"المركز العربي" في باريس يستضيف برتران بادي والمؤرخ دومينيك فيدال

09 نوفمبر 2019
ناقش الباحثان المتغيرات الدولية (العربي الجديد)
+ الخط -
استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، الباحث برتران بادي والمؤرخ دومينيك فيدال، في لقاء يوم الثلاثاء الماضي، بعنوان "نهاية الزعامة الأميركية؟".


وأكَّد برتران بادي أنه لم يأت للتحدث عن أميركا وترامب اليوم، بل يحاول تجاوز الأفكار البسيطة ومنها مثلا "الانحدار الأميركي"، إذ لا يوجد انحدار وأميركا في وضعية جيدة على المستوى الاقتصادي والثقافي والقوة الناعمة.

واستذكر بادي بكاء وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس في خريف 2013، بسبب الانسحاب الأميركي من سورية، حين قرر أوباما عدم مجاراة فرانسوا هولاند بسعيه للتدخل العسكري في سورية وقوله، حينها: "الأمر فظيع، نحن نتجه إلى عالم جديد، يصعب حكمه، وتستولي عليه الفوضى".

ومن هنا طرح بادي سؤالين: كيف يمكن تفسير هذا التحول في موضوع الزعامة؟ وما هي النتائج على المستوى الأميركي والدولي؟ ثم شرح أن هناك تحولا بدأ يراه الرأي العام، ففي استطلاع للرأي سنة 2007 حول من يحكم العالم، أجاب 81 في المائة من 44 بلدا من القارات الخمس، بأنه الولايات المتحدة. وفي سؤال ثان حول من سيحكم العالم سنة 2020، كان جواب 50 في المائة بأنه الولايات المتحدة.

وهي إجابة منطقية إذا علمنا أن الولايات المتحدة كانت تغطّي 22 في المائة من التجارة العالمية، سنة 1948، بينما وصلت النسبة اليوم إلى 8.5 في المائة فقط.

وشدَّد بادي على أن "الاقتصاد الأميركي في عافية، ولكن ثقله في اللعبة الدولية لم يعد كما كان عليه قبل فترة قصيرة"، موضحا أن التحول في العالم عميق، بعد أن كان العالم مقسما إلى معسكرين إلى حدود 1989، إذ كان يدل اسم الحرب الباردة على معناه بشكل جيد، بمعنى أنها جمدت العالم ما بين عامي 1945 و1989.

ثم تحدث بادي عن ثلاثة أحداث كبيرة، زعزعت تقسيم العالم إلى معسكرين: أولها تفكيك الاستعمار، وقد تم ذلك من دون أي تأثير على اللعبة الدولية، وتم إنتاج عالم مشابه لما كان عليه العالم في الزمن الاستعماري. 

العنصر الثاني هو العولمة، والعولمة هي حركة تحوُّل عميقة للعبة الدولية. تترجَم في المقام الأول من خلال "الإدماج الذي يجعل الجميع، باستثناء الفلسطينيين، ينتمون لنفس العالم" بحسب المتحدث. 

أما العنصر الثالث فهو إزالة الاستقطاب، فبعد سقوط جدار برلين قبل ثلاثين سنة، انتصرت الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي وتمت إعادة توحيد ألمانيا.

وبحسب الباحث فتفكيك الاستعمار عمم الانتقادات أما العولمة فقد عممت التبعية المشتركة، وإزالة الاستقطاب كسر لعبة القوى، وهو ما يعني أنه "على الرغم من أن القوة العظمى لا تزال تمتلك ثروات ضخمة، إلا أنها تفقد شيئا فشيئا من قدراتها".

ويتساءل الباحث عن رد فعل الولايات المتحدة على هذه التغيرات ويجيب: "أول رد فعل صدر من الرئيس بوش الأب الذي تحدَّث على الفور عن نظام عالمي جديد. أمّا كلينتون فتعامل وكأنه لم يتغير أي شيء، فكانت ولايتاه الرئاسيتان خسارة وقت بالنسبة لأميركا. ثم جاء الرئيس بوش الابن، الذي تميز بكونه من عبّر عن عقلية المنتصر، وهو ما أدى إلى العقيدة المحافظة الجديدة وما تُرجم بسعي الولايات المتحدة إلى تحويل البلدان الأخرى لتكون على صورتها". وهو ما كلف أميركا غالياً، فالمغامرة العراقية كلَّفت 600 مليار دولار.

وقد حاول باراك أوباما معالجة هذا الوضع. لذلك يعتبر بادي أوباما "الأكثر وضوحا واتزانا ووعيا بالمتغيرات، حين اعتبر أن الزعامة الأميركية في العالم ليست ممكنة، ولهذا اختار سياسية خارجية تتمثل بالانسحاب من الصراعات والتركيز على الاقتصاد.

وانتقل بادي إلى ترامب مشيرا إلى أنه استفاد من خوف بعض الناخبين الأميركيين من العولمة فقرر إرساء معادلة قومية جديدة، حولت القوة العظمى التي أتت بالعولمة إلى منتقد لها. وبحسب بادي فهذا "قلبٌ رائع للتاريخ يُترجم بشكل خاص، أننا معها حين تخدم المصالح الأميركية، وضدها حين لا تفيدها"، و"هنا تصبح العولمة مريبة" بحسب الباحث.

ثم ختم بادي بأنه "لا يجب الخوف، وليس ثمة من سبب يجعلنا نتصور عالماً، من دون هيمنة قوى، خطيرا جدا أو أنه أفضل، لا أفضل ولا أسوأ، إنه على صورة ما سنفعله، والفاعلون ليسوا الاستراتيجيين السياسيين بل هي الحركات الاجتماعية".

ثم تحدث المؤرخ دومينيك فيدال، فابتدأ بما قاله الصحافي يوسي فيرتر، حول الانتخابات الأخيرة في إسرائيل، "إن نتنياهو لم يكن أبداً أكثر قرباً مما هو عليه الآن من خسارة السلطة"، وهو ما دفع غريمه بيني غانس، بعد لقائه بنواب عرب، للدعوة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.


وفسّر المؤرخ ارتباك الناخب الإسرائيلي باعتقاد كثيرين أن الرئيس ترامب توقَّفَ عن الإنصات إلى نتنياهو.

وعاد المؤرخ للتاريخ، في بعض حقائقه غير المعروفة، ومنها حقيقة أن واشنطن وموسكو أسهمتا بشكل أكبر في نشوء إسرائيل، لأن "القوى اليهودية، في حرب 1947-1949، ما كانت لتفوز أبدا لولا الأسلحة السوفييتية التي وصلت عن طريق براغ بكميات ضخمة، إضافة إلى عشرات الآلاف من يهود أوروبا الشرقية الذين دفعت بهم موسكو إلى أرض المعركة، إضافة إلى دعم المستشارين العسكريين من ذوي الخبرة القادمين من مختلف بلدان شرق أوروبا".

ثم أعقب ذلك فترة أصبحت فيها فرنسا هي الداعم الأكبر لإسرائيل، وخاصة حين صنعت إسرائيل القنبلتين الذرية والهيدروجينية، وهو تحالُفٌ تكرَّسَ ضد الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر سنة 1956، وانتهى سنة 1967 بقرار ديغول وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة. وهو ما عجَّل دخول الولايات المتحدة كحليف رئيسي للاحتلال.

ولكن رغم متانة العلاقات، بحسب فيدال فقد "كان بمستطاع أميركا فرض ضغوطات على إسرائيل، وهو دعم مقرون بالضغط، وهو ما يمكن رؤيته في مؤتمر مدريد حول الشرق الأوسط، حين رفض رئيس الحكومة إسحاق شامير بشدة، المشاركة، فقرر بوش الأب سحب الضمانات على قرض بقيمة 10 مليارات دولار طلبته إسرائيل، فاضطر إلى المشاركة، وهذه آخر عملية ضغط أميركية على إسرائيل".

ويعتبر المؤرخ أن ما حدث بعد فشل المفاوضات سنة 2000 واندلاع الانتفاضة، "هو قلبٌ للأوضاع، فأصبح من يدير الأشياء، ليس هو بوش الابن بل أرييل شارون، الذي وظَّف اعتداءات 11 سبتمبر، مستغلا سذاجة بوش الابن، من أجل جرّ الأميركيين إلى حربه ضد الفلسطينيين".

ويسخر المؤرخ من اعتقاد الكثيرين بأن ترامب يتبنى سياسات عدائية قائلا "هذا خطأ، بل أصبح واضحاً منذ 14 سبتمبر، حين هوجمت مصافي نفط سعودية ولم يأت أي رد أميركي أو سعودي"، مشيرا إلى أن "ترامب يواصل سياسة الانسحاب التي بدأها أوباما".