ومن خلال المقابلات التي أجرتها المجلة في ثلاث قارات مع أكثر من 30 شخصا- ناشطون وخبراء أمنيون وأقارب لمخفيين قسراً ومسؤولون حكوميون أميركيون وأوروبيون وشرق أوسطيون- ظهرت صورة أكثر وضوحا حول سجن السلطات السعودية أو استعادة- أو حتى قتل- من يجرؤ على معارضة سياسات المملكة أو يشوّه صورة الدولة بطريقة أو بأخرى.
ويضم التحقيق قصص ثمانية أشخاص اختُطفوا مؤخرا - وقصص أربعة آخرين تمكنوا من الهرب -كجزء من برنامج منظم يتجاوز جريمة قتل جمال خاشقجي، كما توصل التحقيق إلى أن الحملة السعودية لتعقب معارضيها لا رحمة ولا هوادة فيها، وتشبه إلى حد كبير تصرفات عصابة إجرامية، أكثر من كونها حليفاً تقليدياً وعصرياً للولايات المتحدة.
وبعد أن سرد تحقيق المجلة قصص نجاة الأمير (خالد بن فرحان) والناشط (عمر بن عبدالعزيز) وضابط الطيران (يحيى عسيري) من مصائد النظام السعودي في ألمانيا وكندا والسعودية، أشار إلى أنهم كانوا محظوظين لتمكنهم من الإفلات من النظام الذي تمكن من اصطياد آخرين وإعادتهم إلى بلدهم عن طريق الرشاوى أو بالقوة.
وقال التحقيق إن النظام أرسل عملاءه أحيانا إلى الخارج لإسكات أو تحييد خصومه المفترضين، لافتا إلى أن بعض من تم اعتقالهم انتهى بهم الأمر بالاختفاء، وأن آخرين ما يزالون مسجونين ولم يعد يُسمع عنهم شيء.
وذكرت المجلة أن عمليات اختطاف المعارضين السعوديين تزايدت مع وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السلطة، لافتة إلى أن أول عملية اختطاف سعودي معروفة وقعت في عام 1979 (عندما اختفى أحد المنشقين السعوديين البارزين في بيروت).
وبحسب التقرير، فإن السعودية تستهدف من تعتقد أنهم يعملون ضد مصالح النظام من منشقين وطلاب، وأمراء ورجال أعمال بارزين، إضافة إلى الأعداء الشخصيين لبن سلمان في حوالي اثني عشر بلدا، بما فيها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وسويسرا وألمانيا والأردن والإمارات والكويت والمغرب والصين.
تعقب المنشقين عبر الإنترنت
ذكرت المجلة أن عدداً من أمراء دول الخليج العربي بدأوا يخشون معارضيهم بعد أن نشروا مظالمهم أو نظموا احتجاجات عبر الإنترنت في فترة الربيع العربي، ناقلة عن خبير أمني غربي عمل في السعودية مستشارا للنخبة الحاكمة والوزارات السعودية قوله إن الملك السعودي حينها، عبدالله بن عبد العزيز، رأى أهمية حقيقية في وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الأمر، واعتقد أن الشبكة قد تعمل في الواقع على تضييق الفجوة بين الأسرة الحاكمة ومواطنيها. وأضاف أنه لم يكن لدى المملكة هوس بتتبع وسائل التواصل الاجتماعي أو مراقبة المنشقين أو المعارضين، وأنها استخدمت الإنترنت لمعرفة المشكلات الاجتماعية ونقاط الضعف الاقتصادية وأوجه القصور من أجل معالجتها في وقت مبكر.
وذكر التحقيق أن سعود القحطاني أسهم لاحقا في تشكيل سياسة المملكة في الأمن السيبراني بعد أن كلفه رئيس الديوان الملكي خالد التويجري بمراقبة جميع أشكال وسائل الإعلام، مع التركيز بشكل خاص على أمن الشبكة العنكبوتية، مشيرة إلى أن القحطاني شكل شبكة قراصنة لملاحقة منتقدي الحكومة في الداخل والخارج.
وعمل "القحطاني"، حسب التحقيق، مع شركة "هاكينغ تيم" الإيطالية، التي تقوم ببيع أنظمة للقيام بالهجمات الإلكترونية، مشيرا إلى أن السعودية استعانت أيضا بمجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية، التي طورت برنامجا باسم "بيغاسوس" لعب دورا في محاولة اصطياد ثلاثة معارضين سعوديين تم مقابلتهم في هذا التحقيق.
"العملية المارقة"
وطبقا للتحقيق، فإن السعودية سارعت بعد أيام قليلة من مقتل خاشقجي، لاحتواء التداعيات الدبلوماسية من خلال وصف الجريمة بأنها "عملية مارقة"، مشددة على أن العملية لم تكن أمرا استثنائيا، حيث اتضح بعد وقت قصير من الجريمة أن النظام يرسل فرقاً قتل عبر الحدود لإعادة المعارضين السعوديين.
ونقل التحقيق عن سعوديين يقيمان في الولايات المتحدة قولهما إن عملاء فيدراليين اتصلوا بهما وأعطوهما بطاقات اتصال بهدف توفير الأمن لهما في حالة الضرورة. وأشار التحقيق إلى أن التهديدات ذاتها برزت في كندا وفي أوروبا، ففي إبريل/نيسان، حيث تلقى أحد الأصدقاء المقربين من خاشقجي، الناشط الفلسطيني إياد البغدادي، المقيم في أوسلو، تحذيرات من المخابرات النرويجية بأن السعودية تعتبره عدوا للدولة. وكشفت المجلة أن بعض العمليات لإسكات المعارضة تمت في دول حليفة للسعودية، بما فيها فرنسا والمغرب.
وذكرت المجلة أنه تم إعدام 37 سعوديا اتهمتهم بالتمرد في إبريل الماضي، بمن فيهم شخصا شارك في مظاهرة طلابية حين كان قاصرا، لافتة إلى أن بن سلمان نفذ قبل عامين، كجزء مما سمّاها "حملة مكافحة فساد"، عمليات اعتقال طاولت 400 أمير ورجل أعمال ومسؤول حكومي تم الإفراج عنهم بعد أن انتزعت الحكومة 100 مليار دولار من ممتلكاتهم، ولا يزال مكان اختفاء 64 منهم غير معروف.