بعد ثاني الجلسات العلنية التي قدمتها هيئة الحقيقة والكرامة، مساء أمس الجمعة، والتي تناولت في جزئها الأول ملف مناضلي اليسار والتعذيب، وأحداث براكة الساحل والتي اعتقلت بموجبها عدة قيادات عسكرية في العام 1991، رأى سياسيون ومسؤولون تونسيون، أنّ هذه الجلسات تختلف عن سابقاتها، وهي ضرورية للكشف عن الانتهاكات التي حصلت، ولكن في الوقت عينه يتوجب على الهيئة النظرُ في بعض النواقص.
وأوضح عضو المكتب السياسي لحراك تونس الإرادة، عماد الدايمي، لـ"العربي الجديد" أنّ جلسات الاستماع عرضت فترات زمنية مختلفة من فترة الاستبداد، وكذلك تجارب تيارات سياسية من مختلف الانتماءات والتي تلتقي وعلى اختلافها في الجانب الإنساني.
واعتبر أنّ هذه التجارب تقدم دروساً في الاعتزاز بالثورة والمكاسب التي جاءت بها، وفي الوقت عينه تحمّل المسؤولية لمن قاموا بانتهاكات من أمنيين وسياسيين. كما أنّها توجّه أيضاً عدة رسائل مهمة للأجيال القادمة.
أما القيادي في حركة النهضة، عبد الحميد الجلاصي، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ الجلسات تنعقد في تاريخ مهم وهو ليلة الاحتفال بتاريخ اندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر/كانون الأول، معتبراً أن موافقة الضحايا على الحديث في العلن، وتقديم شهاداتهم، والتطرق إلى جوانب محرجة من حياتهم، يعتبر نقطة إيجابية رغم التجربة الأليمة.
ولفت إلى أنّ هناك شجاعة وقوة من الضحايا للمطالبة بمساءلة المسؤولين وكشف ما وقع، مشدداً على أنّه لا يمكن ترميم الماضي، فما مضى لا يعوّض، ولكن على الطرف الآخر تفسير ما حصل، لأن في ذلك شفاء للضحية.
بدوره، اعتبر رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، سمير بن عمر لـ"العربي الجديد" أن كل الأحداث مرتبطة بحقبة تاريخية وظرف سياسي معيّن، وبالتالي فإن الشهادات تبقى لها خصوصياتها مقارنة بالشهادات السابقة.
وقال "إنّ انطلاق الجلسات العلنية الثانية ضروري لتعزيز مسار العدالة وهي خطوة مهمة لمعرفة الحقيقة"، مشيراً إلى أن الكشف عن الانتهاكات التي حصلت طيلة 6 عقود من تاريخ تونس، سيمكن من تجاوز الماضي والنظر الى المستقبل.
من جانبه، اعتبر القيادي في الحزب الجمهوري، عصام الشابي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه لم يلحظ اختلافاً في شهادات الضحايا المقدمة مقارنة بأولى الجلسات، رغم أن الحالات بدت مختلفة والفترات السياسية كذلك.
كما بيّن أنّ هناك حضوراً بارزاً للمرأة في ثاني الجلسات، وشهادات لما تعرضت له من انتهاكات، معرباً عن أمله في أن يرتفع نسق الشهادات وأن يتم تقديم اعترافات أخرى تهم الجلادين، وهو ما ينص عليه الدستور ضمن مسار العدالة الانتقالية، فالضحايا يكشفون عن تجاربهم ولكن بروح التسامح والبحث عن مصالحة حقيقية بعيداً عن التشفي.
وفي سياق تقييم الجلسات أيضاً، شدد رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني، لـ"العربي الجديد" أنّ تقديم الضحايا للجلسات خطوة هامة لمعرفة ماضي الانتهاكات، وهو ما سيمّكن من تجاوزها ورفع المظالم، معتبراً أن صوت الضحايا هو الذي سُمع اليوم في انتظار اعترافات الجلادين للاتجاه نحو المصالحة.
يشار إلى أن من ضمن الشهادات المعروضة في ثاني الجلسات العلنية شهادة ضابط عسكري، يدعى سالم كردون، تحدث عن أحداث براكة الساحل التي حوكم فيها رفقة 25 ضابطاً سامياً و82 ضابط صف بتهمة محاولة الانقلاب، مشيراً الى التعذيب والانتهاكات التي طاولته طيلة 25 عاماً.
وأضاف كردون في شهادته أنهم حصلوا على رد اعتبار في فترة الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي كرّمهم بعد الثورة، وأسسسوا جمعية لقدماء العسكريين، لكن مطلبهم الأساسي هو كشف الحقيقة، وحقيقة الاتهامات الكيدية التي طاولتهم في فترة الرئيس المخلوع.