بعدما وصف 2019 بعام التطرف اليميني في ألمانيا، نتيجة تسجيل 1241 جريمة بدوافع سياسية، معظمها من قبل اليمين المتطرف ضد المسؤولين في الولايات، وذلك وفقاً لأرقام وزارة الداخلية الاتحادية، انبرت السلطات السياسية والأجهزة الأمنية أخيراً لفرض واقع مختلف وأكثر أماناً، من خلال التضييق على تحركات ومخططات عناصر اليمين المتطرف والنازيين الجدد.
ويأتي تحرك السلطة في ظل النجاحات الانتخابية للمتطرفين اليمينيين، وسلسلة من جرائم القتل والاعتداءات التي هزّت المجتمع الألماني هذا العام، بالإضافة إلى التهديد بالقتل لشخصيات ورموز حزبية، وكذلك الاعتداء على دور عبادة. وكان قد تم اغتيال القيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي فالتر لوبكه في يونيو/ حزيران الماضي في مدينة كاسل، بالإضافة إلى مقتل شخصين خلال هجوم على معبد يهودي في مدينة هاله في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويضاف إلى الهجمات وجود ما سمّي بـ"قائمة الموت"، والتي شملت نائب رئيس البوندستاغ (البرلمان) عن حزب الخضر كلاوديا روت، وزميلها في الحزب جيم أوزديمير، والعضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أصل فلسطيني سوسن شبلي، والصحافية الألمانية من أصل عراقي دنيا حيالي. وتم أيضاً الكشف عن جماعة "أولد سكول سوسييتي" الإرهابية اليمينية التي خططت لمهاجمة منازل اللاجئين.
هذا الواقع، دفع أخيراً بوزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر، ورؤساء المكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية والهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، إلى الكشف عن خططهم لمكافحته، وذلك عبر إعادة تنظيم وتدعيم الدوائر الأمنية، وإنشاء هيئة مختصة لمكافحة الخطر المحدق منه ومن النازيين الجدد بصفتهم مصدراً للعنف. وسيحصل كل من الجهازين على 300 وظيفة إضافية، من شأنها أن تعزز قدرة الاستخبارات وهيئة مكافحة الجريمة على درء المخاطر والتهديدات التي يطلقها اليمين المتطرف عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
أما التطور الأبرز، فكان موافقة البوندسرات (مجلس الولايات)، الأسبوع الماضي، على التعديلات المتعلقة بقانون حيازة السلاح، التي أقرها البوندستاغ أخيراً، على أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2020. وتضمنت التعديلات التشدد في منح الرخص على أنواع معينة من الأسلحة، لمنع استخدامها في هجمات إرهابية، بالإضافة إلى توسيع السجل الوطني للسلاح وإلزام شركات الأسلحة والتجار بالإبلاغ عمن يشتري الأسلحة بهدف تسهيل تتبع حركة مبيعات الأسلحة ومالكيها. وكانت السلطات قد أعلنت أخيراً عن استحداث خط ساخن لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن أية تهديدات أو إشارات عنف من قبل النازيين الجدد لتحليل مضمونها وتتبع مسارات مطلقيها ومساعدة الأفراد الذين يتم تهديدهم.
وأوضح الخبير في شؤون الإرهاب ميخائيل ستمبفله، في حديث مع شبكة "أيه آر دي" الإخبارية، أن "السلطات باتت أمام مشكلة واضحة، وهي تغلغل التطرف اليميني داخل المجتمع وفي البوندسفير (الجيش الألماني) وبين موظفي مؤسسات الدولة"، مؤكداً أنه "من الأهمية بمكان مكافحة التطرف اليميني عبر شبكة الإنترنت وعدم التسامح مطلقاً معه والتشدد في معاقبة مطلقي التهديدات بالقتل، وعدم الاكتفاء بحذف المنشور عن الشبكة". والأهم، بحسب الخبير الألماني، "هو إجبار شركات مقدمي الخدمات على تقديم البيانات، حتى تستطيع الأجهزة الأمنية التحرك ومحاكمة من ينتهكون القانون"، مشككاً، في الوقت ذاته، بإمكانية حصول هذا الأمر قريباً "على الرغم من أن غالبية التدابير تهدف إلى تحديد الأشخاص المعنيين في وقت مبكر".
أما الجديد والجوهري في الخطط المقدمة، بحسب ستمبفله، أنه "سيكون هناك تقييم أفضل للمخاطر". معرباً عن أمله في أن "يتم تحديد الشبكات المتطرفة ليصبح من الأسهل التعرف إلى المتطرفين اليمينيين، الذين يجتمعون ضمن غرف دردشة، والأهم معرفة كيف يمكنهم استقطاب الناس إلى جانبهم، علماً أن السلطات تتخوّف من عودة التيارات المعادية للمكونات الدينية والإثنية الصغيرة في البلد". وذكرت صحيفة "تاغس شبيغل" أنه، وفقاً للهيئة الاتحادية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، فإن أعداد المتطرفين من اليمين ارتفعت في 2019، لتقارب 32200 شخص، بعدما كان العدد 24100 شخص في 2018، أي بزيادة قدرها الثلث، وذلك بسبب وجود نحو 7 آلاف شخص أعضاء في جمعيات تدور في فلك "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني ونحو ألف شخص أعضاء في منظمة "شباب حزب البديل"، مشيرة إلى أن "المكتب الاتحادي يراقب حالات مشبوهة داخل هذه الجمعيات".
وتحدث رئيس الاستخبارات توماس هالدينفانغ عن "مؤشرات مهمة" تفيد بأن لتلك الكيانات تطلعات متطرفة، فيما أشارت تقارير إعلامية إلى أن الاستخبارات تمكنت من تخزين البيانات الشخصية لأعضاء الجمعيات. ودعا رئيس هيئة مكافحة الجريمة هولغر مونش، أخيراً، إلى اتخاذ إجراءات بشأن التهديدات عبر شبكة الإنترنت، مشيراً إلى أن الجميع يأمل أن تعزز الوظائف، التي وافق عليها البوندستاغ، قدرة الاستخبارات الداخلية وهيئة مكافحة الجريمة على مواجهة المخاطر التي تنجم عن عنف اليمين المتطرف والنازيين الجدد". ولفت إلى أنه "تم، في يوليو/ تموز الماضي، تشكيل وحدة تنظيمية داخل المكتب الاتحادي لحماية الدستور من أجل التعرف إلى الشبكات المحتملة في العالم الافتراضي، بعد أن تبين، نتيجة التحليل السري للوكالة، الخطر الكبير للتطرف والتعبئة والتآمر على الإنترنت". إلى ذلك، ذكر موقع مجموعة "بايرييشه روند فونك" الإعلامية أن شرطة "يوروبول" قدمت أخيراً ورقة، وصفت بالسرية، تظهر الارتفاع الملحوظ والمستمر لعدد حالات الاعتقال المرتبطة بالإرهاب اليميني في أوروبا، اذ وبعدما سجلت 12 حالة في 2016 ارتفع العدد إلى 44 في 2018. وأشارت صحيفة "دي فيلت" إلى أن شرطة "يوروبول" ترى أن ارتباط الجماعات اليمينية العنفية بين الدول يؤدّي إلى مزيد من العقبات، موضحة أن خطرها بات بنداً ثابتاً على جدول أعمال وزراء الداخلية والعدل الأوروبيين.