تونس: الشاهد يباشر مهامه على وقع ألغام سياسية وأمنية

30 اغسطس 2016
الصيد يذكر الشاهد بحجم الصعوبات التي تنتظره (فرانس برس)
+ الخط -
تسلم رئيس الحكومة التونسية الجديدة، يوسف الشاهد، مهامه رسمياً خلفاً للحبيب الصيد، أمس الاثنين، على وقع اعتداء مسلح استهدف دورية للجيش التونسي في جبل سمامة بولاية القصرين، الواقعة على الحدود مع الجزائر، مما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة سبعة آخرين، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع التونسية. ويحمل هذا الاعتداء بعداً رمزياً بالغ الدلالات، إذ يضع مسألة الأمن والاستقرار على رأس التحديات التي تواجهها حكومة الشاهد، في وقت ستكون فيه منهمكة بإيجاد معالجات وحلول لأزمة البلاد الاقتصادية والاجتماعية الحادة.

حول تفاصيل هذا التطور الميداني، قال الناطق الرسمي باسم الوزارة، العقيد بلحسن الوسلاتي، إن "إرهابيين" هاجموا بـ"شحنة كبيرة من المتفجرات" دورية عسكرية كانت "تؤمن عمال شركة مدنية لتعبيد الطريق بجبل سمامة" ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة سبعة آخرين. وأوضح أن أحد الجرحى "أصيب بشظية والبقية حالتهم مستقرة". وأضاف أن الجيش أطلق النار على المهاجمين "ومنعهم من الاقتراب من عربات عسكرية وتفجيرها" وأصاب منهم "اثنين على الأقل".

وإذا كان الاعتداء رسالة أمنية واضحة تلقاها الشاهد خلال جلسة التسليم والتسلم، إلا أنه تلقى أيضاً أكثر من رسالة سياسية وجهها له سلفه، ليذكره بحجم الصعوبات التي تنتظره. وكان واضحاً في جلسة الأمس أن الصيد لم يهضم بعد عملية إبعاده عن السلطة، ملمحاً إلى خلفه بالتمني بأن ينجح في البقاء في مهامه لفترة أطول من السنة والنصف التي قضاها على رأس الحكومة.

وانتقد الصيد مبادرة الوحدة الوطنية التي أطلقها الرئيس الباجي قائد السبسي، وانتهت بوثيقة قرطاج دون أن تتضمن شيئاً مهماً بحسب تلميح الصيد، مقارنة بمخطط التنمية للفترة 2017-2020 الذي وضعته حكومته، وسلم نسخة منه أمس لرئيس الحكومة الجديد.

ويبدو أن الشاهد، الذي كان وزيراً في حكومة الصيد، استمع جيداً لنصائح سلفه، الذي عدّد أمامه ما ينتظره من ملفات صعبة، لا تبدأ مع محاربة الفساد، وترشيد المؤشرات الاقتصادية والحد من المديونية، ودفع الاستثمار وخلق فرص عمل، ولا تنتهي مع الوضع الاجتماعي الصعب بسبب الخلافات الكبيرة بين العمال ورجال الأعمال، وانتفاضات المناطق المحرومة، ومكافحة الاٍرهاب.


ويدرك الشاهد، أن هذه المهام الجسيمة والمعقدة تحتاج أولاً لمناخ سياسي سليم، يحقق فكرة الوحدة الوطنية على الأرض، وليس على مستوى الخطاب اللفظي فقط. ولعله يحتاج إلى حكومة متضامنة، لا يعمل فيها كل وزير لصالح حزبه، ولا يستقيل منها المحايدون أو أصحاب الكفاءات من السجال السياسي الوطني، وهو ما شهدته حكومة الصيد بالتفصيل، ودفعت ثمنه لاحقاً.

كذلك، يعرف الشاهد أن عمل الحكومة سيصطدم بواقع سياسي جديد بعد الانتخابات المحلية المرتقبة بعد أشهر. ذلك أن القوانين المتعلقة بهذه الانتخابات تمنح الجهات حيزاً كبيراً من الاستقلالية في اتخاذ القرار والتصرف، ما يعني أن المجالس المحلية في الجهات ستتحول إلى "فضاء سياسي ملغوم"، سيمكّن الأحزاب التونسية الفائزة فيها من السيطرة على الوضع السياسي العام.

وفي ظل هذا المناخ، وأمام سيل الاعتراضات والمزايدات التي عاشها الشاهد أثناء تشكيل حكومته، هو يدرك جيداً أن مناخ الثقة بينه وبين الأحزاب التي انضمت إلى حكومته ليس بالأمر المضمون، وهو ما يستدعي مهارة سياسية لإقناعهم بأن المركبة قد تغرق بالجميع، ولكنها ستنقذ الجميع أيضاً في حال نجح التعاون بينهم، وبالتالي فلن يجني الشاهد ثمار النجاة وحده.

ومن خارج الحكومة أيضاً، سيكون الشاهد في مواجهة معارضة شرسة، أثبتت التجارب أن وزنها المحدود في البرلمان ليس محدداً لحجمها خارجه. وقد نجحت في حشد الرأي العام لمواجهة عدة قوانين، وتمكنت من إسقاطها. وهو ما يعني أن بإمكانها تحريك الشارع من جديد للاعتراض على إجراءات حكومية صعبة وغير شعبية كالتي يُروَّج لها الآن، على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي.

وتلقى الشاهد رسالة واضحة وصريحة أمام البرلمان من رئيس كتلة الجبهة الشعبية اليسارية، أحمد الصديق، حين خاطبه قائلاً: "لا يحلم أحد بأنه قادر على منع الاحتجاجات السلمية"، التي شكلت عقدة كل الحكومات السابقة. وهو ما يفسر استنجاد السبسي في بداية مبادرته الوطنية، بالاتحاد العام التونسي للشغل، وتأكيده أن لا معنى للمبادرة ولحكومة الوحدة الوطنية إذا لم تدخلها النقابة. وهو ما يفسر أيضاً ضم نقابيين سابقين اثنين إلى التشكيلة الحكومية الجديدة، هما محمد بن صالح في وزارة الشؤون الاجتماعية، وعبيد البريكي في وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة.

لكن اتحاد الشغل ردد أكثر من مرة أن هذين الوزيرين لا يمثلانه. وأضاف في بيان أن الشاهد مسؤول عن اختياراته التي قال إنها ضمّت كفاءات لا خلاف حولها ولكنها في الوقت نفسه خيارات لم تخلُ من الترضيات الحزبية وضمّت بعض الأسماء التي لا علاقة لها بطبيعة المرحلة التي تمرّ بها البلاد. وهو ما قد يمثّل عائقاً في الالتزام بالبرنامج المتوافق حوله في إعلان قرطاج، وفق بيان اتحاد الشغل. ولعل موقف هذا الاتحاد، بوصفه عَصَب الحياة السياسية في تونس، أصبح واضحاً، ويتمثل بالتأكيد على أن الاشتراك في المبادرة لا يعني "شيكاً على بياض" للشاهد أو للمبادرة. ولذلك سارع الشاهد إلى الإعلان أن حكومته "ليست حكومة تقشف، ولا نية لها بالتفريط بالمؤسسات العمومية الكبرى كما تم الترويج له".

وسيكون الشاهد بحاجة إلى دعم دولي كبير، يطيل فترة الصبر على التجربة التونسية، ويؤجل ديونها المتراكمة ولا سيما مستحقات السنة المقبلة. ولا بد من دعم كهذا من أجل جذب المزيد من الاستثمارات إلى البلاد وخلق فرص عمل جديدة، وكذلك من أجل تعزيز الإمكانات العسكرية واللوجستية لدعم مكافحة الإرهاب في تونس.

وجاءت أولى رسائل الدعم من الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن دعمه لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة، أثر نيلها الثقة. وذكر بيان صادر عن مكتب العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، أن "تونس تمر بعد خمس سنوات من الثورة بمرحلة حاسمة من تاريخها، بما أن الشعب التونسي اختار نموذج مجتمع منفتح وتقدمي، ما يمثل مصدراً للأمل في المنطقة". وأوضح البيان أن "تونس تواجه تحديات كبيرة على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لضمان الأمن والحكم الرشيد، والاستمرار في التنفيذ الفعال للدستور الجديد"، داعياً لـ "مواصلة عمل حكومة الحبيب الصيد السابقة، في إعداد المشاريع التنموية الكبرى التي تحتاج إليها البلاد، لتكثيف الشراكة المتميزة بين تونس والاتحاد الذي قدم منذ قيام الثورة، جميع الوسائل السياسية والتقنية والمالية لدعم الشعب التونسي في مرحلته الانتقالية". وجدد الاتحاد عزمه الاستمرار في تعاون وثيق مع حكومة الشاهد وإشراك كافة قوى المجتمع المدني من أجل تحسين حياة التونسيين.

وسيكون على الشاهد أخيراً، أن يدحض كل الاتهامات التي تعتبر أن الغاية من مجيئه إلى السلطة ترتبط بتنفيذ مشاريع المؤسسات الدولية التي "لم تخلف إلا الخراب حيثما مرت"، بحسب بعض المراقبين.

المساهمون