العلاقات الخليجية – التركية: تحديات مشتركة تعمق التعاون

04 ديسمبر 2016
الخليجيون والأتراك باتوا يتلمسون القواسم المشتركة بينهم(معتصم الناصر)
+ الخط -
حاول باحثون خليجون وأتراك، خلال جلسات، اليوم الأول، لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في دورته الثالثة، أمس السبت، في العاصمة القطرية، الدوحة، والتي خصصت  للعلاقات الخليجية - التركية، تشريح انعكاسات الأوضاع الإقليمية والسياسية والاقتصادية على العلاقات بين الجانبين، والتي شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية.
وقد شهد اليوم الأول لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في دورته الثالثة، انعقاد ثلاث جلسات عن العلاقات الخليجية - التركية، تناول أولها "العلاقات الخليجية - التركية واتجاهاتها المستقبلية"، والجلسة الثانية تناولت "العلاقات الاقتصادية الخليجية - التركية"، والثالثة حول "قضايا الأمن والتحديات الإقليمية".
واعتبر باحثون أن الأوضاع الإقليمية المتمثلة في تحولات الربيع العربي، والتمدد الإيراني في المنطقة، إضافة إلى التغيرات الاقتصادية المدفوعة بانخفاض أسعار النفط، علاوة على السياسات الأميركية التي تبنتها إدارة الرئيس، باراك أوباما، والتي أثرت في الشراكة التركية -الأميركية والخليجية - الأميركية، شكلت جميعها عوامل دفعت الخليجيين والأتراك لتلمس القواسم المشتركة بين الجانبين، من أجل إعادة الاستقرار إلى الإقليم الذي يشهد حروباً في سورية واليمن والعراق، وظهور مليشيات إرهابية ازدادت فعاليتها مع تحول عدد من الدول إلى "دول فاشلة".

وفي كلمته التي افتتح بها أعمال المنتدى، نوه المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عزمي بشارة، باللقاء الأول الذي يجمع الباحثين من دول الخليج العربية مع نظرائهم الأتراك، للتباحث في شؤون الإقليم. وقال إن باكورة هذا التعاون بين الطرفين ستكون فاتحة للمستقبل.

وتوقف المشاركون في جلسات، اليوم الأول، عند الدور الكبير الذي أداه التعاون الاقتصادي بين الجانبين في تحسن العلاقات التركية - الخليجية، لا سيما في السياق القطري. واعتبر رئيس وحدة الاقتصاد في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، صادق أوناي، أن التعاون بين الخليجيين والأتراك تأسّس على قاعدة "الربح للجميع"، أي لا تأتي أرباح طرف على حساب الطرف الآخر. وأكد الباحث  أن التعاون في مجال الطاقة بين أنقرة والدوحة يُعدّ أهم ملامح التعاون الاقتصادي بين الجانبين. ورأى أن "الإرادة السياسية لقيادة البلدين" و"صلابة التحالف الإقليمي" انعكست على علاقاتهما الاقتصادية ومتانة الشراكة التجارية بين البلدين.


من جهته، تحدث نائب المدير العام لمركز (SETA) في أنقرة، محيي الدين أتامان، عن التحديات الإقليمية التي تواجه دول الخليج العربي وتركيا، والتي عززت التعاون بين الجانبين، وسط توقعات بتعاون أكبر مستقبلاً على المستويين السياسي والاقتصادي. ولخّص التحديات الإقليمية بالحرب في اليمن وسورية، بالإضافة إلى انهيار عدد من دول المنطقة وصعود "الفاعلين من خارج الدولة" كتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والمليشيات في العراق، فضلاً عن "التمدد الإيراني في المنطقة" الذي يهدد استقرار المنطقة ويحثّ الخليجيين والأتراك على تعاون إقليمي أكبر.

ورأى أتامان، أن العلاقات الخليجية - التركية تأثرت بالإعلام والدعاية الغربية، داعياً إلى تواصل مباشر بين المثقفين الخليجيين والأتراك. وضرب مثالاً على الدعاية الغربية بالاتهامات الموجهة إلى تركيا بفتح الباب أمام "الإرهابيين" للدخول إلى سورية، معتبراً أن تركيا أكثر المتضررين من الإرهاب في سورية.

من ناحيته، ذكر الباحث والدبلوماسي السعودي السابق، عبدالله الشمري، أن العلاقات الخليجية التركية أصبحت اليوم أكثر براغماتية "بعد أن تجاوزت المرحلة العاطفية"، لافتاً إلى أن هذه العلاقات باتت ترتكز أكثر على التعاون الاقتصادي. وتطرق إلى التأثير الأميركي على العلاقات السعودية - التركية، معتبراً أن كلا البلدين "يشعران بتهديد أميركي" بسبب سياسات أوباما في المنطقة، مما دفع بالتعاون والتنسيق بين الرياض وأنقرة لمستويات جديدة، وفق قوله.
وأضاف الشمري، أن هناك أسباباً عدة أعاقت تطور العلاقات الخليجية - التركية، أهمها "حساسية العلاقات بالنسبة للجانبين"، ما جعلها محصورة على مستوى قيادات الدول الخليجية والقيادة التركية، ولم تتحول إلى "الحد الأدنى من المؤسسية"، وهو ما أدى إلى "تذبذب كبير" في العلاقات بين وقت وآخر.

كذلك تطرق رئيس مركز الخليج للأبحاث، عبدالعزيز بن صقر، إلى العلاقات العسكرية الخليجية - التركية، ابتداءً بالإرث العثماني في العلاقات العربية - التركية. ورأى أن توجهات مصطفى كمال أتاتورك المضادة للإرث العثماني أحبطت أي إمكانية لعلاقات وثيقة عربية - تركية. وأضاف أن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي تساهم، اليوم، في الحد من إمكانيات بناء تعاون خليجي - تركي عسكري كبير، لكنه لفت إلى أن أنقرة وضعت نواة هذا التعاون من خلال "مبادرة إسطنبول" عام 2004، والتي أسست للعلاقات العربية - التركية العسكرية.

وتطرق بن صقر إلى عوامل أخرى حدّت من التعاون الخليجي - التركي، منها العلاقات العسكرية التركية - الإسرائيلية، وعلاقتها الاقتصادية الكبيرة مع إيران، التي انعكست سلباً على العلاقات مع الخليج. وفي السياق، أشار إلى أن تقارب تركيا مع دول الخليج يشكل "ورقة تستخدمها الحكومة التركية للضغط على الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أن كل سياسات "التوجه شرقاً" التي اتخذها حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002، تهدف في جزء منها إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي لقبول عضوية تركيا. وهذا هو أحد أسباب عدم الثقة الخليج في السياسات التركية، بحسب بن صقر.

ومن وجهة نظر عسكرية، اعتبر بن صقر أن الصناعات العسكرية التركية متطورة في المنطقة، ما يفتح المجال أمام تعاون خليجي - تركي في هذا المجال. وأكد أن الحكومة التركية لم تتردد بتزويد السعودية بذخائر ومعدات عسكرية عندما احتاج التحالف العربي في اليمن إلى هذه الذخائر في بداية العمليات، في مارس/آذار 2015.

من ناحيته، أكد مدير دائرة الأمن في مركز (SETA)، مراد يشلتاش، أن التحديات الأمنية التي أثارها الربيع العربي، وصعود منظمات إرهابية في المنطقة، والتي أدت إلى "الإخلال بتوازنات الأمن الإقليمي" في المنطقة، أدت إلى تقارب خليجي - تركي أكبر، في محاولة لإعادة الاستقرار إلى الإقليم، وفي الوقت الذي أتاح فيه المجال للعب تركيا دوراً أكبر على المستويين السياسي والعسكري في المنطقة.


المساهمون