ألمانيا: ثلاثة سيناريوهات ترسم ملامح حل الأزمة الحكومية

28 نوفمبر 2017
حكومة أقلية قد تكون صعبة على ميركل (شون غالوب/Getty)
+ الخط -

تنصبّ جهود الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في هذه المرحلة على إجراء مروحة واسعة من المشاورات مع الأحزاب المشاركة في البوندستاغ، لاجتراح الحلول وإيجاد مخرج واقعي للأزمة الحكومية التي تعيشها البلاد منذ شهرين، والتي يبدو أنها ستمتد حتى بداية العام المقبل. وقالت جوليا كلوكنر، نائبة رئيس حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لمحطة "إيه آر دي" أمس الإثنين، إن المحادثات مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي حول تشكيل ائتلاف حكومي من المحتمل أن تجرى بداية العام المقبل، معتبرة أن "الدقة أكثر أهمية من السرعة".

وكان شتاينماير قد أخذ على عاتقه مهمة تقريب وجهات النظر بين الأطراف، بينها السعي لعودة الاشتراكي الديمقراطي إلى الائتلاف الكبير "غروكو"، بعدما قبل الأخير إجراء محادثات مع حزب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الاتحاد المسيحي، من دون إغفال وجود خيارات أخرى، بينها حكومة أقلية أو انتخابات مبكرة. وفي هذا الإطار، يجد خبراء في الشؤون السياسية الألمانية، أنه بالإضافة إلى المهام التي ينص عليها الدستور، يمكن للرئيس الاتحادي أيضاً استخدام إمكانيات أخرى للتأثير على تشكيل الحكومة، وهو ما لجأ إليه شتاينماير، محترف السياسة الألمانية ويومياتها وخباياها على مر عقود، بعد فشل محادثات "جامايكا"، واعتماده مشاورات مع رؤساء الأحزاب والكتل في البوندستاغ، التي من الممكن أن تجعل التقاطعات في ما بينها ممكنة ومضمونة للمشاركة في الائتلاف الحكومي. وينطبق هذا الوضع بشكل خاص على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب شتاينماير، الذي التزم صراحة بدور المعارضة، بعيد إعلان نتائج الانتخابات في 24 سبتمبر/أيلول الماضي. ومن خلال هذا الدور قد يستطيع الرئيس أن يمون على زعيم الحزب، مارتن شولتز، وقادة الحزب ومندوبيه لحثهم على المشاركة في الائتلاف الحكومي الجديد، فضلاً عن أنها قد تخدم الحزب على مستوى ألمانيا وأوروبا، ليظهر بدور المنقذ، والعمل على عودة العمل إلى المؤسسات الدستورية بانتظام. مع العلم أن القبول بالمفاوضات لا يعني القبول بالحكم، أو إجبار أي طرف على المشاركة في الحكومة.

وعن استبعاد شتاينماير فرضية تنظيم انتخابات جديدة، يعتبر الخبراء أن ذلك ربما يعود إلى التجربة السابقة المريرة التي عاشها الرئيس مع حزبه في عام 2005. وكان حينها يشغل منصب رئيس ديوان المستشارية، أيام حكم المستشار السابق الاشتراكي، غيرهارد شرودر، الذي كان قد طرح حكومته على البوندستاغ بهدف الحصول على أغلبية برلمانية، لكنه لم ينجح في ذلك، ما دفع البلاد إلى انتخابات مبكرة، استطاعت ميركل فيها الإطاحة بشرودر من على رأس المستشارية لتتبوأ المنصب بجدارة. وهي مستمرة وحزبها في الحكم منذ ذلك التاريخ رغم خسارة الحزب المسيحي الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة أكثر من 8.5 نقاط مئوية. مع العلم أن شتاينماير، ومع انفراط مفاوضات ائتلاف "جامايكا"، عبر بصراحة عن عدم رغبته بإعادة الانتخابات، وأوضح للجميع أنه وفي مساء يوم الانتخابات، في 24 سبتمبر/أيلول، قال الناخب الألماني كلمته، وحمل ممثلي الأحزاب في البوندستاغ مسؤولية البلاد، ووفقاً للدستور فإن على النواب تحمل مسؤولياتهم.



ويعطي النظام الألماني الرئيس وظيفة تمثيلية، لكن دوره يصبح أكثر فاعلية في الأزمات الحكومية والسياسية. وأجاز للرئيس أن يقترح على البوندستاغ بعد الانتخابات مرشحاً لانتخابه مستشاراً، علماً أنه وبعد كل انتخابات للبوندستاغ ينتظر الرئيس الفدرالي الاختتام الناجح لمفاوضات الائتلاف، ليقترح على هذا الأساس مرشح أكبر شريك في الائتلاف لمنصب المستشار الذي عليه الحصول على الأغلبية المطلقة في الاقتراع الأول. ومن حيث المبدأ، يحق للرئيس الاتحادي أيضاً أن يقترح أي مرشح لمنصب المستشار، وهو غير ملزم باختيار مرشح الحزب الذي يمتلك أكبر كتلة برلمانية. وفي حال اقترح شتاينماير اسم أنجيلا ميركل لمنصب المستشارة، انطلاقاً من أنها زعيمة الحزب الذي يمتلك أكبر كتلة برلمانية في البوندستاغ ليصار بعدها إلى التصويت لاختيارها على رأس المستشارية، فدستورياً يكفي ميركل خلال الجولة الثالثة، التي تعقد في غضون 14 يوماً من الجولتين الأولى والثانية، الأغلبية البسيطة من الأصوات وليست المطلقة كما في الجولتين السابقتين، وتكون عندها بحاجة لأصوات 355 من أصل 709 نواب يشكلون البرلمان الحالي. وعندها يكون شتاينماير أمام خيارين، الأول تسمية ميركل كرئيسة حكومة أقلية مع الخضر في ظل انسحاب الليبرالي الحر، والثاني حل البرلمان.

ويرى الخبراء أن حكومة أقلية قد تكون صعبة على المستشارة وتعكر صفو ولايتها الرابعة، على اعتبار أنها ستحتاج دائماً للبحث عن أصوات تمنح قراراتها أغلبية ليتم التصديق عليها وتمريرها داخل البوندستاغ، إلا أن هذا لا يمنعها، إذا وجدت نفسها أمام حكومة غير متجانسة وغير منتجة، أن تطلب ثقة البرلمان، وفي حال لم تنل الثقة يصار عندها إلى تنظيم انتخابات جديدة. أما الثاني، أي حل الرئيس للبرلمان، والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، فهو سهل وصعب في آن معاً. وتكمن السهولة بأن الجميع سيحتكم إلى الشعب من جديد، ليعيد بنفسه فرز الأحجام بين الأحزاب، وصعب لأنه سيكبد البلاد الكثير من الخسائر، بدءاً من عامل الوقت الذي قد يطول حتى بداية الصيف لتشهد البلاد ائتلافاً حكومياً جديداً، فضلًا عن الضرر الاقتصادي لبلد يحمل لقب أقوى اقتصاد في أوروبا، بالإضافة إلى الكلفة المادية لإعادة تنظيم الانتخابات التي ذكرت تقارير بأنها قد تتجاوز 90 مليون يورو. ومن المستبعد أن تتحسن نقاط الأحزاب التقليدية بشكل كبير، انطلاقاً من أن الناخب، وخلال الشهرين الماضيين، أصبح محبطاً من الأعباء التي حملها المسؤولون للبلاد نتيجة الصراعات والاستعراضات السياسية، والتي لم تشهدها ألمانيا من قبل. وفي خضم هذه الأزمة، يلقى حراك شتاينماير تقدير الهيئات والمؤسسات الاقتصادية، وهي تثمن ما يقوم به من خلال حثه الأحزاب على تقديم تنازلات وحلول توفيقية وأن تتحمل مسؤولياتها تجاه ألمانيا. وبدأت تُطرح تساؤلات حول قدرة النظام الديمقراطي على إثبات نفسه أو إظهار عيوبه، لأنه لم يحدث في تاريخ الجمهورية الاتحادية أن يكون للرئيس الاتحادي هذا الدور والأهمية في تشكيل حكومة بعد فشل المحادثات الاستكشافية لائتلاف "جامايكا".

المساهمون