حكومياً، لم يباشر الزرفي بأيٍّ من حواراته أو حتى لقاءاته مع قادة الكتل السياسية لعرض برنامجه أو خطوات تشكيل حكومته بعد، باستثناء خطاب يتيم ألقاه ليل الأربعاء الماضي، لم يحظَ بأي تفاعل من قبل القوى السياسية الرافضة له، وأبرزها "تحالف الفتح"، بزعامة هادي العامري، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، بالإضافة إلى ائتلاف "دولة القانون"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، و"صادقون" الجناح السياسي لمليشيا "العصائب" بزعامة قيس الخزعلي، و"عطاء" برئاسة فالح الفياض، وحزب "الفضيلة" لمحمد اليعقوبي، وكتلة "سند" بزعامة أحمد الأسدي، وعددٍ من الفصائل المسلحة. وهو بطبيعة الحال الجناح أو المعسكر المدعوم من إيران، ويتمتع بكتلة نيابية تراوح ما بين 110 نواب و114 نائباً.
في المقابل، فإن الكتل الداعمة لتكليف الزرفي هي "تحالف سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، و"ائتلاف النصر" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، و"تحالف القوى" التابع لرئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، والحزب "الديمقراطي الكردستاني" التابع لمسعود البارزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، ولهذا الفريق قوة نيابية تقدّر بما بين 150 إلى 155 نائباً، مع الأخذ بالاعتبار ضبابية قوى سياسية أخرى لم تعلن حتى الآن موقفها الصريح، مثل "تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم.
وحصلت "العربي الجديد" على تسريبات لاجتماع عُقد مساء الجمعة في بغداد ضمّ عدة قيادات سياسية، انتهى إلى تأكيد رفض تكليف الزرفي، وإبلاغ القوى السُّنية والكردية بضرورة سحب تأييدها له، أو حتى التجاوب معه في حراك تشكيله الحكومة، فضلاً عن التواصل مع مقتدى الصدر، بشأن سحب دعمه له.
وقال قيادي بارز في تحالف "دولة القانون"، لـ"العربي الجديد"، إن "رفض تكليف الزرفي يعود لأسباب عدة، أولها أنه ضد بقاء فصائل الحشد الشعبي، وسيعمل على تفكيكها ودمجها مع قوات الجيش والشرطة وباقي المؤسسات الأمنية، وله طروحات قبل سنوات في هذا الاتجاه أعلنها بصراحة على وسائل الإعلام والفضائيات". وأضاف أن "إيران تتحفظ عليه أيضاً، لكونه مدعوماً أميركياً، كذلك إن طريقة ترشيحه للمنصب من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح، رغم رفض غالبية القوى السياسية الشيعية له، بمثابة خرق للتوافقات التي قامت عليها العملية السياسية في العراق".
واعتبر القيادي أن "القوى السنية والكردية لن تدخل بأزمة مع القوى الرافضة لتكليف الزرفي، باعتبار أن المنصب التنفيذي الأول بالدولة هو من حصتها وتسمي فيه من تشاء". لكنه أكد في الوقت نفسه أن الزرفي يتحرك من أجل تطويع المواقف الرافضة له، قائلاً: "علمنا أنه يتواصل مع أطراف إيرانية في هذا الشأن من خلال وسطاء لتقديم طمأنات في حال تشكيله الحكومة".
من جهته، شدّد النائب عن كتلة بدر البرلمانية كريم عليوي، لـ"العربي الجديد"، على أن "الرفض السياسي من القوى الشيعية الخمس لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، أمر لا رجعة فيه". ولفت إلى أن الموقف كان من خلال "اتفاق القوى الشيعية الرافضة له، وقد أُبلِغ السُّنة والأكراد بذلك، الذين أكدوا احترامهم لقرارات القوى الشيعية، وسيكونون داعمين لأي توجه يكون عليه إجماع وطني"، واصفاً الأزمة الحالية بأنها باتت "كسر عظم".
وأضاف عليوي أنه "لا يمكن السماح بتمرير المشروع الأميركي في العراق، من طريق عدنان الزرفي، ورئيس الجمهورية برهم صالح، وهذا المشروع ولد ميتاً، وأي رئيس وزراء لا بد أن يأتي من خلال الكتل الشيعية حصراً، وخلافاً لذلك لا يمكن تمريره، مهما حاولت واشنطن ذلك وبعض الجهات والشخصيات العراقية التابعة لها". وتطرّق إلى حظوظ تمرير الزرفي في البرلمان، معتبراً أنها "معدومة جداً"، وأنه "في الوضع الحالي سيحتاج إلى معجزة، لهذا يجب عليه تقديم الاعتذار بأسرع وقت، لمنع تأخير تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فبقاؤه مكلف ومضيعة وقت ليس إلا". وكشف عن "حوارات تجري بين القوى السياسية الشيعية، لإيجاد بديل للزرفي".
بدورها، نقلت وسائل إعلام محلية مضمون رسالة وجهّها الصدر إلى القوى السياسية الشيعية المعترضة على تكليف الزرفي، وهي ائتلاف الفتح ودولة القانون وحزب الفضيلة وكتلة عطاء، وكتل صغيرة أخرى متحالفة معها. ورفض الصدر في الرسالة ترشيح نعيم السهيل بدلاً من الزرفي، وأبلغ هذه القوى بأن الاعتراضات على الزرفي ليست موضوعية.
من جانبه، أكد القيادي في جبهة الإنقاذ والتنمية، أثيل النجيفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حظوظ منح ثقة البرلمان للزرفي، قليلة جداً، وربما هي معدومة، بسبب الرفض السياسي الشيعي له، خصوصاً أن مواقف بعض الجهات السياسية السُّنية والكردية، وحتى الشيعية، غير واضحة حتى الساعة، فلا نعرف ما إذا كانت داعمة أو رافضة لهذا التكليف". وأضاف النجيفي أن "الزرفي قد يعقد حوارات واجتماعات مع القوى السياسية الشيعية الرافضة له، وفي حال تقديمه لهم المناصب والامتيازات والضمانات، أكيد ستكون داعمة له". وحول مساعي الزرفي في تجاوز القيادات المحلية الرافضة له والتوجه إلى أطراف إيرانية بهدف تسوية ملف تحفّظ طهران عليه، رأى السياسي عزت الشابندر، أن الفيتو على الزرفي سببه شيعي عراقي بحت بنسبة 80 في المائة، ولا علاقة له بإيران. واستبعد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، نجاح الزرفي في رفع الفيتو الشيعي الرافض له من خلال حراكه الحالي. وأضاف أنّ "من الخطأ أن نصف القرار السياسي الشيعي في الأزمة الحالية بأنه إيراني، وأخذ هذا القرار بعداً أكثر حرية بعد اغتيال (رئيس فيلق القدس في الثوري الإيراني) قاسم سليماني و(نائب رئيس فصائل الحشد الشعبي) أبو مهدي المهندس، لهذا لا ينفع التدخل الإيراني في رفع الفيتو الشيعي الرافض للزرفي". واعتبر الشابندر أيضاً أن "التواصل الإيراني ــ الأميركي بالملف العراقي يمكن اعتباره انتهى، عندما دخل (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب إلى البيت الأبيض، ولا توجد فرصة جديدة في الأفق لأي توافق أميركي ــ إيراني، لا في العراق ولا في عموم المنطقة".
من جانبه، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، هشام الهاشمي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ما يجري حالياً من أزمة سياسية خانقة في البلاد، يشبه إلى حد كبير ما حدث من حراك لإزاحة نوري المالكي عام 2014 من رئاسة الحكومة، فهناك محاولة لإزاحة الأحزاب السياسية والفصائل المسلّحة القريبة من إيران". وأشار إلى أن "الأحزاب السياسية الشيعية التي لا تخضع أو ليست واقعة تحت تأثير إيران ونفوذها، تمارس ضغطاً مع أحزاب وقوى أخرى، بهدف إزاحة الأحزاب والقوى السياسية، تحديداً التي تمتلك فصائل مسلحة ولائية (مرتبطة بإيران)، من نفوذها الحالي، كإزاحة المالكي في سنة 2014، وقد يكون التصعيد كبيراً". وشدّد في الوقت ذاته على أن "التوافق الأميركي ــ الإيراني أقوى من إرادة القوى السياسية، وهو ضابط إيقاع الحراك السياسي والاختلافات في المناصب السيادية". ورأى أن "الملف السياسي في العراق، بعد اغتيال قاسم سليماني تغير، وبات هناك موقفان في إيران: موقف إيران الدولة وموقف إيران الحرس الثوري، فالمعتبر حالياً هو إيران الدولة، ولهذا إن اختيار الزرفي، جاء بعد مشاورات بين الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ورئيس الجمهورية برهم صالح وآخرين".