تزداد التوترات السياسية في تونس، قبل حلول انتخابات الخريف، التشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل والرئاسية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وفي هذا السياق، اعتبر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في خطاب الاحتفال بعيد الاستقلال، مساء الأربعاء الماضي، أن "البلاد مريضة ولكن دواءها موجود وعلاجها ممكن إذا توفرت النوايا الحسنة ووضع الجميع مصلحة البلاد فوق مصلحة الأحزاب". وفي كلمة مطولة للتونسيين، استحضر السبسي المراحل التاريخية التي مرّت بها تونس منذ الاستعمار، وبعد الاستقلال، مشيراً إلى أن "تونس دخلت في مواجهات كبرى، ولكنها كانت في نطاق الوحدة الوطنية ونجحت في ذلك على الرغم من الأوضاع الصعبة التي مرّت بها ومن دون مساعدات خارجية. ونجحت من دون انتماءات سياسية، وأردت أن أقول هذا لأذكّر بأنه يجب معرفة التاريخ لأنّ التاريخ مهم والماضي ينير المستقبل".
وأكد السبسي أن "الخروج من هذه الوضعية الصعبة التي تؤكدها كل الأرقام والمؤشرات ممكن، بشرط توفر شرط الوحدة الوطنية، وهو أمر ليس بالمستحيل لأنه في السياسة لا وجود لعداوة دائمة ولا صداقة إلى ما لا نهاية. وهو أمر معروف لدى كل السياسيين". ودعا السبسي، الطبقة السياسية، إلى "تجاوز خلافاتها الفكرية والأيديولوجية وإيجاد أرضية توافقية للحسم في القضايا المصيرية، التي تعيش على وقعها البلاد اليوم"، مشدّداً على أن "تونس لا يمكن أن تواصل مسيرتها إلا بالوحدة الوطنية بين جميع مكوناتها".
بدوره، علّق الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، على هذه الدعوة بدعم منظمته لمبادرة "الوحدة الوطنية" بشرط أن تكون قائمة على ما سماه بـ"قناعات وثوابت هدفها الرئيسي إنقاذ الاقتصاد الوطني وتحسين حياة المواطن". ونقلت وكالة "تونس أفريقيا للأنباء" عن الطبوبي قوله، إنه "إذا طرح التفكير في وحدة وطنية على أساس قناعات وثوابت هدفها الرئيسي انقاذ الاقتصاد الوطني، فإن اتحاد الشغل سيكون قوة خير ودعم للتقدم بالبلاد وتحسين حياة المواطن وتكريس المبادئ التي قامت من أجلها الثورة وضحى من أجلها الشباب". واعتبر مراقبون أن "هذه التلميحات من السبسي تؤشر على رغبة لديه في إعادة توزيع الأوراق قبل أشهر من الانتخابات"، فيما رأى آخرون أنها "دعوات جاءت في الوقت الضائع ومتأخرة جداً".
إلا أن مصادر خاصة أكدت لـ"العربي الجديد" وجود "فكرة مبادرة حقيقية طرحتها بعض الأطراف وبدا أن الرئيس السبسي تفاعل معها وأعلن موافقته عليها بشرط توفر نوايا صادقة وإرادة حقيقية لإنقاذ البلاد وليس لمجرد حسابات سياسية". وأكدت أن "السبسي لم يكن فقط يتكلم عن دروس من الماضي في ذكرى الاستقلال، بل يشير إلى أنه مفتوح على مقترحات إنقاذ البلاد، لأن رجل الدولة يفكر في المستقبل، بينما رجل السياسة لا يفكر إلا في الانتخابات". ورأت المصادر أن "البلاد لا يمكنها الذهاب إلى انتخابات في ظل هذا المناخ الشديد التوتر، بل على الرئيس قيادة حوار يشمل جميع الأطراف السياسية والاجتماعية والمدنية الفاعلة، على قاعدة تشكيل حكومة يمكنها الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة والتوافق حول إرساء المحكمة الدستورية وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك. بالإضافة إلى التوافق على ملف العدالة الانتقالية وتوفير شروط هدنة اجتماعية تجعل الانتخابات تجري في أجواء هادئة، فضلاً عن تنقية الأجواء السياسية واستبعاد استعمال القضاء في تصفية الخلافات السياسية وتأجيل المسائل الخلافية الأيديولوجية".
وذكرت المصادر أن "بعض الأحزاب السياسية تلقفت دعوة الرئيس وقد تناقش هذه المسائل في ما بينها، وإذا ما حصل اقتناع عام بضرورة تحقيق هذه الشروط لإنجاز انتخابات شفافة ونزيهة، فإن هذه المبادرة قد تخرج للضوء قريباً".
وبخصوص ما تم تداوله من دعوة الرئيس إلى تغيير الدستور، فإن السبسي كان واضحاً في خطابه حين أشار إلى المطبات الدستورية التي وصلت إلى ما وصفه بـ"المأزق"، معتبراً أنه "حصل خرق للدستور وللفصل 71، الذي يمنح الرئيس جزءاً من المسؤولية التنفيذية وإن إبعاده عن ذلك وتحييده، يعدّ خرقاً واضحاً للدستور". ولكن السبسي أكد بوضوح أنه "لا ينوي طرح تغييره الآن ولكنه سيسلم ذلك لمن يأتي بعده". وهي إشارة قال مراقبون إنها "قد تعني عدم نية الرئيس الترشح لولاية ثانية". وختم السبسي خطابه أيضاً بالإشارة إلى أنه "قد لا يشرف على احتفالات العام المقبل".
وحذّر السبسي مما وصفه بـ"مأزق الديمقراطية التمثيلية"، مشيراً إلى "المشاكل التي تعيشها بعض الدول الديمقراطية العريقة". ودعا إلى "إيقاف السياحة النيابية نهائياً (أي تنقل النواب من كتلة برلمانية إلى أخرى ومن حزب إلى آخر)"، معتبراً أن "هذا الأمر لا يمكن أن يتواصل بهذا الشكل". ودعا في الوقت نفسه إلى "أخذ الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية بعين الاعتبار، والتنبّه لكل هذه المعطيات، لأن الديمقراطية التونسية لا تزال وليدة وهشة". ويتساءل مراقبون عن أفق هذه المبادرة الجديدة ومدى واقعيتها، خصوصاً أن حركة النهضة لم تبيّن موقفها الى حدّ الآن من التطورات في البلاد، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ماض في تأسيس حزبه الجديد، في ظلّ تصدّره استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية.