3 اختراقات إسرائيلية للأمن القومي المصري في سيناء

24 اغسطس 2016
تستمر العمليات ضد الجيش المصري في سيناء (فرانس برس)
+ الخط -

تكشف العمليات العسكرية للجيش المصري في محافظة شمال سيناء، ضد مسلحين تابعين لتنظيم "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعته تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، حجم اختراق إسرائيل للأمن القومي المصري من البوابة الشرقية، على مدار سنوات طويلة، وفقاً لعسكريين مصريين متقاعدين، تحدثوا لـ"العربي الجديد".
ويتخوّف الاحتلال الإسرائيلي، من تعاظم نفوذ مجموعات مسلحة على الحدود مع الأراضي المحتلة، بما يشكّل تهديداً له، في ظل تنفيذ عمليات سابقة تستهدفه، على الرغم من محدودية تأثيرها. وعقب ثورة 25 يناير، ظهرت مجموعات مسلحة عديدة في سيناء، مستفيدةً من حالة الفراغ الأمني والانشغال بمسرح الأحداث السياسية وترتيب البيت الداخلي، وكانت العمليات في البداية تنصب على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لتنفذ سلسلة تفجيرات لخطوط الغاز المصري المصدَّر إلى إسرائيل، بما عرف بـ"الملثم"، من دون كشف عن هوية المنفذين. وتوالت العمليات الموجَّهة ضد الاحتلال الإسرائيلي من قِبل المجموعات المسلحة، ليس فقط تفجير خطوط الغاز الطبيعي، ولكن إطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة، في أوقات متفرقة، تتزايد رداً على الحرب على غزة.
وفي حرب إسرائيل على قطاع غزة عامي 2012 و2014، أطلقت جماعة "أنصار بيت المقدس" قبل أن تبايع تنظيم "داعش" وتعدِّل الاسم إلى "ولاية سيناء"، صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، رداً على القصف العنيف على قطاع غزة.
وكان استشعار الخطر من تنامي نفوذ المسلحين في سيناء لدى إسرائيل أسبق من مصر، فعمدت الأولى إلى استهداف مسلحين بطائرات من دون طيار حتى قبل بدء العمليات العسكرية في سيناء بأشهر طويلة، وتحديداً في واقعة استهداف أحد أبناء سيناء المدعو إبراهيم عويضة، عقب ثورة يناير.
ومع بداية العمليات العسكرية للجيش المصري في سيناء، بدأت السلطات المصرية بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ليس فقط لنشر قوات إضافية بشكل مخالف لاتفاقية كامب ديفيد، ولكن أيضاً لتنسيق المعلومات بين الطرفين، وهذا التعاون ما لبث أن تطور إلى مرحلة غير مسبوقة.
ويقول عسكريون متقاعدون، إنه يمكن رصد حجم الاختراق الإسرائيلي، في ثلاثة مشاهد، أولاً اختراق طائرات من دون طيار إسرائيلية المجال الجوي المصري وتنفيذ عمليات قصف ضد أهداف هناك. ثانياً الاعتماد على شبكة من الجواسيس الذين يتعاملون مع الموساد الإسرائيلي لنقل تحركات المسلحين، وأخيراً ما تردد عبر صفحات وسائل تواصل اجتماعي تتابع الأوضاع في سيناء، حول قيام ضباط إسرائيليين بالاتصال بأهالي سيناء لحثّهم على نقل تحركات المسلحين وتحذيرات من التعامل معهم، فضلاً عن حثهم على الرحيل من المناطق التي تشهد عمليات مسلحة.
ويؤكد شيخ قبلي من سيناء، صحة الأنباء المتداولة حول تلقي عدد من أهالي سيناء اتصالات من ضباط إسرائيليين، قائلاً: "هذه الممارسات ليست بالجديدة مطلقاً، وتتكرر تلك الوقائع بين الحين والآخر على مدار شهور طويلة". ويضيف الشيخ القبلي، أن الاتصالات الإسرائيلية بأهالي سيناء دليل واضح على اختراق إسرائيل الأمن القومي المصري، بدون رادع من الجيش وأجهزة الاستخبارات المصرية.
ويشير إلى أن إسرائيل تعتمد على شبكة من الجواسيس منذ فترة طويلة لنقل طبيعة الوضع في سيناء بدقة، لأن للمنطقة أهمية قصوى عند الإسرائيليين، ويتم تنشيط هؤلاء الجواسيس لنقل تحركات المسلحين بشكل دقيق، تمهيداً لقصفهم بطائرات من دون طيار. ويلفت إلى أن "الموساد يتصل بالمواطنين ويحذرهم من التعامل مع المسلحين على فترات، معتمداً بالتأكيد على المعلومات التي يحصل عليها من الجواسيس".
ويشدد الشيخ القبلي على أن "الموساد" يحذر أيضاً المهربين ويهددهم إذا قاموا بتهريب أي شيء ممنوع إلى قطاع غزة. وحول معرفة أرقام هواتف المواطنين للاتصال بهم، يشير إلى أن إسرائيل تنشر أجهزة تنصت دقيقة على طول الشريط الحدودي، فضلاً عن استخدام بعض الأهالي شبكات اتصالات إسرائيلية، نظراً لانقطاع الاتصال خلال العمليات العسكرية، ويمكن الحصول على أرقام هواتف من المتعاونين معهم، وهو أمر لن يجدوا فيه مشقة.


أما ثاني مشاهد الاختراق الأمني القومي، فهو اعتماد إسرائيل على شبكة من الجواسيس من بعض أهالي سيناء، والذين يضطلعون بأدوار خاصة بنقل تحركات المسلحين وتحديد أماكن تمركزهم، تمهيداً لقصفهم بالطائرات من دون طيار. وسبق لتنظيم "أنصار بيت المقدس" قبل وبعد مبايعة "داعش"، أن أعلن عن "قتل وتصفية عدد من الجواسيس المتعاونين مع الموساد"، لنقل تحركاتهم، ويورد اعترافات تفصيلية لاتفاق "الموساد" معهم.
ويعتمد التنظيم الذي تزايدت قدراته العسكرية والتكتيكية والأمنية بعد مبايعة "داعش"، على مجموعات من عناصره يشكّلون جهازه الأمني على غرار التنظيم الأم، ويقوم بتتبع المتعاونين مع الجيش المصري، أو "الموساد". والغريب في مسألة الجواسيس لإسرائيل في سيناء، هو عدم إعلان أجهزة الاستخبارات المصرية عن رصد أو القبض على متعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي، في حين أعلن التنظيم كشف عدد ليس بالقليل منهم.
وأبرز شواهد عملية الاختراق الإسرائيلي لسيناء، الطائرات من دون طيار التي تظهر فجأة ثم تختفي، وظل الأمر محل تشكيك كبير حول هوية تلك الطائرات المجهولة، التي يعرفها أهالي سيناء بـ"الزنانة". وبشكل شبه يومي تجتاح طائرات من دون طيار، أجواء سيناء لتنفيذ عمليات قصف على أهداف غير معروفة، أو القيام بمهمات استطلاعية.
وفي وقت سابق، أكدت مصادر عسكرية خاصة، أن مصر لا تمتلك طائرات من دون طيار حربية قادرة على حمل صواريخ لقصف أهداف، وما تمتلكه مصر من هذا النوع استطلاعية فقط. وقالت المصادر، إن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين مصر وإسرائيل في العمليات بسيناء، حتى إنه تصدر أوامر بانسحاب الطائرات الحربية المصرية من الأجواء، إيذاناً بدخول طائرات من دون طيار إسرائيلية لتنفيذ عمليات.
ويحذر خبير عسكري من أن الوضع في سيناء شديد الخطورة على الأمن القومي المصري، قائلاً: "ليس من المعقول لكي أواجه مجموعات مسلحة، أن أترك سيناء مرتعاً لإسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية". ويقول الخبير العسكري، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إن سيناء ملف شائك، ومنذ بداية العمليات العسكرية من خلال العملية "نسر"، لم يحدث تقدّم في مواجهة المسلحين هناك، بل على العكس تزايدت قدراتها وباتت أكثر خطورة. ويضيف أنه على الرغم من التنسيق الكبير بين الجانبين المصري والإسرائيلي، إلا أنهما فشلا في تحجيم دور المسلحين هناك، وهو ما يعزز مسألة فشل التكتيكات المستخدمة في هذا السياق، ولكن لا يمكن الحكم بشكل دقيق على هذه الاستراتيجية المتبعة في الحرب على الإرهاب، لأنه لا أحد يعرف شيئاً، حسب وصفه.
ويحذر من خطورة عدم تصدي مصر لاختراق إسرائيل الأمن القومي المصري عبر البوابة الشرقية، لما لها من عواقب على المستوى البعيد، والأهم هو شعور أهالي سيناء بأن الدولة المصرية ضعيفة ولا تقوى على بسط سيطرتها واللجوء إلى التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.

المساهمون