جدل في العراق بعد تراجع الكاظمي عن قرارين في شهر واحد

13 يونيو 2020
الكاظمي برفقة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -
خلال الشهر الأول من عمر حكومته، تراجع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن قرارين اتخذهما، الأول يتعلق بإغلاق مقر مليشيا تورطت بقتل متظاهر وإصابة آخرين في البصرة، والثاني بتخفيض رواتب المتقاعدين ضمن رؤيته لمعالجة الأزمة المالية، إذ أعيد افتتاح مقر المليشيا في البصرة، بتسوية وُصفت بالسياسية، قبل أن يعلن الخميس عن أن المبالغ المقتطعة من المتقاعدين ستتم إعادة دفعها، إثر الضجة الشعبية التي سببها القرار، وهو ما أثار جدلاً في الأوساط السياسية، إذ عدتها بعض الكتل دليلاً على عدم وجود خطة أو رؤية واضحة في إدارة الحكومة.
وتتطلب المرحلة التي يمرّ بها العراق، من أزمة مالية خطيرة، وما ينتظره الشارع من قرارات لإصلاح تركة الحكومات السابقة، من خلال تحجيم الفساد وسحب السلاح المنفلت، وغيرها ممّا تعهد بتنفيذه الكاظمي، قرارات حاسمة لا يمكن التراجع عنها، وفقاً لما يراه مراقبون، والذين حذروا من الارتباك، في ما وصفوها بالقرارات المصيرية.
وأصدر الكاظمي، منتصف الشهر الماضي، قراراً بإغلاق مقر مليشيا "ثأر الله"، في محافظة البصرة، إثر إطلاق عناصرها النار على المتظاهرين، وقتل أحدهم وإصابة آخرين، إلا أن القرار لم يصمد أكثر من أسبوع واحد فقط، بعدما تراجع الكاظمي عنه وإعادته المقر للمليشيا.
وفي إطار خطته لتجاوز الأزمة المالية، وجّه الكاظمي أخيراً بفرض اقتطاعات على رواتب المتقاعدين والموظفين، وصلت إلى نحو 30 بالمائة، ما أثار ردود فعل غاضبة ضد القرار، الذي تخلّى عنه البرلمان وسارع بالتصويت على قرار يرفض أي اقتطاع من رواتب الموظفين أو المتقاعدين، الأمر الذي دفع الكاظمي الى التراجع عن قراره، والبدء بإعادة المبالغ المقتطعة.
ووفقاً لهيئة التقاعد العامة، فإنها "أعادت حتى الآن، نسبة 99 بالمائة من تلك المبالغ، وأن ما تبقى منها ستتم إعادته للمتقاعدين مع راتب الشهر المقبل".
كما أن الضغوط والتهديد المباشر وغير المباشر، من قبل بعض الجهات السياسية والمنتفعة من الفساد، منعت الكاظمي من اتخاذ أي قرار بشأن إلغاء الرواتب المزدوجة، ورواتب من يُسمّون بـ"الفضائيين"، وهم الموظفون الوهميون، ولا حتى رواتب من يُسمّون بالمتضررين السياسيين، كرواتب "محتجزي رفحاء" أو السجناء السياسيين، وغيرها، والتي تكلف موازنة الدولة مليارات الدولارات شهرياً.
كل ذلك تسبّب بإحراج للكاظمي، الذي تعرض إلى انتقادات لاذعة من بعض الأطراف التي عدّت خطواته "تخبطاً، يعكس أزمة في إدارة الدولة". وقال زعيم "ائتلاف الوطنية" إياد علاوي، في تغريدة له عبر "تويتر"، إن "تراجع الكاظمي عن قرار استقطاع رواتب المتقاعدين، وتضارب تصريحاته مع تصريحات مستشاريه، يعكس حقيقة التخبط القائم، ويؤكد أن أزمة العراق إدارية وسياسية قبل أن تكون مالية".

أمّا المتحدث باسم "جبهة الإنقاذ والتنمية"، عبد الكريم عبطان، فقد دعا الكاظمي إلى أن "يفك أسره" من الأطراف السياسية، ويتخذ قرارات حاسمة لا يتراجع عنها، لإصلاح البلاد. وقال عبطان، لـ"العربي الجديد"، إنه "على الكاظمي ألا يعتمد في قراراته على خبراء يتمتعون بالخبرة العالية باتخاذ القرارات المهمة في إدارة البلد"، مشدداً على أنه "لا يمكن أن يذهب الكاظمي لزيارة مديرية التقاعد ويعد بعدم استقطاع رواتبهم، ومن ثم يعود لفرض استقطاعات عليهم، ومن ثم يتراجع عن قرار الاستقطاع ويوجه بإعادة المبالغ المستقطعة".
وشدد على أنه يجب أن تكون قرارات رئيس الحكومة حاسمة، وضمن مصلحة البلد، وألا يتراجع عنها، لأن التراجع إذا تكرر سيفقد المواطنين الثقة بقرارات الحكومة، ما يؤدي إلى حالة من عدم الالتزام بأي قرار حكومي، وكل ذلك سينعكس على إدارة الدولة ويجعل قراراتها مرتبكة. ودعا عبطان، الكاظمي إلى أن "يفك نفسه من أسر البرلمان والأطراف الأخرى، وأن تكون له قرارات حاسمة تخص محاربة الفساد، وسحب السلاح المنفلت، وغيرها من القرارات التي تعيد ثقة الشعب به".
وحمّلت أطراف سياسية البرلمان والكتل السياسية المؤثرة مسؤولية في ذلك، مؤكدة أن المرحلة تحتم عليها توفير الدعم والإسناد للكاظمي، باتخاذ القرارات والخطوات اللازمة لتجاوز أزمات البلاد.
وقال النائب عن كتلة "النهج الوطني"، مازن عبد المنعم، في تصريح صحافي، إن "الظرف الراهن الذي يمرّ به العراق صعب للغاية، وإن الكاظمي لا يمكن له أن يتحمل لوحده مسؤولية تجاوز الأزمة المالية والأزمات الأخرى في البلاد"، داعياً إلى "دعم ومساندة الكاظمي، لمواجه تحدي الأزمة المالية، والتي تتطلب قرارات مهمة".
إلى ذلك، حذّر مراقبون من خطورة عدم اتخاذ القرارات الرصينة التي تتطلبها المرحلة، وخطورة التراجع عن أي قرار تقدم عليه الحكومة. وقال الخبير في الشأن السياسي، علي جعفر الغزي، لـ"العربي الجديد"، إن "التراجع عن القرارات من قبل الكاظمي، بداية غير مطمئنة، إذ أن رئيس الحكومة يجب أن يتمتع بالحزم وألا يتخذ أي قرار قبل دراسته من جميع الجوانب، حتى لا يجبر على الاستجابة للضغوط والتراجع عنه"، مؤكداً أن "أي ارتباك وضعف في اتخاذ القرارات سيضع الحكومة على المحك، ولا سيما أن الشعب يريد منها الوفاء بتعهداتها بالإصلاح وسحب السلاح المنفلت، ومحاسبة الفاسدين وقتلة المتظاهرين، وغيرها من الخطوات التي تحتاج إلى قرارات حازمة".
المساهمون