"حماس" وإسرائيل: فرص المواجهة الشاملة ومخاطرها

15 ديسمبر 2017
طفلتان فلسطينيتان بالقرب من منزلهما المدمر بعد القصف(ماجد فتحي/Getty)
+ الخط -
أفضى اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى توفر بيئة سمحت بالتصعيد بين قطاع غزة والاحتلال. فقد استغلت إسرائيل عمليات إطلاق الصواريخ التي تمت من قطاع غزة واستهدفت المستوطنات التي تقع في منطقة "غلاف غزة"، في تبرير ضرب أهداف لـ "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس في أرجاء القطاع، على الرغم من أن تل أبيب تقرّ أن "حماس" لم تشارك في إطلاق الصواريخ.

ومع أن السلطة الفلسطينية باتت المسؤولة عن قطاع غزة، بعد تنفيذ اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، إلا أن تل أبيب لا تزال ترى في الأخيرة العنوان السلطوي الوحيد في القطاع الذي يتوجب أن يدفع الثمن جراء أية عملية إطلاق صواريخ.



إسرائيل، التي تؤكد أن عمليات إطلاق الصواريخ تنفذها إما حركة "الجهاد الإسلامي" المعنية أيضاً بالرد على تفجير النفق الذي استشهد فيه 14 من قادة وأعضاء جناحها العسكري قبل شهر، أو مجموعات من "السلفية الجهادية"، تسعى لتوريط "حماس" في مواجهة. وتصر إسرائيل على ضرب الحركة بناءً على بنك أهداف أعد سلفاً وتمت صياغته استناداً إلى معلومات استخبارية دقيقة. وتعكف إسرائيل على هذا السلوك على اعتبار أنه يحتوي على مركبات استراتيجية "المواجهة بين حروب" التي يعكف جيش الاحتلال على اتباعها، والتي تقوم على مواصلة استغلال كل فرصة ميدانية لضرب مقدرات حماس وحزب الله بهدف تقليص قدرتهما على مواصلة مراكمة القوة العسكرية بحيث يكونان أضعف ما يكون عند نشوب مواجهة شاملة ضدهما. في الوقت نفسه، فإن إسرائيل تحرص على الرد على عمليات إطلاق الصواريخ، على الرغم من أنها جميعاً لم تسفر عن أية أضرار مادية أو بشرية، وذلك من منطلق الحفاظ على قوة الردع، التي تدعي أنها راكمتها خلال حرب صيف 2014. وفي المقابل، فإن حركة "حماس" حرصت، حتى الآن، على ضبط النفس، وتجنبت الرد على الغارات الإسرائيلية خشية أن تؤثر ردودها سلباً على فرص استكمال تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية. لكن حركة حماس لا يمكنها مواصلة ضبط النفس إزاء الغارات، التي تباهى وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، خلال اجتماع حزبه أخيراً، بأنها تستهدف مقدرات عسكرية استراتيجية للحركة ليس فقط لأن "حماس" غير مسؤولة عن إطلاق الصواريخ أو لأنها لم تعد عنواناً سلطوياً في القطاع، بل أيضاً لأنه لا يمكن للحركة السماح لإسرائيل بمواصلة قضم مقدراتها العسكرية على هذا النحو، والتسليم بأن يحافظ جيش الاحتلال على قوة ردعه من خلال ضربها. من هنا، فقد أصدرت "كتائب عز الدين القسام"، قبل أيام، بياناً شديد اللهجة هددت فيه إسرائيل برد قوي. 

وعلى الرغم من المحاذير التي تراعيها قيادتها قبل الانجرار لمواجهة مع إسرائيل، إلا أن "حماس" قد ترى في مواجهة عسكرية ضد إسرائيل على خلفية الهبة الجماهيرية الرافضة لقرار ترامب بشأن القدس فرصة مواتية لتحسين مكانتها في المواجهة ضد إسرائيل. فردة الفعل الجماهيرية على قرار ترامب توفر بيئة داخلية تحسن من مكانة "حماس" في المواجهة مع إسرائيل. وبخلاف ما كانت عليه الأمور في حرب 2014، فإن انفجار مواجهة  مع غزة، في الوقت الذي تتواصل مظاهر الاحتجاج على قرار ترامب، قد يفضي إلى تعاظم المخاطر الأمنية أمام إسرائيل في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني، بما قد يدفع المزيد من القطاعات الجماهيرية الفلسطينية للانضمام لهذه الاحتجاجات. علاوة على أنه قد يقود إلى عودة عمليات المقاومة، لا سيما ذات الطابع الفردي على نطاق واسع.
في الوقت نفسه، فإن البيئة الإقليمية والدولية على خلفية قرار ترامب ستكون أكثر حساسية لنتائج الجهد الحربي الإسرائيلي الذي سيستهدف بشكل أساس المدنيين. كما أن التوتر على الجبهة الشمالية وتكثيف تل أبيب من غاراتها التي تطاول أهدافاً لإيران وحزب الله، يمثل عائقاً أمام توجه إسرائيل لإشعال مواجهة شاملة مع حماس في قطاع غزة، خشية أن تجد تل أبيب نفسها في حرب على جبهتين في آن واحد. إلى جانب ذلك، فإن تل أبيب تعي أن مرحلة ما بعد الانفجار الشامل في قطاع غزة ستكون مختلفة تماماً عما قبلها، إذ إن هذه المواجهة ستقود حالة من الفوضى العارمة، تسمح ببروز قوى ومجموعات أقل انضباطاً يمكن أن تواصل استهداف إسرائيل، بدون أن تبدي حساسية لردات فعل تل أبيب.

من هنا، فإن إسرائيل، التي تراهن، حتى الآن، على ميل حماس لعدم تحطيم قواعد المواجهة، تعي خطورة انفجار مواجهة شاملة مع الحركة في ظل الظروف الحالية وإمكانية أن يسهم هذا التطور في تعقيد بيئتها الأمنية والإقليمية والدولية. وهذا ما دفع إسرائيل لممارسة الضغوط الاقتصادية على القطاع، من خلال إغلاق المعابر الحدودية معه، وهي المعابر التي يتم عبرها نقل البضائع الأساسية والحيوية للغزيين، بهدف محاولة إجبار الحركة على التعايش مع قواعد المواجهة التي تحاول تل أبيب إملاءها. إلى جانب ذلك، يمكن الافتراض أن تطلب تل أبيب من القاهرة التدخل لدى حماس لمحاولة احتواء الموقف. مع العلم أن مصر يمكن أن تتأثر بحالة الفوضى التي يمكن أن تسود القطاع في أعقاب أية مواجهة مع حماس بدرجة لا تقل عن إسرائيل. فحالة الفوضى المتوقع أن تسود قطاع غزة ستفاقم الأوضاع الأمنية في سيناء سوءاً. وانطلاقاً من هنا، فليس من المستبعد أن تتحرك القاهرة بالتنسيق مع تل أبيب لاحتواء الموقف من خلال تحسين البيئة الاقتصادية في القطاع بتخفيف مظاهر الحصار، وعبر الضغط أيضاً على السلطة الفلسطينية للإسراع بالوفاء بالتزامات السلطة في اتفاق المصالحة، لا سيما رفع العقوبات التي فرضها رئيس السلطة، محمود عباس، على القطاع ودفع رواتب موظفي الحكومة التي كانت تديرها حماس في القطاع، والذين يمارسون أعمالهم حتى الآن. لكن في المقابل لا يمكن تجاهل الاعتبارات الشخصية لرئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قد يرى أن الاستثمار في التصعيد ضد "حماس" يمكن أن يحسن مكانته السياسية في ظل التحقيقات التي تجري ضده حالياً بتهم التورط في قضايا فساد خطيرة.