24 ساعة قبل أستانة السوري: صراع أجندات إيرانية روسية

22 يناير 2017
يرأس حسين جابري أنصاري الوفد الإيراني (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
قبل 24 ساعة من انطلاق الاجتماعات السورية برعاية تركية ــ روسية في عاصمة كازاخستان، أستانة، وبمشاركة دولية تتفاوت مستوياتها وفي ظل غياب عربي فعلي، برز أمس السبت تطوران ينبئان بنتائج هزيلة لمؤتمر أستانة؛ أولاً، ظهرت ملامح خلاف أجندات إيرانية ــ روسية، ترجمت بتصريح غير مسبوق عن الكرملين، اعتبر أن الموقف الإيراني من المشاركة الأميركية في المحادثات، يساهم في تعقيد الاجتماعات المقررة، فيما لا تستبعد المعارضة السورية ما وصفته بـ"فخاخ روسية إيرانية"، مؤكدة أنها "تتحسب لكل شيء". وثانياً، ارتأت الولايات المتحدة تخفيض مستوى مشاركتها في مؤتمر أستانة، بإعلان وزارة الخارجية الأميركية أنها لن ترسل وفداً للمشاركة في المحادثات السورية هناك، وتأكيدها على أنها ستمثل في المؤتمر من خلال سفير أميركا في كازاخستان، جورج كرول، ما يعني مشاركة باهتة من الناحية الدبلوماسية.

وتبدأ غداً الاثنين الاجتماعات الرسمية لمباحثات أستانة بين المعارضة السورية المسلحة وبين النظام، في محاولة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في الثلاثين من الشهر الماضي، ودعمه مجلس الأمن الدولي. وساعدت الشراكة التركية الروسية الصاعدة في جمع المعارضة السورية المسلحة ونظام بشار الأسد على طاولة تفاوض في ظل معطيات دولية تندرج جميعها تحت عنوان التخلي العالمي عن الثورة السورية وترك المعارضة لمصيرها.

وأبدت مصادر رفيعة المستوى في "الائتلاف الوطني السوري" خشية واضحة "من فرض الإيقاع الروسي على المباحثات، لا سيما في ظل عدم وجود السعودية وقطر وحرص الأتراك على إرضاء الروس، وفي وقت باتت فيه أنقرة مثقلة بعلاقة غير متوازنة مع الغرب إثر محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف العام الماضي". وتشير المصادر نفسها إلى وجود مؤشرات على حرص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على إنجاح المؤتمر من أجل الحصول على "نصر استباقي" قبل أن يلتفت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للملفات الخارجية الساخنة، ومنها الملف السوري.

وقالت مصادر المعارضة في حديث مع "العربي الجديد": "إن تسلسل الأحداث يجعلنا غير مرتاحين لموضوع أستانة". وأشارت إلى أن الروس كانوا حرصاء على وجود عسكريين وقادة فصائل في الواجهة، في محاولة لاستغلال عدم درايتهم بالعمل التفاوضي وتفاصيله المرهقة التي ربما تتسبب بمشاكل على الصعيد القانوني، خصوصاً لجهة قراءات مختلفة من قبل الأطراف لأي مخرجات تصدر عن المؤتمر. لكن المصادر لفتت إلى أن وجود سياسيين ورجال قانون ضمن الوفد التقني والاستشاري "يلعب دوراً في تبديد بعض المخاوف وليس كلها"، موضحةً أن عدم وجود مرجعيات الثورة والمعارضة بشكل رسمي في المباحثات "لا يعني أننا بعيدون عن الحدث".


وضغطت إيران باتجاه تحييد أطراف إقليمية عن مباحثات أستانة، أبرزها قطر والسعودية، خشية أن تشكّل مركز ثقل كبير يدفع باتجاه ترسيخ ما لا تريده طهران وهو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بشكل لا تستطيع خرقه، وهي الجاهدة إلى فرض هيمنة كاملة على دمشق وريفها.
وتحاول المعارضة السورية المسلحة تحقيق إجماع كامل على مباحثات أستانة في محاولة لعدم ترك "ثغرات" يمكن أن تضعف موقفها. وهذا ما يفسّر تراجع فصائل عن موقف لها رافض للذهاب إلى المؤتمر، إذ أرسل "جيش المجاهدين"، أحد أكبر فصائل المعارضة في ريف حلب الغربي، ممثلاً له إلى أستانة، عضو مكتبه السياسي، محمد عبد الحي. كما يشارك فصيل "ثوار الشام" أحد فصائل المعارضة المسلحة في ريف حلب، بمباحثات أستانة، ويمثله هاني الخالد. وقرر "تجمع أحرار عشائر الجنوب" المشاركة "لأن الذهاب إلى أستانة فيه من المصلحة الكبرى، أكثر من عدم الذهاب وترك الساحة السياسية للنظام المجرم والمعارضة المزيفة"، وفق بيان صدر عن التجمع الفاعل في محافظة درعا جنوب سورية.

ودعمت المعارضة المسلحة وفدها الاستشاري بالعديد من القانونيين، والمستشارين الدبلوماسيين. وانضم إلى الوفد سفير سورية السابق في الإمارات، عبد اللطيف الدباغ، الذي انشق عن النظام منتصف عام 2012. وأكد مصدر في وفد المعارضة الاستشاري أن "المصلحة تقتضي عدم التحدث الآن عن أي شيء يتعلق بمجريات المباحثات". وقال لـ"العربي الجديد" إن هناك خشية من "أفخاخ روسية إيرانية" في المؤتمر، مشدداً على أن الوفد "لن يقطع أمراً من دون العودة للمستشارين، ومرجعيات الثورة، وقادتها في الداخل السوري".

ومن المتوقع أن تشهد أستانة اجتماعات مشتركة بين وفد الفصائل والجانب الروسي قبيل الاجتماعات الرسمية، للتباحث في أجندات المباحثات الجوهرية. وأكدت مصادر في الوفد أن تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار أولوية بالنسبة للمعارضة، مضيفة لـ"العربي الجديد": "لا يمكن الانتقال إلى بحث أي ملفات أخرى قبل التأكد من تثبيت الاتفاق، وإيجاد آليات مراقبة ومحاسبة". وأشارت المصادر إلى أن ما جرى ولا يزال يجري في منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق وفي الغوطة الشرقية، يؤكد أن النظام ليس جاداً في تمهيد الطريق لتسوية شاملة، وأن هدفه من حضور المؤتمر ليس أكثر من عملية "شراء للوقت"، واستعراض قدرته على إفساد أي مسعى لإيجاد حلول للأزمة السورية، وفق المصادر. وأعربت عن قناعتها بأن النظام وإيران سيحاولان حرْف مسار المؤتمر من خلال القفز إلى قضية "محاربة الإرهاب"، وربط أي تسوية به في محاولة جديدة للتهرب من استحقاقات سياسية يأتي في مقدمتها تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، الداعية إلى انتقال سياسي يحاول الأسد بشتى السبل تجنبه، لأنه يتناول مصيره.

واستبقت موسكو مباحثات أستانة باتهام طهران بشكل غير مباشر بتعقيد المباحثات من خلال رفض إيران مشاركة الولايات المتحدة في المؤتمر. وأعرب المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، عن خشيته من فشل المحادثات "نظراً لمشاركة أعداد كبيرة من الأطراف في المفاوضات". وقال بيسكوف لقناة إعلامية روسية، إنه "من غير المرجح التوصل إلى أي اتفاقيات في أستانة نظراً لمشاركة أطراف عديدة، مما قد يهدد الانسجام اللازم في المفاوضات". كما رأى أن موقف إيران الرافض لمشاركة واشنطن في محادثات أستانة حول سورية، "يسهم في تعقيد مسألة المشاركة الأميركية في المحادثات، وذلك بصفة طهران لاعباً هاماً في التسوية السورية".


وفي حديث مشابه أدلى به بيسكوف لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أمس السبت، قال بيسكوف: "مما لا شك فيه أننا رحبنا بالمشاركة الأميركية في أستانة لأن الدور الأميركي البناء لا يمكن الاستغناء عنه للوصول إلى حل، والوضع غاية في التعقيد في ظل وجود إيران لاعباً هاماً في المسألة السورية وعدم ترحيب الإيرانيين بالولايات المتحدة". غير أن المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اعتبرت أن "هذا الموضوع نوقش بين الأطراف المشرفة على اللقاء، ولا داعي للتهويل حول وجود خلافات بينهم، وهم على اتصال مستمر لحل القضايا كافة التي لا تزال عالقة". في المقابل، أشارت صحيفة "كوميرسانت" الروسية إلى أن الانقسام في داخل الثلاثي موسكو-أنقرة-طهران، يعقد إلى حد كبير حظوظ اجتماعات أستانة.

ويوحي التصريح الروسي أن موسكو ربما لن تقف متفرجة على محاولات إيران المتوقعة لإفساد المباحثات عن طريق رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، وهو من أبرز الشخصيات المقربة من طهران والتي ساعدت ولا تزال تساعد في فرض أجندة إيران في القضية السورية.

وحاولت موسكو وطهران التستر على خلافاتهما في سورية طيلة سنوات بسبب حاجة كل طرف التكتيكية للآخر في سياق الصراع على سورية. ولكن سرعان ما بدأت هذه الخلافات تطفو على السطح بعد الوصول إلى مرحلة "تقاسم التركة السورية"، وتحوّل نظام الأسد إلى واجهة تحاول إرضاء الطرفين على حساب راهن ومستقبل البلاد من أجل البقاء في السلطة. ونالت موسكو جل ما خططت وسعت اليه في سورية حيث بات لها قاعدتان دائمتان في ساحل المتوسط الشرقي ليتحقق حلم روسي منذ أيام القياصرة بالوصول إلى المياه الدافئة في الشرق الأوسط.

وتبدو موسكو من خلال هذا "الإنجاز" في موقع أكثر قوة في سياق حرب باردة بينها وبين الغرب على النفوذ في العالم. ولا تتمسك موسكو ببشار الأسد على رأس السلطة، لكنها تعلن أنها لن تسمح بـ"إسقاط النظام"، وعينها دائماً على وزارة الدفاع لأنها ترى فيها الضامن لذلك. وهي قدمت "أوسمة" لضباط في جيش النظام من أجل تأكيد سطوتها على هذه الوزارة. في المقابل، تبدو إيران في سباق مع الزمن لتنفيذ ما سعت إليه في سورية من هيمنة عسكرية، واقتصادية، وعقائدية لتحويل هذا البلد إلى "قلعة متقدمة" في سياق ما تسميه "تصدير الثورة" مذهبياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.

ويرأس الوفد الإيراني في مباحثات أستانة مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، حسين جابري أنصاري، وهو المشرف على الملف السوري في وزارة الخارجية الإيرانية. ويصنّف ضمن "صقور" هذه الوزارة، ما يؤكد نيّة إيران عدم إبداء أي مرونة في المباحثات من شأنها التوصل إلى مخرجات "إيجابية". كما يأتي اختيار بشار الجعفري رئيساً لوفد النظام في هذا السياق، وهو من الرافضين بشدة للتحاور مع المعارضة السورية، ويعتبر كل من يطالب بتغيير النظام مجرد "إرهابي" يجب التعامل معه بقسوة. وذكرت مصادر إعلامية أن وفد تركيا سيرأسه نائب مستشار وزارة الخارجية، سادات أونال، مع مسؤولين في جهاز الاستخبارات وهيئة الأركان العامة، ما يؤكد حرص أنقرة على التوصل لاتفاق يجنب المعارضة السورية "أي مطبات تفصيلية"، من المتوقع أن يقوم بها وفد النظام.

ويرسل الرئيس الروسي، بوتين، ممثله الخاص ألكسندر لافرنتييف، بصحبة مبعوث بلاده إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، وهو ما يثبت حرص بوتين على إنجاح هذا المؤتمر، والحصول على "نصر استباقي" قبل أن تبدأ إدارة ترامب بوضع يدها على الملفات الأكثر أهمية ومنها الملف السوري.