ترشح ساركوزي للرئاسة الفرنسية: "الهوية الوطنية" كشعار يميني

23 اغسطس 2016
يتذكّر كثيرون الاحتقان بفرنسا أثناء ولايته الأولى(فريدريك فلوران/فرانس برس)
+ الخط -
يعود الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ليؤسس برنامجه للانتخابات الرئاسية المقبلة، على مسألة رئيسية هي "الهوية الوطنية". وأراد ساركوزي من كتابه الأخير، "كل شيء من أجل فرنسا"، تقديم برنامج انتخابي موسّع، أكان في الانتخابات الداخلية لحزبه، أو ضد المرشح اليساري المقبل للرئاسة، ولعله سيكون الرئيس الحالي فرانسوا هولاند. ولكن من يفتش عن ساركوزي جديدٍ في هذا المُؤلَّف الثامن، فهو وَاهمٌ، أو على الأقل هذا ما يكشفه لنا برنامجه الانتخابي وتصريحاته التي لا تتوقف. فلا شيء جديداً في ترشح ساركوزي، وكل فرنسا كانت على علم بذلك، وترؤسه لحزب "الجمهوريون" سخَّره لهذه القضية، كما فعل مع وزارة الداخلية حين كان وزيراً لها خلال عهد الرئيس السابق جاك شيراك. كما أن لا شيء جديداً في برنامجه الانتخابي. ولكن تصريحات وأفعال ساركوزي لا تترك أحداً غير مبالٍ، وهو ما يمنحها الصدى الإعلامي ويجعلها جديدة.

لا شيء جديداً في ما يخص ترشحه للانتخابات الداخلية، لأن الأسبوع الماضي فقط، شهد تصريحات للعديد من قادة حزب "الجمهوريون"، من غير الذين كانوا ولا يزالون في حلقته الأقرب، أعلنوا ولاءهم للمرشح نيكولا ساركوزي بمواجهة باقي المرشحين، والذي بدأ منذ الآن، بتوزيع المناصب الوزارية عليهم. بدأ الأمر مع الديغولي والابن الروحي لشيراك، فرانسوا باروان، الذي وعده ساركوزي، كما تقول المصادر، بمنصب رئيس الحكومة، والذي أراده ضمانةً للبُعد الاجتماعي والإنساني لحكومة ساركوزي المقبلة. وقبل ثلاثة أيام، أعلن رئيس منطقة باكا ورجل نيس القوي، كريستيان إستروزي، اختياره للمرشح ساركوزي، مبرّراً الأمر بأنه يتقاسم معه "الرغبة في فرض دولة قوية"، ساخراً من رئيس الحكومة الحالي مانويل فالس "الذي يدّعي محاربة البوركيني، لكن دون سنّ قانون يحظره"، معلناً أن تجربة ساركوزي، كفيلة بالرد على تحدي الإرهاب. وكشف إستروزي أنه متفق مع ساركوزي على "وجوب هزيمة حزب الجبهة الوطنية". وعلى الرغم ممّا يُعرَف من نزوع يميني لساركوزي، يُطمئن إستروزي بأنه سيكون "الضامن للبُعد الاجتماعي". وقبله بأسابيع أعلن السياسي إيريك سيوتي، الذي زار إسرائيل مُبدياً إعجابه بتجربتها في "محاربة الإرهاب"، ومصمماً على نقل التجربة إلى فرنسا، تأييده للمرشح ساركوزي، بعد أن وُعِدَ بمنصب وزارة الداخلية في حال فوز الأخير. يضاف إلى هؤلاء، رئيس المجموعة اليمينية في البرلمان كريستيان جاكوب، المقرب السابق من المرشح فرانسوا كوبي.


لكن نجاح ساركوزي الأكبر، تمثّل في استمالة جيرالد دارمانين، أكثر الأصوات الشابة شعبية في حزب "الجمهوريون"، وهو نائب وعمدة مدينة توركوان في شمال فرنسا، الذي يتميز بمواقف رصينة تختلف كثيراً عن مواقف ساركوزي. وهي مواقف جعلته يُعبّر، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، عن رفضه لـ"العلمانية العقابية" التي يُطبّقها فالس أو تلك التي يطالب بها ساركوزي ومعه التيار اليميني. فهو يرفض حرمان الأطفال المسلمين من الطبق البديل في المطاعم المدرسية، كما يرفض حرمان الأمهات المحجبات من مرافقة أبنائهن في نزهات خارج المدارس، وهو ما يجعله في تعارض مع ساركوزي. وقد برّر جيرالد دارمانين، "الديغولي الاجتماعي"، كما يقدّم نفسه، انحيازه لساركوزي بضعف حظوظ المرشح الآخر آلان جوبيه، الذي يتقاسم معه كثيراً من المواقف، ومن بينها الموقف من "الإسلام الفرنسي"، ومعارضة فرض الحجاب في الجامعة. كما رد تأييده لساركوزي بقابلية الأخير للإنصات لمن ينصحه، وهو ما يعني كما يقول دارمانين، أن ساركوزي "قادر أيضاً على تغيير مواقفه". وإذا كان ساركوزي يُحقّق بفضل هذا الاستقطاب الكثير من النقاط، ومنها الاحتماء بهذا السياسي الشاب من كل الهجمات التي تتهمه بالإسلاموفوبيا بسبب تصريحات مساعديه في الجناح اليميني، فإن قرار دارمانين لا يمكن تفسيره، كما تقول صحيفة "ليبراسيون"، إلا بمنصب وزاري وُعِدَ به الأخير.

في غمرة هذه "الإنجازات"، وهذا "القضم" للشخصيات اليمينية المؤثِّرة، يأتي صدور كتاب/ برنامج ساركوزي الجديد، في وقت لا تزال فيه استطلاعات الرأي تشير إلى فوز جوبيه في الانتخابات الداخلية لحزب "الجمهوريون"، وحتى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017. وعبّرت صحيفة "لوفيغارو" عن بهجتها بإعلان ساركوزي ترشحه للرئاسة، فكتبت في ملفها وصفحتها الأولى: "ساركوزي مرشح تحت شعار الهوية الوطنية". لكن في المقابل، فإن الكثيرين يتذكرون درجة الاحتقان والاستقطاب التي عرفتها فرنسا أثناء ولايته الرئاسية الأولى، حين أسس لـ"الهوية الوطنية" وزارة تحمل اسمها، ما أدى إلى شق الفرنسيين إلى فئتين متصارعتين.

أما أبرز المواضيع والمقترحات التي يقدّمها ساركوزي في برنامجه، فتحضر الهجرة عبر استخدام متكرر لكلمة الهوية من قِبل نيكولا ساركوزي ابن المُهاجر المجري. وهو ما يجعله يقترح إجراء إصلاحٍ يمسّ "حق الأرض"، ما يعني أن أي شخص يكون ضالعاً في مشاكل مع القضاء لا يمكنه الحصول على الجنسية الفرنسية. ومن أجل جعل الحصول على الجنسية الفرنسية صعبة، يقترح ألا تُمنح للأطفال الذين ولدوا في فرنسا لآباء دخلوا البلاد بصفة غير قانونية. وكي يزيد الأمر صعوبة، يقترح على من يريد أن يصبح فرنسياً انتظار عشر سنوات بدل خمس سنوات الحالية.
وفي ما يخص الاقتصاد، يقترح ساركوزي تسهيل تسريح العمال، ويرى أن إعادة تنظيم الشركة لنفسها يمنحها الحق الكامل في تسريح عمالها. كما ينوي التخلص من قانون 35 ساعة أسبوعياً، تاركاً للشركات والمؤسسات حرية تحديد فترة العمل. أما التقاعد، فيقترح جعله عند سن 63 في العام 2020 وسن 64 عام 2025.