لبنان: هل يتم "كسر" الحريري بفزاعة انهيار النظام والاقتصاد؟

28 نوفمبر 2018
تحدث الحريري عن كلفة التعطيل خلال هذه الفترة(حسين بيضون)
+ الخط -


حتى وسائل الإعلام اللبنانية، أو عدد منها، ملّ من تكرار التقارير التي تدور في مكانها حول انسداد أفق تشكيل الحكومة الجديدة، منذ وضع "حزب الله" شرطه بتمثيل النواب السُنّة الستة المحسوبين على فريق "8 آذار"، وإلا "لا حكومة"، مثلما يكرر أمينه العام حسن نصرالله بلغة تهديد لا تتوقف. رد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري رافضاً، ومنذ ذلك الوقت الحال على ما هو عليه، وسط مخاوف جدية على النظام اللبناني، وعلى ما يخفيه هذا التعطيل من إطباق لـ"حزب الله" على الحياة السياسية اللبنانية، تتزامن مع تساؤلات علنية عن قدرة هذا النظام على الاستمرار، وهل يقود ما يحصل حكومياً اليوم، وما حصل قبله نيابياً ورئاسياً، إلى تراكم يؤكد أن هذا النظام غير قابل للحياة أو تسيير شؤون البلد، وبالتالي ضرورة البحث عن خيارات أخرى، من بينها ما يردده الحزب دوماً على صعيد عقد مؤتمر تأسيسي؟

نجح الحريري خلال الفترة الماضية في فرض موقفه، وربما هي من المعارك القليلة السياسية التي ينتصر فيها تيار "المستقبل" على "حزب الله" على صعيد تسجيل النقاط لا أكثر، بغض النظر عن الخواتيم التي قد تحمل الحريري مجدداً على التنازل، أو تدوير الزوايا للخروج من المأزق.
في الساعات الماضية، وعلى الرغم من الموقف الداعم للحريري من قبل أغلبية الطبقة السياسية، إلا أن ثمة رأياً بدأ يظهر إلى العلن، داخل تيار "المستقبل" وخارجه، عبّر عنه بوضوح رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الداعي إلى تجرّع كأس التسوية المُرّة خوفاً من الانهيار. دعاة هذا الموقف يتسلحون عملياً بالانطلاق أولاً من ضرورة خفض سقف التحدي في هذه المرحلة، خصوصاً أن "حزب الله" يعتبر نفسه منتصراً في سورية، ومنتصراً خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، وعليه بات هو المتحكّم الفعلي باللعبة السياسية في الداخل اللبناني، وما على الأفرقاء الآخرين سوى تمرير هذه المرحلة بأقل ضرر ممكن، خصوصاً أن المعركة الأميركية ضد إيران وأدواتها في المنطقة فُتحت، وهو ما يعني ضرورة الهدوء وعدم جرّ البلاد صوب معارك لا تُحمد عقباها.

الأهم من قراءة واقع قوة "حزب الله"، هو ما يتردد عن ضرورة عدم إعطائه مزيداً من الوقت، لأن ذلك يعني تأكيداً لنظرية اهتراء الدولة والنظام، وبالتالي ضرورة البحث عن خيارات أخرى، خصوصاً أن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله تحدث بوضوح في المرحلة الأخيرة عن الأحجام النيابية، وعن أحقيته وحلفائه في حركة "أمل" والمستقلين بثلث حكومي، وهو ما يذكّر بطبيعة الحال بالدعوات السابقة إلى مؤتمر تأسيسي وإلى مثالثة في الحكم بين السنّة والشيعة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

المخاوف الجدية تنطلق أولاً من أن لبنان فشل منذ عام 2005، تاريخ انسحاب قوات النظام السوري، في إنتاج استمرارية واضحة للحكم، وتداول سلس للسلطة، فعانى خلالها من فراغ دائم على مستوى رئاسة الجمهورية، والسلطة التنفيذية، إضافة إلى الصراعات المتكررة على قوانين الانتخابات، وعدم القدرة على الالتزام بمواعيد إجراء الانتخابات، وهو ما أشار اليه الحريري في خطابه الأخير، عندما تحدث عن التعطيل خلال هذه الفترة، وكلفته.

الأخطر عملياً من أزمة النظام حالياً، التي باتت تشهد ظهوراً دورياً لبدع دستورية، هي حالة الاهتراء على صعيد المؤسسات العامة، والتي ينذر بعضها بالانهيار، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي لم يسبق أن كان منهاراً بهذا الشكل منذ انتهاء الحرب الأهلية (عام 1990)، مثلما هو حاله اليوم، فيما يحاول رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري إنعاشه بمؤتمر "سيدر" (لإقراض لبنان من المؤسسات الدولية والدول الكبرى) المرتبط أصلاً بضرورة تأليف الحكومة العتيدة.


بناء على ذلك، ووفق هذا المشهد، يتسلّح البعض بموقفهم الداعي إلى تمرير المرحلة بأقل الأضرار الممكنة، خصوصاً أن المخاطر لا تقتصر على الداخل اللبناني، من النظام إلى الوضع الاقتصادي، ولا حتى بحرب العقوبات الأميركية ضد إيران والحلفاء في المنطقة، بل تمتد أيضاً إلى الخطر الجنوبي، خصوصاً بعد تكرار التهديدات الإسرائيلية لـ"حزب الله" وللبنان على السواء.
على الرغم من ذلك، لا يبدو أن شيئاً قد يتحرك على صعيد أزمة تأليف الحكومة، التي بدأ البعض يتحدث عن أنها مؤجلة حتى إشعار آخر مرتبط بتوقيت "حزب الله"، وهو ما سمح للبعض بالبحث عن مخارج لتسيير شؤون البلد، وفق قاعدة الضرورة، التي طُبقت على مجلس النواب، ويتم درسها اليوم لتطبيقها حكومياً، خصوصاً بعد قول عون إن "الأزمة الحكومية باتت كبيرة".

وإن كان الأفق الحكومي مسدوداً، إلا أن وزير الخارجية، رئيس "التيار الوطني الحر"، جبران باسيل، لا يزال يعمل على خط الوساطة بين "حزب الله" وتيار "المستقبل"، على الرغم من قناعة أكثر من طرف لبناني بأن الأزمة ليست أزمة نواب سُنّة بل أكبر بكثير، في إشارة إلى الوضع الإقليمي والدولي المعقد، والذي أشار إليه الحريري أيضاً في خطابه الذي رد فيه على نصرالله. وفي معلومات "العربي الجديد"، أن محاولات باسيل تنطلق من أكثر من معيار أساسي، أولها عدم تنازل "التيار الوطني الحر" عن حصته المتمثلة بـ11 مقعداً وزارياً (مع احتساب وزراء الرئيس ميشال عون)، وكذلك عدم سحب أي مقعد من مقاعد "المستقبل" الستة، وبالتالي باتت الخيارات تراوح حول إمكانية تسمية النائب عبد الرحيم مراد، الذي يمكن أن يشكّل نقطة تقاطع بين أكثر من طرف محلي وإقليمي لاعتبارات عدة، وزيراً سنّياً محسوباً على عون.

وقالت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، إن اسم مراد طُرح لأنه أولاً الوحيد من بين الأسماء الستة الممكن أن يكون من حصة رئيس الجمهورية، بما أنه خاض الانتخابات النيابية الأخيرة متحالفاً مع "التيار الوطني الحر"، على عكس النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد اللذين انضما إلى كتلة تيار "المردة" النيابية، وكذلك هو اسم له حيثيته السنّية التي لا يمكن لأحد أن يشكك فيها، إضافة إلى علاقته الجيدة بـ"حزب الله" والنظام السوري.
ولفتت المصادر إلى أن الأهم هو أن العلاقة بين مراد وتيار "المستقبل" قبل الانتخابات النيابية الأخيرة كانت جيدة، وكذلك الحال مع السعودية، التي سلّفها مراد موقفاً مؤيداً مع بداية الحرب في اليمن، اعتُبر وقتها متقدّماً جداً، ويصلح لترميم العلاقة بينه وبين المملكة.

وفي انتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة، على الرغم من التشاؤم الذي يسيطر، بدأت أوساط مقربة من "التيار الوطني الحر" تتحدث عن طاولة حوار لرؤساء الكتل النيابية في قصر بعبدا، على الرغم من تضارب المعلومات بشأن ما سيُطرح على هذه الطاولة، التي في الأصل عُقدت من أجل بحث القضايا الخلافية الأساسية، مثل الاستراتيجية الدفاعية، فيما يطرح البعض اليوم عقدها لبحث مسائل اقتصادية واجتماعية، وهو ما سيكون هرطقة دستورية إضافية، على الرغم من أن دعاة هذا الطرح يستندون إلى خطورة الوضع في لبنان، والخوف من انهيار الدولة.

المساهمون