ما الذي قد يقوله أردوغان اليوم؟

23 أكتوبر 2018
خطاب حاسم لأردوغان اليوم (مراد جتين موهوردار/الأناضول)
+ الخط -
صحيح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهّد بأن يقدم للعالم، اليوم الثلاثاء، الحقيقة بشكل مختلف حول جريمة إعدام الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، إلا أن الصحيح أيضاً هو أنه اختار إبقاء التشويق سيد الموقف حول ما سيقوله، وخصوصاً بعدما انهالت عليه الاتصالات، تحديداً من البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب شخصياً، لمحاولة فهم ما سيقوله أردوغان، وربما محاولة الاتفاق معه على صيغة مقبولة أميركياً في إطار همّ ترامب وفريقه إنقاذ رأس هرم السلطات السعودية من مسؤولية إصدار الأمر بارتكاب الجريمة. وزادت المخاوف من احتمال حصول صفقة يخفف أردوغان بموجبها من حدة المعلومات التي سيكشفها، اليوم، حقيقة أن الإعلام السعودي الرسمي أو شبه الرسمي، بدا غير منزعج، علناً على الأقل، من الاستحقاق الذي حدده أردوغان، وتصدر عنوان خطاب أردوغان المرتقب، عدداً كبيراً من عناوين نشرات الأخبار والصفحات الأولى لوسائل إعلامية مكتوبة ومرئية تابعة مباشرة للسلطات السعودية. لكن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك حسم أمس عدم وجود صفقة بقوله إن "مزاعم حدوث مفاوضات بين تركيا والسعودية بشأن خاشقجي غير أخلاقية"، مشدداً على أن الوصول إلى حقيقة القضية مسؤولية تركيا. وفي تمهيد لما قد يقوله أردوغان اليوم الثلاثاء، أشار جليك إلى أن مقتل الصحافي السعودي جريمة قتل معقدة "تم التخطيط لها بوحشية"، موضحاً بأن جهوداً حثيثة بذلت لإخفاء الجريمة.

وفي الوقت الذي يحبس فيه العالم أنفاسه حتى لحظة إعلان أردوغان، ما سماها "الحقيقة" في إعدام خاشقجي، وتشتد الأنظار إلى كلمته أمام الكتلة البرلمانية، فإن العالم يتساءل عما إذا كان عليه أن يترقب إعلاناً مجتزأً لا يشمل كامل القضية بمعطياتها وأسمائها وتواريخها، بما أن الإعلان سيصدر عن الرئيس لا عن القضاء ممثلاً بالنيابة العامة التي تتابع القضية منذ الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أم أنه سيكون عبارة عن اتهام مبني على المعطيات العلمية والتقنية ونتائج التحقيقات، أم أن أردوغان سيتفادى مواجهة سياسية لطالما سعى إلى تأجيلها مع الرياض التي ناصبته الخصومة وأحياناً العداء منذ سنوات؟

لقد ازدادت التكهنات بما قد يقوله أردوغان اليوم، لكن كان لافتاً إشارته أول من أمس إلى أنه سيقدم الرواية "بشكل مختلف". لم يوضح أردوغان مقارنة مع ماذا ستكون مختلفة، لكن كلامه ورد بعد إعلان السلطات السعودية قصتها المتضاربة حول الجريمة، وهو ما قد يوحي بأن أردوغان يقصد أن ما سيكشفه سيكون مختلفاً عن الرواية السعودية المليئة بالثغرات والتناقضات. لكن الاتصال الهاتفي الذي جرى بينه وبين نظيره الأميركي دونالد ترامب، دفع البعض إلى التخوف من احتمال حصول مساومات في اللحظة الأخيرة بين السعودية وتركيا بوساطة أميركية.

وتوقعت مجموعة من الصحافيين الأتراك أمس، أن يعلن أردوغان عن التفاصيل الكاملة النهائية، بعدما تلقى تقرير النيابة العامة النهائي أمس، وناقشه في مقر حزبه مع أعضاء الحزب وفي اجتماع الحكومة، على أن يتضمن إعلان أردوغان الرواية الكاملة للحادثة، وللفاعلين، ومصير الجثة، وهي مؤشرات على أن تركيا باتت تمتلك القصة الكاملة لما حصل لخاشقجي، وتختلف عن تلك الرواية الرسمية التي نقلتها السعودية رسمياً، وعبر تسريبات "مصدر سعودي" لوكالة "رويترز". كما أفادت مصادر إعلامية بأن آخر المعطيات المتوفرة، تشير إلى أن محاولة السعودية الادعاء بخروج خاشقجي من القنصلية وتجوله في عدد من الأحياء ودخوله إلى منزل جرى دحضها عبر تركيا مبكراً، لذلك لم تجرؤ السعودية على تقديمها قبل أن تضطر إلى الاعتراف بأن أحد أعضاء الفريق المشارك في عملية الاغتيال ارتدى ملابس خاشقجي وخرج من الباب الخلفي للقنصلية.

في موازاة ذلك تستمر تركيا في تسريب المعلومات والمشاهد المتعلقة بخاشقجي لمواصلة الضغط على السعودية للإقرار بأن إعدام خاشقجي كان مخططاً له من سلطات سعودية عليا.
يبقى أن اختيار أردوغان الحديث من منبر حزب العدالة والتنمية وفي البرلمان أمام الكتلة النيابية لحزبه الحاكم، سيمنحه إضافة للحديث عن تفاصيل قضية خاشقجي، إمكانية لتوجيه الرسائل المطلوبة لكل من أميركا والسعودية، إذ إن المتابعين لشخصية أردوغان في الحكم يدركون أنه لا يوفر مناسبة كهذه للتصدر ولتوجيه الرسائل المطلوبة. وعلى الرغم من هذه التوقعات التي طغت على كثير من أحاديث الصحافيين، إلا أن المخاوف لا تزال حاضرة من ممارسة ضغط أميركي ربما يخفف من وضوح الرواية التركية، في مسعى لإنقاذ السلطات السعودية مما جرى، والنجاح بإقناع أردوغان بتفادي الكشف عن كل ما لديه.

وتكشف مصادر تركية أن الإعلان التركي عن موعد خطاب أردوغان، قبل يومين من استحقاقه، ربما منح الفرصة الأخيرة لمطالب تركية من أجل تنفيذها. وبناء على هذه التطورات، دخل ترامب بنفسه على خط التواصل، وربما تكون تركيا توصلت إلى مكان إخفاء جثة خاشقجي أو ما بقي من الجثة.
بكل الأحوال، ليس من باب التخمين القول إن ما سيعلنه أردوغان اليوم سيكون حاسماً في وجهة القضية وفي تحديد شكل العلاقات التركية ــ السعودية أولاً، وربما التركية ــ الأميركية من خلفها، بما أن إدارة ترامب تطرح نفسها لمهمة أقرب ما تكون إلى الوساطة بين البلدين. لكن من شبه المؤكد أيضاً ألا يطالب أردوغان باسترداد قتلة خاشقجي لمحاكمتهم في تركيا، وربما يكتفي بإعلان كل ما في جعبة تحقيقات سلطاته الأمنية ليضعها في عهدة "المجتمع الدولي" ليتحمل هذا الأخير مسؤوليته في القضية، على ضوء تكرار حكام أنقرة أخيراً أن القضية تتجاوز تركيا وأصبحت قضية رأي عام عالمي. وبالتالي قد يوحي أردوغان، من خلال ما سيعلنه اليوم، أن الكرة أصبحت في ملعب القضاء الدولي والعواصم الكبرى للضغط على السعودية لمحاسبة حقيقية وشفافة لمن أصدر أمر الإعدام، والتوقف عن التلطي بروايات بعضها يثير السخرية، ولم يصدقها سوى دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر ربما.
المساهمون