لماذا تغضب إسرائيل وشركاؤها من مؤتمر المركز العربي؟

03 نوفمبر 2017
التسريبات تكشف التحريض الإماراتي ضد قطر (العربي الجديد)
+ الخط -
تأتي تسريبات السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، الجديدة بخصوص انزعاج إسرائيل من مؤتمر علمي نظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" منذ عام في تونس، لتؤكد من جديد بأن الموضوع الإسرائيلي يبقى محركاً رئيساً للأحداث في أكثر من بقعة عربية، وأن الكيان الصهيوني يستغل كل الأوراق المتاحة بيديه، ومنها التواطؤ العربي، لبعثرة الأوضاع المحلية ودفعها إلى التردي حتى لا تنشغل بإسرائيل.

وكشف موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، وفق تسريبات جديدة من رسائل العتيبة، أنّ الأخير بحث مع المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط دينيس روس، "معاقبة" قطر، بسبب دعمها للحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل "بي دي إس"، واستيائه من مؤتمر حول الموضوع نظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في تونس.

وتكشف المراسلات المتبادلة بين العتيبة وروس، أنّهما بحثا كذلك إمكانية محاسبة قطر وتداولا فيما وُصف بأنّه "الغضب الإسرائيلي على قطر بسبب دعمها لحركة المقاطعة الدولية"، خصوصاً بعد نشر مقال في "ذي تليغراف" البريطانية عن الموضوع.

كما هاجمت المراسلات المتبادلة بين الطرفين "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الذي يتخذ الدوحة مقراً له، ويديره المفكر العربي عزمي بشارة. وجاء الهجوم على المركز لتنظيمه مؤتمراً عن مقاطعة إسرائيل بعنوان: "استراتيجية المقاطعة في النضال ضدّ الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح". ونُظم المؤتمر في مدينة الحمامات التونسية في أغسطس/آب 2016.

ولكن السؤال الحقيقي والمهم في هذا المجال، لماذا تنزعج إسرائيل من مجرد مؤتمر علمي، ولماذا يصل الأمر إلى حد التحريض على مراقبة قطر بسبب دعمها للمؤتمر؟ وهل قطر وحدها المعنية، أم أن تونس كذلك سيشملها "العقاب" الإسرائيلي الأميركي العربي المتواطئ؟
وتستدعي الإجابة عن هذه الأسئلة العودة لما دار في المؤتمر، وما الذي قاد إلى كل هذا الانزعاج الإسرائيلي ليتم التداول فيه في الغرف المغلقة وحبك سيناريوهات ضرب قطر وتونس وكل من يتحرك ضد إسرائيل؟

ويتأكد أن إسرائيل منزعجة بالأساس من هذه التحركات التي تتم ضدها في تونس، فبرغم المشاكل الداخلية المتراكمة، إلا أن القوى الحية داخل هذا البلد الصغير بقيت متيقظة بحساسية بالغة لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وبالعودة إلى ما جرى بالمؤتمر، ننتبه إلى أن المقاربة التي انتهجها كانت مغايرة لأشكال الدعم العربي للقضية الفلسطينية الكلاسيكية، حيث أشارت الباحثة في الشؤون الأوروبية وحقوق الإنسان، المديرة السابقة للمرصد الأوروبي المتوسطي، أماني السنوار، في حديث مع "العربي الجديد" وقتها إلى أن "فائدة مثل هذا المؤتمر تكمن في أنه يأخذ تلك الأطروحات نحو نقاش جدي وأكاديمي، يكتسب أهمية كبيرة لناحية بحث وتقييم نجاعة مثل هذا الموضوع الحساس وبشكل علمي، بعيداً عن الشعارات الكبيرة".

وأضافت "موضوع المقاطعة يتعرض لظلم في الإعلام العربي، من خلال الأطروحات الشعبوية التي تسلم بأن الغرب منحاز بالمطلق لإسرائيل، وإن كانت هناك بعض الصحة، ولكن ذلك كان يضعف من العمل في وسائل المقاومة الشعبية، ومن ضمنها المقاطعة".

وكان المدير التنفيذي للمركز، محمد المصري، قال إن الجهود العربية الرسمية تراجعت بسبب معاهدات السلام، التي عقدتها بعض الدول العربية، وأصبحت المقاطعة العربية الرسمية تقريباً غير موجودة، ولا يعرف المواطنون العرب أنّ هناك حملة مقاطعة عالمية تتم في عدد من الدول.

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن المحيط العربي يركز نظره على المقاطعة في المنطقة الأوروبية فقط، ويتناسى أهمية المقاطعة في مجالات حيوية أخرى، كآسيا وأفريقيا وجنوب أميركا، وهي مجالات لا بد أن تحاصر.

وعرّج المصري على التجربة في جنوب أفريقيا في مقاومة النظام العنصري، لافتاً إلى أن الدول الأفريقية هي التي بدأت بذلك، وفرضت على العالم أن ينضم إليها، ولكن المقاطعة العربية، التي تبقى شعبية فقط، ظلت على مستوى الهبّات والاحتجاجات، وتنتظر أن يُقتل العديد من الفلسطينيين لتنطلق دون فاعلية حقيقية.

وحول ما إذا كانت المقاطعة هي السلاح الوحيد المتبقي عربياً لمقاومة إسرائيل، شدّد المصري على أن هذا الأمر غير صحيح، لأن المقاطعة هي أحد أسلحة المقاومة، وتكمل بقية الأشكال التي ينبغي على المؤسسات الفلسطينية أن تعتمدها في نضالها ضد الكيان الصهيوني.
كما شدّد على أنه لا ينبغي أن تصل هذه الأوهام إلى المواطن الفلسطيني، لأن سلاح المقاطعة هو مكمل لبقية الاستراتيجيات للمقاومة.

ويبدو أن المقاربة العلمية الرصينة قد أصابت مراكز البحث الإسرائيلي في مَقتَل، لأنها تجنبت أشكال الصراخ العربي والشعارات التي لا تفيد القضية في شيء، وانتهجت أساليب علمية لتفكيك المنظومة الدولية في الملف الإسرائيلي العربي بكل جوانبه. وهو ما دأب عليه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عموماً، ولذلك تنهال عليه الاتهامات من كل حدب وصوب، ويسعى كثيرون إلى محاولة ضربه، لأنه يستهدف العقل العربي، ويحاول أن يفهم، ويساعد على الفهم المشترك.

وللتذكير فقد كان انعقد في شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2014 مؤتمر دولي في تونس أيضاً بحث "المسارات السياسية والقانونية للقضية الفلسطينية على ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة"، وشارك فيه إلى جانب ممثلين عن الوفد الفلسطيني المفاوض أكثر من مائتي رجل قانون وخبير في العلاقات الدولية وحقوقيون في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى عدد من السياسيين من فلسطين ومن العالم العربي والإسلامي والغربي، وأشرفت عليه الرئاسة التونسية، ويبدو أن كل مقاربة علمية تبحث الملف الفلسطيني تزعج إسرائيل وشركاءها أيضاً، ولذلك وجب الانتباه دائماً.

المساهمون