نهاية حلم "القاعدة" بحضرموت: هنا كان موطن بن لادن

26 ابريل 2016
دامت "إمارة" التنظيم عاماً واحداً فقط (خالد فزعة/فرانس برس)
+ الخط -
ارتبط اسم تنظيم "القاعدة" خلال السنوات الأخيرة بمحافظة حضرموت شرقي اليمن؛ فيها خاض التنظيم مواجهات عنيفة مع قوات الجيش قبل أن يسيطر في أبريل/ نيسان الماضي على مدينة المكلا مركز المحافظة، ويقيم فيها "إمارة إسلامية" عاشت سنة كاملة انتهت رسمياً وعملياً، أمس الاثنين 25 إبريل/نيسان 2016، ليصبح هذا التاريخ محطة مفصلية في التاريخ المعاصر لليمن عموماً، ولشرقه الحضرمي خصوصاً نظراً لأهمية المحافظة وارتباط تحريرها من "القاعدة" بأجواء الحرب المندلعة مع مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وما يمكن أن تقدمه المنطقة بعد تحريرها في هذا السياق.

حتى عام 2011، حين اندلعت ثورة الشباب، لم يكن لتنظيم "القاعدة" أي حضور في حضرموت. غير أن تحرير محافظة أبين جنوب البلاد من قبضة التنظيم في عام 2012، دفع بالأخير إلى التوجه شرقاً، عبر عمليات اغتيال متفرقة، قبل أن تصبح حضرموت أحد أهم أهدافه لاستنزاف الجيش والسلطات اليمنية. ساعدته في ذلك عوامل جغرافية واجتماعية كثيرة، ليس أقلّها حالة التهميش والظلم التي تعرضت لها المحافظة في عهد المخلوع علي عبدالله صالح.

ولم يكن غريباً على حضرموت أن تكون بهذه الأهمية في قائمة الانتشار الجغرافي ونشر الفكر الجهادي للتنظيم؛ فالمحافظة هي الموطن الأصلي لمؤسس وزعيم التنظيم الأول أسامه بن لادن، وأسرته الثرية المعروفة التي أنشأت إمبراطوريتها المالية بعد ذلك في السعودية.

الجغرافيا

حضرموت هي كبرى محافظات اليمن، تقدّر مساحتها بـ 191.000 كيلو متر مربع. تحدّها من الشمال صحراء الربع الخالي الشاسعة، ومن الجنوب، ساحل طويل يمتد لأكثر من 450 كيلومتراً، ومن الشرق، تحدّها محافظة المهرة، ثاني أكبر المحافظات مساحة. ومن الغرب شبوة، والتي تنتشر فيها جيوب لتنظيم "القاعدة" تنشط بين الحين والآخر. جميع هذه العوامل وفرت بيئة ملائمة لتحركات التنظيم، وخصوصاً في ظل نسبة السكان القليلة، والتي لا تتجاوز المليون في آخر إحصاء سكاني، ما يفسح المجال لحرية تنقل بين السكان في مساحة كبيرة.

وعوضاً عن ذلك، تتميز طبيعة حضرموت الجغرافية بتنوع تضاريسها من جبال وهضاب وانتشار النخيل بكثافة، وامتدادات صحراوية من الشمال وأجزاء من الشرق وأودية شاسعة، مما يجعل تحركات التنظيم أسهل بكثير من أي مكان آخر.

وعلى الرغم من حضور التنظيم في المحافظة، لكن يُلاحظ أن المجتمع في حضرموت على درجة من الوعي، نتيجة حضور المدرسة الشافعية الوسطية، وانتشار دور العلم، الأمر الذي قلل من خلق حاضنة قوية ومستمرة للتنظيم في مناطق تواجده التي تكون غالباً مؤقتة وغير مستمرة، غير أن هذا لا يلغي وجود قبائل تسمح لعناصر التنظيم بالتحرك في أراضيها. 

العمليات العسكرية للتنظيم

كثف تنظيم "القاعدة" من حضوره العسكري في محافظة حضرموت خلال السنوات الخمس الأخيرة بشكل لافت في سبيل محاولاته المتكررة للتجذر في أرض مؤسس التنظيم أسامة بن لادن وجعلها نقطة انطلاق لتصدير المقاتلين إلى مختلف بلدان الصراع. في 25 فبراير/ شباط 2012، وفيما كان عبدربه منصور هادي يؤدي اليمين الدستورية رئيساً للبلاد، كان "القاعدة" ينفذ عملية تفجير سيارة مفخخة أمام بوابة القصر الجمهوري بالمكلا. أسفرت العملية حينها، عن سقوط أكثر من 20 جندياً، وكان هذا هو أول تحدٍّ للرئيس هادي من قبل التنظيم. وفي 30 سبتمبر/أيلول 2013، اقتحم مسلّحون من تنظيم "القاعدة" مقرّ المنطقة العسكرية الثانية بعد تفجير سيارة مفخخة أمام بوابتها الرئيسية، وبقي المقرّ تحت سيطرة المسلحين ثلاثة أيام قبل أن تجري استعادته من قبل الجيش اليمني.

لم تتوقف عمليات التنظيم التي أرهق بها المؤسسة العسكرية عند هذا الحد، بل خاض تجربة جديدة تتمثل في السيطرة على المدن؛ ففي مساء 23 مايو/ أيار 2014، اقتحم مسلّحون من "القاعدة" مدينة سيئون بعشرات المسلّحين، والذين هاجموا مقرّات أمنية كقيادة المنطقة العسكرية الأولى والمجمع الحكومي والأمن العام وشرطة السير وقوات الأمن الخاصة والاستخبارات  العسكرية وشرطة الدوريات والنجدة. كذلك استولى التنظيم على مبالغ كبيرة بعد اقتحامه بنك التسليف والبنك الأهلي ومكتب بريد سيئون. وبث حينها صوراً للقيادي جلال بلعيدي وهو يقود المعركة ويتحدث أمام الكاميرا التي وثقت مجريات العملية في رسالة تؤكد قدرتهم على مواجهة الجيش والأمن في وسط المدن. 

وبعد أقل من ثلاثة أشهر، وتحديداً في 7 أغسطس/آب 2014، سيطر التنظيم على مدينة القطن لساعات، قبل أن يعلن انسحابه منها. وبث لاحقاً صوراً للقيادي الراحل حارث النظاري والقيادي جلال بلعيدي، وهم يحتسيان كوبين من الشاي ويتحدثان إلى مواطنين، وسط السوق العام بالمدينة. في اليوم التالي، كان الشارع اليمني على موعد مع واحدة من أبشع العمليات في تاريخ الجيش اليمني، حين قام التنظيم بإعدام 14 جندياً، بعضهم ذبحاً، قبل أن يرمي جثثهم وسط مدينة الحوطة بمديرية شبام، وذلك بعد اختطافهم من حافلة نقل بينما كانوا متجهين من سيئون إلى العاصمة، صنعاء.

وفي مساء 2 إبريل/ نيسان الماضي، سيطر التنظيم على مدينة المكلا مركز أكبر محافظة في البلاد في عملية غامضة؛ فبعد مواجهات محدودة بين مسلحي "القاعدة" وقوات الجيش، بسط التنظيم سيطرته على المدينة خلال أقل من خمس ساعات، وتمكن من تهريب أكثر من 300 سجين من مركزي المكلا في مقدّمتهم القيادي البارز في التنظيم خالد باطرفي، والذي تقلد في ما بعد منصب أمير المدينة.

وحقق التنظيم من خلال سيطرته على المدينة حزمة من الأهداف، يراها استراتيجية. تأتي في مقدّمتها كميات السلاح الثقيل التي استولى عليها وعدّها "غنائم"، فضلاً عن استقطابه العديد من الشباب إلى صفوفه، وتأمين تمويل عملياته العسكرية جراء سيطرته على مليارات الريالات من خزينة البنك المركزي وبنوك أهلية.

طموح "القاعدة"

وتثير جملة العمليات المتتابعة للتنظيم خلال السنوات الماضية، وتركيزه على حضرموت تساؤلات عما إذا كان يسعى لإقامة إمارة كبرى في شرق اليمن، مستغلاً موقع المحافظة الاستراتيجي.

وتعزز هذه التساؤلات ما كشف عنه القيادي في التنظيم خالد باطرفي من أن مبايعة قاسم الريمي كأمير جديد للتنظيم في جزيرة العرب، تمت في المكلا بحضور أكبر عدد من أهل الشورى والقيادات العليا في التنظيم، ما يعني أن المحافظة ظل التنظيم ينظر إليها على اعتبارها المأوى الآمن لعناصر التنظيم قبل أن يخسرها في الساعات الماضية. ولم يشفع ظهور حراك لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أخيراً في عدن، لـ"القاعدة" لناحية التمسك بحضرموت، وتقليل حضوره في عدن لتجنب الصدام مع "داعش".

الأطماع

تمثل حضرموت رقماً صعباً في معادلة الاقتصاد الوطني والأهمية الاستراتيجية؛ فهي أغنى المحافظات بالثروة النفطية وينتشر في هضبتها الجنوبية عدد من الشركات النفطية مثل "بترومسيلة" و"توتال" و"دوف" و"نكسن" وغيرها، علاوة على إشراف المحافظة على ثلاثة موانئ بحرية، أحدها مخصص لتصدير النفط، الأمر الذي يجعل المحافظة مطمعاً لأي جماعة مسلحة.

إلى جانب ذلك، سعى التنظيم جاهداً للاستفادة من الشريط الساحلي الطويل، والذي يخلو في الغالب من المناطق السكنية، الأمر الذي سهل طويلاً تنقل عناصره من وإلى اليمن، فضلاً عن استخدامه لتهريب السلاح والتجارة. غير أن اللافت أن التنظيم ظل يسعى إلى التوغل بالقرب من الحدود السعودية الصحراوية، فقد شنّ العام الماضي هجوماً على منفذ الوديعة الحدودي، واستطاع مسلّحوه الوصول إلى مدينة شرورة. وعبر هذه العمليات، 

موطن بن لادن

ولد مؤسس التنظيم أسامة بن لادن في الرياض، منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. لكن أصوله تعود إلى حضرموت. والده، ينحدر من قرية رباط باعشن بدوعن غرب وادي حضرموت. هاجر إلى السعودية في عشرينيات القرن الماضي، حيث عمل في ميناء جدة. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي، انطلق والده في أعمال المقاولات وأصبح من المقربين من العائلة المالكة السعودية، الأمر الذي ساهم في سطوع نجم المجموعة لتكون أول شركة مقاولات في المملكة.


وأسامة بن لادن (10 مارس/آذار 1957 إلى 2 مايو/أيار 2011)، هو أحد أبرز أبناء محمد بن لادن الملياردير، وترتيبه 17 بين إخوانه وأخواته، والذين يصل عددهم 52. عند وفاة والده، كان أسامة في الحادية عشرة من عمره، وقد بلغ نصيبه من التركة ما يعادل 300 مليون دولار. استثمر ما ورث في المقاولات قبل أن يصبح همه الأول دعم المجاهدين الأفغان ضّد الغزو السوفياتي لأفغانستان. لكن توترت علاقته مع السلطات السعودية، والتي سحبت منه الجنسية مطلع التسعينيات.

وفي عام 1988، أسس أسامة تنظيم "القاعدة"، قبل أن يصبح المطلوب الأول لدى الولايات المتحدة وروسيا. وبحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن سكان قرية رباط باعشن يعانون من سوء الخدمات، وأوضاعهم المعيشية صعبة، إذ لم تلق اهتماماً من قبل السلطات المحلية، فيما لا يزال الدعم المقدم من أسرة بن لادن محدوداً نسبة إلى ثراها الكبير. لكن يبقى مشروع شبكة المياه في المنطقة أبرز بصمة للأسرة الثرية في المنطقة.

ولا توجد آثار واضحة لأسرة بن لادن سوى منزل قديم استخدم إبان تحقيق الوحدة عام 1990 كمدرسة، يضاف إليه بيت آخر لعم أسامة؛ فالأسرة التي هاجرت مطلع القرن الماضي إلى السعودية لم تعد تتردّد على المنطقة.

والقرية المبنية من الطين، والتي تتراص مبانيها في سفح جبل شاهق وتنتشر فيها أشجار النخيل، تخلو تماماً من أي ارتباط لأسامه بن لادن، سوى أنه ينحدر منها فقط، بحسب ما تشير المصادر. مع العلم أن السكان يحاولون عند حديثهم لوسائل الإعلام نفي وجود أي ارتباط لمنطقتهم بأسامة بن لادن.

ميزان الربح والخسارة

استطاع التنظيم خلال السنوات الماضية استقطاب عدد كبير من الشباب بحضرموت مستغلاً الوضع المعيشي وتفشي البطالة التي تتجاوز 60 في المائة في اليمن. واستفاد عبر سيطرته على مدينة المكلا في تدريب أكثر من 2000 شاب في معسكراته، بحسب ما أعلن، مستغلاً سخط المجتمع على جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وهناك مخاوف من أن يتحول هؤلاء إلى ناقمين على المجتمع بعد زوال الخطر الحوثي عن حضرموت، وخصوصاً أن المقاومة نجحت في تحرير جميع المحافظات الجنوبية.

ويرى مراقبون أن انتشار بعض المدارس السلفية المتشددة قد يكون مهد طريق "القاعدة" لاستقطاب مرتادي هذه المدارس، وهو ما أكدته مصادر لـ"العربي الجديد" إبان سيطرة التنظيم على المكلا. ووصلت أسماء تنتمي لحضرموت إلى مركز القيادة في التنظيم أمثال خالد باطرفي ذي الجنسية السعودية والأصول الحضرمية، ومنشد "القاعدة" غالب باقعيطي الذي قتل في يوليو/تموز الماضي في غارة لطائرة من دون طيار بالمكلا، فضلاً عن الكثيري وغيرهم.

وبحسب سياسيين، فإن التنظيم دفع ثمناً باهظاً لظهوره في العلن، إذ خسر بسبب ذلك أبرز قياداته مع تحقيق مكاسب قليلة ومؤقتة. لكن يظل السؤال الأبرز ما الذي يريده "القاعدة" من حضرموت؟ وماذا عن مستقبله في المحافظة التي تؤمن أكثر من نصف ميزانية البلاد.

في هذا السياق، يقول الخبير في شؤون "القاعدة"، سعيد عبيد الجمحي، إن حضرموت لم تكن ضمن أهداف التنظيم، لكن فرار مجموعة كبيرة من عناصر التنظيم من السجن المركزي بحضرموت، وهم من أبناء حضرموت، ساهم في تنشيط حركة الاستقطاب في صفوفه. وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا التطور ساهم في جذب زعامات التنظيم إلى المحافظة، والتي أصبحت أهدافاً سهلة للطيران الأميركي بعد ذلك.

ولفت الجمحي إلى أن تغاضي الجهات العسكرية والأمنية، والتي تدير المحافظة، عن ملاحقة التنظيم، بل تعمدها في كثير من الأحيان تقديم المساعدة له، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ساهم في تقوية نفوذ "القاعدة" في حضرموت.

وأعرب عن اعتقاده بأن حشر التنظيم في حضرموت مصلحة أميركية، إذ وجدت واشنطن في ذلك سهولة في استهداف وملاحقة عناصره، لم تتوفر في المحافظات الأخرى.

وبحسب الجمحي، فإن التنظيم خسر أكثر مما استفاد بتواجده في حضرموت، فإذا كان قد نجح في استقطاب عناصر محدودة الى صفوفها، فإن خسارته في قياداته كانت مفاجئة لم يكن يتوقعها.

وبخصوص مستقبل التنظيم في المحافظة، قال الجمحي إن التنظيم حاول أخيراً أن يظهر نفسه ككيان قريب من الناس، كما حرص على تقديم نفسه كتيار معتدل مقارنة بتنظيم "داعش"، لكنه تكتيك اصطدم برفض شعبي قاطع بين غالبية الحضارمة، واليمنيين بشكل عام، بدليل أنه لم يجد المؤازرة الشعبية في الحسم السريع الذي قضى على وجوده تقريباً في الأيام القليلة الماضية.