المعارضة الجزائرية تبدأ مناقشة المرحلة الانتقالية... والسلطات مستعدة لإشراك المعارضة والحراك الشعبي
واتفقت قوى المعارضة في الاجتماع على مسألة رفض المقترحات السياسية المتضمنة في الرسالة الأخيرة التي نشرت باسم الرئيس بوتفليقة، والتي تطرح تعهدات سياسية تتصل بإجراء تعديل حكومي شامل، وعقد مؤتمر وفاق وطني.
وعبّرت القوى السياسية المشاركة عن رفضها للخطوات التي يطرحها الرئيس بوتفليقة، باعتبارها خطوات توجد خارج الخط والدستور، وناقشت الخطوات الانتقالية البديلة والممكنة، بشأن اقتراح حكومة وحدة وطنية تقودها شخصية توافقية، وأفكارا أخرى تتصل بالمجلس التأسيسي وهيئة تأسيسية لصياغة الدستور ومؤتمر وفاق وطني.
وأعلنت المعارضة رفضها لمقترح عقد ندوة وطنية يشرف عليها الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، ورفض تولي وزير الداخلية نور الدين بدوي رئاسة الحكومة، بسبب سوابق إشرافه على انتخابات شابتها تلاعبات لافتة في النتائج، وتحمله المعارضة مسؤولية تزوير الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/أيار 2017، والانتخابات البلدية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وكذا مسؤوليته عن قمع المتظاهرين في أكثر من احتجاج.
وشارك في الاجتماع 15 حزبًا سياسيًا من مختلف التوجهات، وممثلون عن التكتل النقابي المستقل، وكوادر فاعلة في الحراك الشعبي، وقيادات من "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة. ويعد هذا الاجتماع الثالث من نوعه الذي يجمع بين قوى المعارضة، بعد اجتماعين سالفين عقدا خلال الأسبوعين الماضيين برئاسة رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، ورئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله.
وشددت المعارضة على رفض كل محاولات وأشكال التدخل الأجنبي في الجزائر، واعتبرت أن الموقف الفرنسي يمثل تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي من خلال دعم قرارات بوتفليقة. وقال وزير الاتصال الجزائري السابق إنه "من حق فرنسا أن تعلن عن موقف، لكن ليس من حقها أن تقترح الخطوات التي تمثل مسار حل الأزمة السياسية في الجزائر، هذا شأن داخلي يخص الجزائريين فقط".
وكان الوزير يعلق على موقف أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعا فيه إلى "مرحلة انتقالية بمهلة معقولة"، وهو موقف اعتبرته المعارضة انحيازًا للسلطة على حساب الحراك الشعبي. وإضافة إلى المواقف الدولية، تراقب المعارضة الجزائرية بحذر موقف الجيش والمؤسسة العسكرية، والتي تطالبها المعارضة باتخاذ موقف مشجع لصالح مطالب الشعب الجزائري.
السلطات الجزائرية مستعدة للحوار
في المقابل، أعلنت السلطات الجزائرية أنها مستعدة للحوار مع مختلف قوى المعارضة السياسية والشعبية في البلاد، ولإشراك الحراك الشعبي والمستقلين في الحكومة التي كلف بتشكيلها وزير الداخلية السابق، نور الدين بدوي.
وقال نائب رئيس الحكومة الجزائرية، رمضان لعمامرة، اليوم الأربعاء، في برنامج مفتوح بثته الإذاعة الجزائرية الرسمية، إن "الحكومة الجديدة تبدي استعدادها للحوار مع القوى المعارضة السياسية والمدنية"، مشيرًا إلى أن "الحكومة التي كلف الرئيس بوتفليقة نور الدين بدوي بتشكيلها، مفتوحة لمشاركة ممثلين عن الحراك الشعبي والمعارضة الجديدة".
وعبّر لعمامرة عن أمله بأن تقبل المعارضة مبدأ الحوار والمشاركة الجماعية في الدفع بعقد مؤتمر الوفاق الوطني وفي الحكومة، بما يسمح بحلحلة الأزمة وتجاوز الراهن السياسي والذهاب إلى مرحلة سياسية تأسيسية.
ويستعد رئيس الحكومة المكلف لعقد مؤتمر صحافي، اليوم الخميس، يوجه خلاله دعوة رسمية للمعارضة وقادة الحراك الشعبي والمستقلين للقبول بمقترحات الرئيس بوتفليقة، والمشاركة في المسار الجديد.
وأكد نائب رئيس الحكومة الجزائرية ووزير الخارجية أن "الأولوية لجمع كافة القوى الجزائرية والذهاب معًا إلى المستقبل"، مشيرًا إلى أنه "لا يجب أن ندفع الجزائر إلى الفراغ وفي حالة الانحراف لا أحد يكون مستفيدًا"، وقال: "نسعى لعقد ندوة وفاق وطني تشارك فيها ثلاث كتل؛ هي الأحزاب والمجتمع المدني والقوى الشعبية، وبشكل متوازن، وأيضًا بين الرجال والنساء".
وأضاف: "نستطيع أن نصمم حلًا وتصورات جزائرية محضة، سنفتح مشاورات بشأن طبيعة ندوة الوفاق الوطني وكيفية عقدها، ويمكن أن نفتح نقاشا مع العمق المجتمعي باستغلال وسائل التكنولوجيا"، مردفًا أن "الجزائر لديها تجربة في السبعينيات، عند مناقشة الميثاق الوطني الذي طرحه الرئيس هواري بومدين، والذي قام بفتح نقاش شامل في البلديات والولايات وبمشاركة كل فئات الشعب في النقاش الوطني المفتوح".
ورد لعمامرة على مطالب الحراك الشعبي للذهاب إلى إنشاء مجلس تأسيسي، واعتبر أن "الفرق بين المجلس التأسيسي وندوة وفاق وطني هو أن أعضاء المجلس يتم انتخابهم، في استحقاق انتخابي، بينما أعضاء ندوة الوفاق يتم تعيينهم بشكل تمثيلي من قبل مختلف القوى السياسية والمدنية"، مشددًا على أن "الندوة سيدة في قرارتها وكل ما تتخذه يصبح ساري المفعول".
واعتبر نائب رئيس الحكومة أن "الرئيس اقترح خطوات انتقالية انطلاقًا من نوايا صادقة للتغيير الشامل للنظام السياسي"، مشيرًا إلى أن "الرئيس بوتفليقة ليس مهتمًا بالبقاء في السلطة، لكنه يقوم بمسؤوليته السياسية والتاريخية لوضع البلد بين أيد أمينة"، مشيرًا إلى أن "مسألة الحفاظ على الأمن والممتلكات والأفراد تبقى من بين أكثر ما يحرص عليه بوتفليقة".
واعترف لعمامرة بوجود أزمة ثقة بين الشعب والسلطة، والرفض الآلي من قبل الحراك الشعبي لكل ما تقترحه السلطة، وقال "يجب منح الضمانات وإعادة بناء الثقة مع الشعب والقوى الشعبية ومع الثقة السياسية".
رسائل من الجيش
بدوره، توجه الجيش الجزائري مجددًا، اليوم، برسائل سياسية إلى الشعب والحراك الشعبي في الجزائر، بشأن إمكانية تجاوز الأزمة السياسية الراهنة.
وقال رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، خلال خطاب أمام القيادات العسكرية في المدرسة العليا الحربية بالعاصمة الجزائرية، إن "الشعب يعرف كيف يتعامل مع أزمات وطنه وكيف يسهم بوطنية عالية ووعي شديد، فالشعب العظيم لا يخشى الأزمات مهما عظمت ويبقى سبيله دومًا هو سبيل النصر والانتصار". وأوضح المسؤول العسكري أن "أمن الجزائر واستقرارها ووحدتها الشعبية والتربية أمانة في أعناق أفراد الجيش، وأمانة غالية تجعل القوات المسلحة من المحافظة عليها هاجسها الأول وشغلها الشاغل".
وتفادى قائد الجيش التعبير عن مواقف سياسية تخص المقترحات التي طرحها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بشأن المرحلة الانتقالية والمتصلة بحل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة وعقد مؤتمر وفاق وطني وتعديل الدستور، يعقبها تشكيل حكومة كفاءات وإجراء انتخابات رئاسية، حيث تعترض قوى المعارضة السياسية والحراك الشعبي على أي دور سياسي للجيش، وتطالبه قوى الحراك الشعبي بضمان أمن البلاد والمخرجات السياسية المرتقبة للوضع الحالي.
وجدد قايد صالح مواقف سابقة كان قد أعلن عنها في ثلاث خطب ألقاها على مدار الأسبوعين الماضيين، لصالح تفهم كبير ولافت لمواقف الحراك الشعبي، وقال "قلت أكثر من مرة وأعيده مرة أخرى؛ العلاقة التي تربط بين الجيش والشعب تزعج أعداء الجزائر في الداخل والخارج"، مضيفًا "إنني لا أمل إطلاقًا من ترديد بل والافتخار بعظمة العلاقة والثقة والتي تربط الشعب بجيشه في كل وقت وحين".
ويبدو من خلال خطابات قائد الجيش الجزائري، وتركيزه على تلاحم الموقف بين الجيش والشعب، أن المؤسسة العسكرية قامت بتثبيت موقفها عند عدم الاعتراض والتصادم مع الحراك الشعبي، وأعادت تقدير الموقف، منذ ما وصف بـ"الخطأ الاتصالي" لخطاب قائد الجيش في 26 فبراير/شباط الماضي، والذي وصف فيه أحمد قايد صالح المتظاهرين "بالمغرر بهم"، والمظاهرات المناوئة لترشح بوتفليقة بـ"الجهات المشبوهة".
ويعتقد الناشط السياسي رياض حاوي أن الحراك الشعبي حاول منذ البداية تلافي افتعال أي صراع مع الجيش، أو إظهار المعارضة للمؤسسة العسكرية، مشيرًا إلى أن التحول اللافت في عدد من مواقف الجيش يؤكد أن "المواقف الإيجابية موجودة في كل دواليب السلطة من الشرفاء، وهناك تحولات داخل هذه المؤسسة فرضها تغير التركيبة البشرية للجيش".
وأضاف: "قائد الجيش قال كلمته والقرار الأمني سمح للشعب بالتظاهر ضد الولاية الرئاسية الخامسة، وقال إن رؤية الشعب والجيش واحدة، وهذا القرار الأمني الوطني هو الوجه الآخر الذي ساهم في نجاح الحراك الوطني وامتداده وقوته".