ملامح اصطفاف أوروبي أميركي بوجه روسيا: اليوم "لحظة الحقيقة"

08 أكتوبر 2016
خراب حلب على يد الروس وقوات النظام (جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -
ظهرت في الساعات الأخيرة ملامح اصطفاف غربي، أوروبي ــ أميركي، في وجه التفرد الروسي بالملف السوري، والذي نال حقنة دعم من الأمم المتحدة، بعدما نجح المبعوث إلى سورية ستيفان دي ميستورا في الترويج "للحلول" على الطريقة الروسية والسورية الحكومية، القائمة على تهجير سكان حلب الشرقية ليحتلها النظام السوري والمليشيات الأجنبية، بدل أن يكون الحلّ هو وقف المجازر. وقد تُسقط روسيا، اليوم السبت، مجدداً، مشروع قرار، فرنسي الهوية، لوقف إطلاق النار في حلب، وسط دعوة أميركية للتحقيق بجرائم حرب روسية في سورية. وإن أسقط المشروع الفرنسي "الناعم" أصلاً بالفيتو الروسي، يصبح ممكناً أن يخطو الغرب الأوروبي والأميركي خطوة إضافية في الموقف الخجول من مجازر النظام السوري وروسيا. وقبل انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي، أمس الجمعة، بدعوة روسيا، والتي ترأس المجلس لشهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، أن "مشروع القرار أمام مجلس الأمن حول سورية يُشكّل لحظة الحقيقة بالنسبة لروسيا، اليوم". وصرح أيرولت في حضور كيري بمقر وزارة الخارجية الأميركية: "غداً (اليوم) سيكون لحظة الحقيقة، لحظة الحقيقة بالنسبة الى جميع أعضاء مجلس الأمن: هل تريدون، نعم أم لا، وقفاً لإطلاق النار في حلب؟ والسؤال يطرح خصوصاً على شركائنا الروس". وأضاف "هذا المشروع الذي نطرحه هو بالتأكيد برسم النقاش لكنه يتضمن نقطتي قوة: الأولى هي وقف إطلاق النار ووقف القصف والتحليق الجوي فوق حلب (...)، الثانية هي إيصال المساعدة الإنسانية. لن نسكت (...) عن تدمير حلب". وكان أيرولت قد بدأ جولة شملت موسكو وواشنطن، لمناقشة قرار يفرض وقف إطلاق النار في حلب ومنع تحليق الطائرات فوقها. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع أيرولت، اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن "الأعمال الروسية في سورية تستدعي تحقيقاً في جرائم حرب"، مضيفاً أن "هناك تساؤلات عن السبب وراء استهداف روسيا والنظام السوري للمستشفيات، ومنها مستشفى في حلب، مساء الخميس، أوقع 20 قتيلاً". 

وفي ردّ روسي، اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، أن "مشروع القرار الفرنسي يحوي عدداً من النقاط غير المقبولة، وأنه سيّس قضية المساعدات الإنسانية". مع العلم أنه يمكن لروسيا في حال التصويت على مشروع القرار أن تستخدم حق الاعتراض "الفيتو" بوصفها أحد الأعضاء الدائمين في المجلس وهو ما يعني عدم صدور القرار. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن "روسيا ستقترح تعديلات خاصة على المقترح وتأمل أن توضع في الاعتبار"، كما أبدى استعداده "لدعم مقترح دي ميستورا" بشأن اصطحاب مسلّحي "جبهة فتح الشام" لخارج مدينة حلب. حتى إنه طلب من مقاتلي المعارضة في حلب "تقديم ضمانات مكتوبة بأنهم انفصلوا عن جماعات إرهابية، وسيمكن عندئذ إلحاقهم بأجهزة مشتركة لفرض القانون والنظام مع السلطات". من جهتها، ظلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مشغولة بمناشداتها الإنسانية لموسكو، فقالت إنه "لا يوجد أساس في القانون الدولي لقصف المستشفيات وأن على موسكو المساعدة في وقف العنف المتصاعد". وأوضحت أنه "يتعيّن إنهاء هذه الجريمة الوحشية بأسرع ما يمكن".

لجهة المعارضة السورية، فقد رأت أن "ما طرحه دي ميستورا ينسجم مع أهداف النظام السوري وروسيا لإفراغ حلب من المقاتلين والسكان، على غرار ما حدث في مناطق أخرى مثل حمص وريف دمشق"، فيما طالبت الحكومة السورية المؤقتة بـ"إقالة دي ميستورا لوقوعه في خطيئة مهنية كبيرة"، معلنةً وقفها الفوري جميع أشكال التواصل معه ومع فريقه.

وذكرت الحكومة أن "دي ميستورا بدلاً من أن يدين العدوان على حلب، والذي تستخدم فيه جميع الأسلحة بما فيها المحرّمة دولياً، انحاز إلى رواية النظام السوري وروسيا، وقدم لهما المبررات للاستمرار في العدوان، مقايضاً تقديم المساعدات الإنسانية وإخراج الجرحى والمرضى بالاستسلام وإفراغ المدينة من أبنائها". وأضافت أن "ذلك يجعل الأمم المتحدة التي يمثلها، شريكاً في المشروع الهادف إلى إحداث تغيير ديمغرافي على أساس طائفي في سورية".



من جهته، دعا المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، المجتمع الدولي إلى "تبنّي رؤى جديدة للتعامل مع القضية السورية"، مشيراً إلى أن "الهيئة تعمل على صياغة آليات جديدة لوقف العمليات العدائية ضد الشعب السوري، وتنفيذ القرارات الأممية، وفك الحصار عن جميع المناطق وإيصال المساعدات للمحتاجين".

كلام حجاب جاء خلال محادثة هاتفية جرت بينه وبين وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، والذي أكد سعي حكومته بالتعاون مع الدول الحليفة إلى وقف القصف الذي يتعرض له المدنيون في حلب، والعمل على تحقيق ذلك من خلال الاستمرار في ممارسة الضغوط على النظام وروسيا عبر مجلس الأمن.

بدوره، أعرب عضو هيئة التفاوض يحيي قضماني، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "دي ميستورا يخضع للواقع الذي يفرض عليه، ويحاول أن يؤدي دور المنقذ، بدلاً من أن يكون الوسيط في حل سياسي لا شريك فيه، بعد أن دمّر النظام ما بقي من أساسات لهذا الحل".

أما المستشار الإعلامي في الائتلاف السوري المعارض، أحمد كامل، فوصف ما طرحه دي ميستورا بشأن إخراج مقاتلي "جبهة فتح الشام" من حلب بـ"الخدعة، لأنه يقدم حبل نجاة للسياسة الأميركية المأزومة، غير القادرة على القيام بمبادرات حقيقية تجاه ما يحدث في سورية". وشبّه كامل في حديثه لـ"العربي الجديد" مبادرة دي ميستورا بـ"مسألة نزع أسلحة النظام السوري الكيماوية عقب ضربه الغوطة الشرقية عام 2013، لتكون مخرجاً يريح إدارة الرئيس باراك أوباما من اتخاذ إجراءات ترتقي للحد المطلوب الذي يفرضه التحدي الروسي". وكانت جبهة "فتح الشام" قد وصفت عبر تغريدات للمتحدث باسمها حسام الشافعي، عبر حسابه على موقع "تويتر"، تصريحات دي ميستورا بأنها "تنسجم مع سياسة النظام السوري القائمة".

وبموازاة التطورات الأخيرة، صادق مجلس النواب الروسي (الدوما)، أمس، على الاتفاق بين روسيا والنظام السوري، حول نشر وحدات من القوات الجوية الفضائية الروسية على الأراضي السورية "لأجل غير مسمى". وصوّت 446 نائباً لهذا القرار بالإجماع، ما يجزم بأنه لا معارضة حقيقية في روسيا حالياً للخيارات السياسية الرئيسية لإدارة فلاديمير بوتين. وأكد نائب وزير الدفاع الروسي، نيكولاي يانكوف، أن "القرار لن يسبب أي نفقات إضافية في الميزانية الروسية".

ميدانياً، واصلت قوات النظام محاولاتها دخول الأحياء المحاصرة في حلب، من محاور عدة، بغطاءٍ جوي ومدفعي مكثّف على مجمل أحيائها، خصوصاً مناطق الاشتباك. وفي وقتٍ أعلن مقاتلو المعارضة تمكنهم من استعادة السيطرة على جميع النقاط التي تقدمت إليها قوات النظام في حي الشيخ سعيد، جنوب حلب، شنّت الأخيرة مع المليشيات الموالية لها، هجوماً واسعاً من مختلف المحاور على مواقع فصائل المعارضة جنوب غربي حلب.

أما موقع "دايلي بيست" فنقل عن مسؤولين أميركيين، أمس، أن "الهدف هو منع سقوط شرقي حلب، وفي حال تعذّر ذلك، منع سقوط ضواحي دمشق بالاستراتيجية ذاتها التي تنتهجها قوات النظام وروسيا، أي من خلال الضربات الجوية المكثفة والحصار، لكن هؤلاء المسؤولين أوضحوا أن تلك الأسلحة لن تشمل الصواريخ المضادة للطائرات (مانباد)".

كذلك كثفت قوات النظام عملياتها في الغوطتين الشرقية والغربية، وقصف الطيران الحربي مناطق خان الشيح والدرخبية في الغوطة الغربية، إضافة إلى مناطق مختلفة في الغوطة الشرقية، في حين أعلن فيلق الرحمن عن مقتل وجرح العشرات من قوات النظام في تفجير نفق كانت تستخدمه العناصر للتسلل إلى حي القابون بدمشق.