاية هذا العدد من اللاجئين. وتُعتبر مصر بذلك من أقل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استضافة للاجئين الذين تُعنى الأمم المتحدة برعايتهم، خلف تركيا التي تستضيف أكثر من 3 ملايين، والسودان التي تأوي أكثر من مليونين، ولبنان الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ، وحتى ليبيا التي فيها أكثر من نصف مليون. لكن ما يجعل مصر مهمة بالنسبة لأوروبا، هو أنها تحتضن ملايين الأجانب الذين يتخذونها كمعبر وسيط لتسهيل الانتقال لأوروبا أو أميركا أو أستراليا، أو الذين يتخذونها كوجهة نهائية للاستقرار ويرتبطون فيها بالمواطنات أو المواطنين المصريين ويشرعون في بناء عائلات منفصلة عن بلدانهم الأصلية.

المساهمون