اختبارات داخلية ومحلية تنتظر حكومة علاوي بعد امتحان ثقة البرلمان

22 فبراير 2020
كسب ثقة الشارع من أبرز الاختبارات التي تنتظر علاوي(Getty)
+ الخط -
لا تنبئ المؤشرات الأولوية بتفاؤل كبير بنجاح الحكومة العراقية المنتظرة برئاسة محمد توفيق علاوي، بسبب كثرة الشروط والتحديات أمامها، حتى وإن جرى تمريرها بعد غد الاثنين في جلسة ما زالت حتى الآن غير محسومة.

ففي الوقت الذي تنتظر فيه الأحزاب تصويت البرلمان على التشكيلة الوزارية الجديدة، يستبق المتظاهرون في بغداد وثماني مدن في وسط البلاد وجنوبها هذه التشكيلة بالرفض العلني لكل ما تُفرزه الاتفاقات الحزبية، بما في ذلك اختيار علاوي. في المقابل، تضع قوى سياسية على الرئيس المكلف جملة شروط يجدها مراقبون عصية على التنفيذ، مثل إخراج القوات الأجنبية، وتحديداً الأميركية من البلاد، وهو مطلب القوى التابعة لإيران مثل تحالفي "سائرون" و"البناء".

أما الكتل العربية السُّنية، فتشترط ضمان حصصها من المناصب والمكاسب في حكومة علاوي، فضلاً عن جملة شروط أخرى تفرض أن تنفذها الحكومة الجديدة مثل إعادة النازحين لمدنهم وإخراج فصائل "الحشد الشعبي" منها، وحسم ملف المخطوفين على أيدي المليشيات والمقابر الجماعية وإعمار مدن شمال وغرب العراق، وملف المعتقلين في السجون، والتوازن الوظيفي داخل مؤسسات الدولة.
وتحضر الشروط أيضاً عند القوى الكردية، التي تتمسك بمبدأ "المحاصصة"، وهو العرف الساري في البلاد منذ عام 2003، وتسميه "الاستحقاق الانتخابي"، وهذه التحديات تصطدم هي الأخرى بمطالب المحتجين الصعبة على القوى السياسية، ومنها رحيل الأحزاب في الانتخابات المبكرة، وكشف قتلة المتظاهرين والتأسيس لدولة مدنية تضمن للعراقيين حقوقهم، فضلاً عن الاستجابة لدعوات مرجعية النجف (علي السيستاني) الذي يطالب هو الآخر بمحاربة الفساد ومحاكمة مسبّبي الفوضى في البلاد على المستويات كافة.
على أرض الواقع، تبدو الأحزاب الموالية لإيران، بضغوط منها ووساطات من المسؤول في "حزب الله" اللبناني، محمد كوثراني، خاضعة لتشكيلة علاوي الوزارية. وبحسب التسريبات، فقد ضحّت بمناصب خلال المرحلة المؤقتة الحالية، إلى حين إجراء انتخابات برلمانية لم يُحدد موعدها بعد، وذلك بعد التظاهرات التي أطاحت كل ما لهذه الأحزاب من هيبة وسطوة ومليشيات. ولكن تبقى الأحزاب السياسية الكردية والسُّنية هي المعرقل بالرغم من عدم أهميتها، لكون التحالفين "سائرون" و"البناء" هما الأكثر من حيث عدد أعضاء البرلمان. إلا أن مراقبين يجدون أن علاوي بمهمة شبه مستحيلة من حيث نجاحها، بسبب عدم امتلاكه أي كتلة داعمة له أو حزب يسنده في مهمته القادمة.


في السياق، قال رعد المكصوصي، وهو عضو في تحالف "سائرون" ونائب في البرلمان العراقي إن "التحديات التي ستواجه علاوي لا حصر لها، لكن نجاحه يكمن في مدى استجابته وتنفيذه لمطالب المحتجين التي نقف معها ونساندها في تحالف سائرون، وقد اشترطنا على علاوي أن تكون أولى خطوات برنامجه إرضاء المتظاهرين وتنفيذ كل مطالب المشروعة بلا تأخير"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "هناك جهات سياسية داخلية وخارجية تقف بالضد من الإصلاحات التي تعمل لأجلها الحكومة الجديدة وتساندها القوى الوطنية، وضحى لأجلها المتظاهرون".
وأوضح أن "من أبرز الملفات التي لا بد أن تعمل الحكومة العراقية الجديدة على تحقيقها، إخراج القوات الأجنبية المفروضة على المستويات الشعبية والسياسية والدينية، التي سببت كوارث أمنية منذ سنوات في العراق، ولا سيما أن البرلمان العراقي صوت على إخراجها، ولم يبق غير التطبيق الحكومي لهذا القرار"، مستكملاً حديثه بأن "آفة الفساد في الوزارات والمؤسسات الحكومية، تعتبر تحدياً كارثياً سيواجه كل الوزراء الذين سيعملون خلال المرحلة المقبلة".
أما عبد العظيم الدراجي، وهو عضو تحالف "الفتح"، الذي يمثل الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، فقد أكد أن "إخراج القوات الأميركية من العراق، هو الذي سيُظهر مدى قوة الحكومة ووطنيتها، ومن غير تحقيق هذا التحدي، ستكون الحكومة معزولة عن مطالب الشعب وطموحاته، ويعقب إخراج القوات الأجنبية تنفيذ الاتفاقية الاستراتيجية مع الصين"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "الكتل السياسية تخشى دعم علاوي علانية بسبب الانقلاب عليه في أي لحظة، وهو ما انتهجه التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، لأن القناعة بفشل الحكومة الجديدة أكبر من نجاحها، بسبب صعوبة المرحلة وكثرة التحديات".

من جهته، لفت السياسي العراقي، مثال الألوسي، إلى أن "النظام السياسي في العراق لم يتمكن من إدارة البلاد بطريقة غير طائفية تحاصصية ومذهبية وقومية مقيتة، وعلى الرغم من الثورة التي يقودها الشباب في الساحات العراقية، والدماء التي سالت من أجل إصلاح الوضع، لا تزال ذات الأحزاب تلعب ذات أدوارها السابقة، ومن غير الواقعي أن يُعول على هذه الكيانات السياسية المتهمة بالقتل والتصفيات وسرقة أموال العراقيين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "علاوي قد يفشل في تنفيذ مطالب المتظاهرين، وهي أهم تحدٍّ سيواجهه، لأن تنفيذها يعني التصادم مع الفصائل والمليشيات المسلحة التي تمتلك عمقاً سياسياً وصداقات إقليمية، وعدم تنفيذ ما يريده المحتجون يعني سقوط الحكومة والنظام بالكامل".
ويتفق المحلل السياسي العراقي، واثق الهاشمي، مع الألوسي، من باب "سقوط النظام"، في حين أنه رأى أن "علاوي سيواجه ذات التحديات التي واجهها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، ذلك لأنه جاء ضمن ذات السيناريو، أي من طريق التسويات السياسية، وليس عبر كتلة ينتمي إليها رئيس الوزراء".


وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الكتل السياسية قد تنقلب عليه في أي لحظة، كما حدث مع عبد المهدي، ولكن هناك اتفاق ضمني إيراني أميركي على دعم حكومته، ولكن الكارثة بما سيجيء بعد التمرير، لأن المرحلة العراقية الجديدة ستكون أعقد مرحلة في مراحل ما بعد عام 2003".
ودعا رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي، الأربعاء الماضي، البرلمان إلى الانعقاد يوم الاثنين المقبل، للتصويت على تشكيلته الحكومية، قائلاً إنه إذا لم تمرر الحكومة، "فاعلموا أن هناك جهات ما زالت تعمل ضد الإصلاح في العراق". ووعد فور نيل الحكومة الثقة بـ"العمل على اتخاذ خطوات لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة"، مؤكداً أن من أولى مهام حكومته التحقيق في قتل المحتجين، فيما دافع عن تشكيلته الوزارية، قائلاً إنها قد اختيرت لما يتصف به أصحابها من كفاءة ومؤهلات.

وشهدت الأيام الماضية اجتماعات مكثفة جمعت قادة الكتل السياسية بعلاوي، من أجل الوصول الى اتفاق وتوافق بشأن التشكيلة الوزارية، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال بعض النقاط الخلافية قائمة بين هذه القوى، خصوصاً داخل تحالف "القوى" الذي يقدم نفسه ممثلاً عن العرب السُّنة و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، اللذين يصران على حقهما في تسمية وزراء بحكومة علاوي، وأضيف إلى هذا الشرط آخر سبّب عرقلة سير الحوارات، هو تحديد موعد للانتخابات المبكرة في البرنامج الحكومي، ليكون ملزماً للجهات التنفيذية والسياسية.

المساهمون