مليونية جديدة لمتظاهري العراق... وإشهار ورقة الزحف إلى بغداد

31 يناير 2020
دخلت التظاهرات العراقية شهرها الخامس (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -
تستعد العاصمة العراقية بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد لمليونية جديدة، هي الأولى من نوعها بلا مشاركة من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي سحب مؤيديه من التظاهرات، السبت الماضي، احتجاجاً على عدم مشاركة المحتجين العراقيين في التظاهرات التي دعا إليها الصدر وقوى سياسية وفصائل مسلحة، الجمعة الماضي، ضد القوات الأميركية. ويتزامن حراك اليوم مع ترقب انتهاء المهلة التي حددها رئيس الجمهورية برهم صالح، للقوى السياسية من أجل تسمية مرشحها للحكومة، ملوحاً بأنه سيتجه لاختيار مرشح بنفسه من دون العودة إليهم.

يأتي ذلك عشية طي التظاهرات العراقية شهرها الرابع، ودخولها الشهر الخامس، منذ انطلاقتها في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على الرغم من تصعيد السلطات العراقية آلة القمع والتنكيل بالمتظاهرين، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 600 متظاهر وإصابة ما لا يقل عن 25 ألفاً آخرين، احتلت بغداد وذي قار وكربلاء والنجف والبصرة الصدارة لجهة عدد الضحايا الذين تم استهدافهم، مع استمرار تسجيل اختفاء عشرات الناشطين العراقيين واعتقال آخرين.

وأوضح نشطاء في ساحة الحبوبي، مركز الاحتجاجات الرئيسي في ذي قار، أنه تم تأجيل خطوة الزحف سيراً إلى بغداد التي كانت مقررة اليوم، بسبب مخاوف أمنية. وأكدوا أنهم سيواصلون تظاهراتهم في مدن الجنوب والوسط في مناطقهم مع تصعيد أدوات الاحتجاج السلمي. وأعاد متظاهرو البصرة نصب جزء من خيامهم، التي أحرقتها قوات الأمن السبت الماضي، في ساحتي البحرية وذات الصواري، في الوقت الذي تواصل فيه مدن كربلاء والنجف والكوفة وميسان والقادسية وذي قار والمثنى وواسط وبابل، بمختلف مدنها الرئيسة، مثل العمارة والديوانية والكوت والسماوة والكحلاء والحلة والناصرية والنعمانية وسوق الشيوخ والهاشمية وحمزة الغربي والغراف والمشخاب ومناطق أخرى، التظاهر إلى جانب بغداد، في ساحات التحرير والوثبة والخلاني، التي تمت استعادة السيطرة عليها من قبل المتظاهرين، بعد تضحيات قدموها، بلغت 9 قتلى وعشرات الجرحى في أقل من 72 ساعة الماضية.



وأكد مصدر عسكري في مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن "أوامر أمنية وعسكرية صدرت من أجل تشديد الإجراءات، اليوم الجمعة، في كافة المدن التي تشهد احتجاجات، كإجراء احترازي مع دعوات لتصعيد موجة التحركات". وأوضح أن "قضية سير المتظاهرين في المحافظات إلى بغداد أمر لن تقبل به الجهات العليا، وسيتم منع أي خطوة يتخذها المتظاهرون بهذا الصدد. وما زال العمل جارياً على تطبيق مخطط حصر المتظاهرين في ساحات محددة، خلال الأيام المقبلة، من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها".

لكن الناشط المدني، أحد منسقي التظاهرات، مصطفى حميد، قال لـ"العربي الجديد"، إن "المتظاهرين في كافة المدن المنتفضة، لديهم تواصل وتنسيق في المواقف، وتم الاتفاق على التحشيد لتظاهرة اليوم، مع استمرار التصعيد في موجة الاحتجاج وفق الطرق السلمية". ولفت إلى أن "خطة السير إلى بغداد من كافة المحافظات الجنوبية ما زالت قائمة من أجل الضغط الكبير في بغداد، كونها صاحبة القرار في حل كافة مطالب المتظاهرين"، مضيفاً أن "المقترح يشمل تطويق المتظاهرين المنطقة الخضراء من كافة المداخل والمخارج، وفق الطرق السلمية، كعامل ضغط على الطبقة السياسية، فمطالبنا لم تتحقق حتى الساعة، وهي اختيار رئيس وزراء مستقل، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، والكشف عن الطرف الثالث المتهم بعمليات القتل والخطف والاغتيال، والذي يعلم الجميع أنه طرف سياسي حكومي".

في موازاة ذلك، قال عضو مجلس النواب العراقي باسم خشان، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "الطبقة السياسية الحاكمة متورطة في القتل والفساد، وما زالت تسوف وتماطل في تنفيذ مطالب المتظاهرين المحقة والمشروعة". وأكد خشان أنه "على الرغم من التسويف والمماطلة في تنفيذ مطالب المتظاهرين، فإن عمليات القتل والقمع ما زالت مستمرة من قبل حكومة عادل عبد المهدي والجماعات المسلحة الداعمة لبقاء هذه الحكومة"، معتبراً أن "تصعيد الاحتجاج الشعبي، أمر ضروري من أجل الضغط على الطبقة السياسية، فكلما زاد الضغط أسرعت تلك الطبقة في تنفيذ ما يريده المتظاهرون، ودليل ذلك قانون الانتخابات الجديد، والمفوضية الجديدة، إذ تم التصويت عليهما من قبل البرلمان بسبب تصعيد موجة الاحتجاج".

وفي سياق الأزمة السياسية لاختيار رئيس جديد للحكومة بديلاً عن الحكومة المستقيلة، كشفت مصادر رفيعة المستوى في ديوان الرئاسة العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن اسمي مصطفى الكاظمي ومحمد توفيق علاوي هما الأبرز راهناً، ويتم التشاور بين الصدريين وتحالف "الفتح" للاتفاق على أحدهما، وقد يتم الإعلان عن مرشح للحكومة في غضون ساعات، فيما تراجعت حظوظ علي شكري وعبد الغني الأسدي. وحول أبرز المشاكل المتبقية، أكدت المصادر أن نوري المالكي معترض على ترشيح علاوي لوجود مشاكل شخصية معه خلال توليه منصب وزير الاتصالات في حكومة المالكي الثانية في العام 2012، بينما تعارض قوى مسلحة وجود رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي على رأس الحكومة، وتعتبر أنه غير مضمون الولاء وله علاقات مع الجانب الأميركي، مؤكدة أن المباحثات الحالية تهدف لتسوية تلك التحفظات.

في السياق، قال النائب عن تحالف "الإصلاح والإعمار" علي البديري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المشهد العراقي اعتاد، طيلة السنوات السابقة، على حل خلافات واختلافات طويلة مماثلة، في اللحظات الأخيرة. من الصعوبة جداً إدراك متى يحل ويحسم هذا الملف، فكل شيء فيه قابل للتغيير في أي لحظة". وأضاف أن "تصعيد الاحتجاجات أمر متوقع وطبيعي مع استمرار فشل القوى السياسية المعنية باختيار رئيس الحكومة الجديد، في الوصول إلى أي حلول ترضي الشارع العراقي وتهدئه. فهذه القوى ما زالت تسعى للحفاظ على مصالحها ومكاسبها".

أما المحلل السياسي العراقي محمد التميمي فقال، لـ"العربي الجديد"، إن "استمرار التصعيد في موجة الاحتجاج سيزيد من عمليات القتل والقمع ضد المتظاهرين، وزيادة هذه العمليات ستلاقي ردود فعل غاضبة وغير مُسيطر عليها من قبل المتظاهرين، وهذا قد يجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه". وتوقع أن "تكون لمرجعية النجف، اليوم، كلمة تصعيدية جديدة ضد القوى السياسية، خصوصاً مع فشلها في حل الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ما يقارب خمسة أشهر، فطيلة هذه المدة، استمرت الأزمات، بل هي تتفاقم مع ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى في صفوف المتظاهرين". وأضاف أن "تصعيد الاحتجاج، وسير المتظاهرين إلى بغداد ومحاصرة المنطقة الخضراء، تصعيد خطير، وقد يتسبب في مجازر جديدة، خصوصاً مع وجود السلاح المنفلت والجماعات الخارجة عن القانون، التي تعمل طيلة الفترة الماضية على مهاجمة المتظاهرين، من دون أي رادع لها". وتابع أنّ "على القوى السياسية حسم أمرها سريعاً وحل الأزمة، وعدم المراهنة على عامل الوقت مع المتظاهرين، وتنفيذ مطالبهم بأسرع وقت، لمنع أي تصعيد شعبي، قد يوصل البلاد إلى أزمة لا يمكن حلها لاحقاً".