وذكرت مصادر محلية أن القوات الروسية انشأت مواقع عسكرية في ريف مدينة عامودا وبلدة تل تمر، مشيرة إلى أن هذا الأمر يؤكد نية الروس البقاء طويلاً في الشمال الشرقي من سورية. من جانبه، ذكر موقع "سمارت" السوري المعارض، أمس السبت، أن "روسيا بدأت بتشكيل مجموعات عسكرية في مدن الدرباسية وعامودا وتل تمر في محافظة الحسكة"، مشيراً إلى أن القوات الروسية، التي تمركزت في مقرات كانت سابقاً تابعة إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على الحدود السورية التركية، بدأت بتسجيل أسماء متطوعين جدد في مجموعات عسكرية تشرف على تشكيلها كبديل لوحدات حماية الشعب الكردية التي كانت موجودة على الشريط الحدودي. وأشار الموقع إلى أن "روسيا تعهدت بدفع رواتب تصل إلى 150 ألف ليرة سورية للمتطوعين، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة"، مؤكداً أن "القوات الروسية بدأت فعلياً بتدريب عناصر في قاعدتها بمطار القامشلي، لتسند إليهم مهام الإشراف وقيادة المجموعات التي سيتم تشكيلها".
وتقع مدينة عامودا التي ينوي الروس تشكيل مجموعات مسلحة فيها، على الحدود السورية التركية مباشرة، إلى الشمال الشرقي من مدينة الحسكة مركز المحافظة، بينما تقع مدينة تل تمر ذات الحضور السرياني في ريف الحسكة الشمالي الغربي على بعد نحو 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية. وفتحت "قسد"، التي تمثل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الرئيسي، الباب واسعاً أمام الروس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لولوج منطقة شرقي نهر الفرات، حيث أبرمت معهم اتفاقاً عسكرياً سمح للقوات الروسية وقوات النظام السوري بالتمركز في المنطقة لإيقاف العملية العسكرية التركية ضد هذه القوات. ومن الواضح أن الجانب الروسي كان بحاجة إلى الاتفاق مع "قوات سورية الديمقراطية" للدخول بقوة في لعبة شرق نهر الفرات، والتمركز في الشمال الشرقي من سورية، بعد أن رسخ نفوذاً طويل الأمد في الساحل السوري، من خلال إقامة عدة قواعد ووضع يده على مرفأ طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ولا يقتصر النفوذ الروسي في الحسكة على بلدات عدة، بل تؤكد مصادر محلية أنهم استحوذوا على "النادي الزراعي" بالقرب من القامشلي لإقامة قاعدة داخله. وفي وقت سابق، أفادت وسائل إعلام روسية باحتمال قيام موسكو باستئجار مطار القامشلي المدني الذي يقع على بعد كيلومترات عدة من الحدود مع تركيا، لمدة 49 سنة. وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها نقلت منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في الحسكة. وبثت القناة الروسية "زفيزدا" التابعة لوزارة الدفاع، لقطات لوصول ثلاث مروحيات إلى القامشلي، يظهر فيها أيضاً النظام الدفاعي المضاد للطائرات "بانتسير". ومن الواضح أن الجانب الروسي يستند إلى تفاهمات مع الجانب التركي حول منطقة شرق الفرات عموماً، وريف الحسكة الشمالي خصوصاً، لتعزيز نفوذه وخلق مجموعات قتالية مرتبطة به، مستفيداً أيضاً من حاجة "قسد" له حتى لا تواجه الجيش التركي.
من جانبه، رأى الكاتب السوري إبراهيم مسلم، المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية، أن محاولة الروس إنشاء مجموعات عسكرية في ريف الحسكة مرده عدم ثقتهم في قوات النظام، معرباً، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن ازدياد النفوذ الروسي في شرق نهر الفرات "سيقلص من مساحة نفوذ قوات سورية الديمقراطية". وقد غيّرت العملية العسكرية التركية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خارطة السيطرة في منطقة شرق نهر الفرات، التي تعد في نظر كثيرين "سورية المفيدة"، كونها تضم القسم الأكبر من الثروات النفطية والزراعية والمائية. ويعد الروس أكبر المستفيدين من العملية التركية، إذ لجأ إليهم أكراد سورية لحمايتهم، مقابل تخليهم عن كثير من مواقعهم للجانب الروسي الذي بات اليوم منافساً للأميركيين في الشمال الشرقي من سورية. ويسيل لعاب اللاعبين في شرق الفرات على محافظة الحسكة بالتحديد، فهي تأتي في المرتبة الثالثة بين المحافظات السورية لجهة المساحة، إذ تبلغ أكثر من 23 ألف كيلومتر مربع، وتتصل بحدود مع دولتين، هما العراق شرقاً وتركيا شمالاً، ما يكسب موقعها الجغرافي أهمية استراتيجية. كما تعد محافظة الحسكة سلة الغذاء الأهم في سورية، فضلاً عن وجود ثروة نفطية هائلة، يضع الجانب الأميركي عن طريق "قوات سورية الديمقراطية" يده عليها. وتأتي الخطوة الروسية، تشكيل مجموعات عسكرية مرتبطة بها في الشمال الشرقي من سورية، في سياق سياسة باتت معلنة لوضع يدها على سورية، وهو ما تعتبره المعارضة بمثابة احتلال مباشر، في ظل تواطؤ واضح من قبل النظام الذي بات مجرد واجهة سياسية للروس في البلد.
واعتبر الكاتب المتخصص في الشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطوة الروسية متسقة مع سياسة موسكو لتعزيز نفوذها في تلك المنطقة. ورأى أن هناك جملة أسباب تدفع الروس إلى ترسيخ وجودهم في الحسكة، "بعضها سياسي يرتبط على ما يبدو بتفاهمات مع تركيا بشأن ضمان أمن المنطقة الحدودية، والبعض الآخر متصل في اعتقادي برغبة روسيا فرض نفوذها في تلك المنطقة الحساسة اقتصادياً، لاسيما لجهة إمكانية عبور شبكات أنابيب النفط والغاز مستقبلاً عبرها من العراق وإيران وحتى من دول الخليج العربي نحو تركيا ثم أوروبا". وأشار إلى أن "الروس يدركون أهمية المنطقة باعتبارها حدودية مع العراق وتركيا"، مضيفاً "روسيا تحاول أن تكون أول من يهمين على المنطقة، لأن فسح المجال للإيرانيين لتثبيت نفوذهم سيؤثر أولاً على نفوذها في سورية، والأهم أنه سيخلق للروس مشاكل كثيرة، في حال حاولت إيران استغلال المنطقة لمقارعة الأميركيين. وهذا ما لا تريده روسيا، التي باتت اليوم في موقف حرج للغاية بسبب المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية عبر جنوب سورية". وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده بأن التحرك الروسي في الشمال الشرقي من سورية "جاء بموجب تفاهمات مع الأميركيين، وقبول من الجانب التركي"، مضيفاً "واضح أن روسيا تحاول لعب دور ضابط الأمن في التوازنات بين القوى المنخرطة في الأزمة السورية، وتقديم نفسها في الوقت ذاته كضامن لأمن دول الجوار (العراق، تركيا، الاحتلال الإسرائيلي)".
من جهته، أعرب نائب رئيس "رابطة الأكراد السوريين المستقلين" رديف مصطفى عن اعتقاده بأن الخطوة الروسية "ربما تتم بالتعاون مع النظام لتفكيك قسد، وضمها لجيش النظام". واعتبر أن "تشكيل الجانب الروسي مجموعات عسكرية في مناطق نفوذ قوات سورية الديمقراطية دليل على تخلي الأميركيين عن قسد، بشكلها الحالي على الأقل"، مضيفاً أن "توجه الأكراد نحو روسيا والنظام خسارة لعدالة قضيتهم ومشروعيتها".