حتى وإن جرت الانتخابات الرئاسية الجبرية التي تفرضها السلطة في الجزائر بكل ذلك الإخفاق في بناء توافقات سياسية ومجتمعية تسبق الذهاب إلى الاستحقاق الانتخابي، فإن 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل لن يكون فاتحة الحل، ولن يشكل في المطلق يوماً للانعطاف نحو الانفراج السياسي، ولا يشكل عرساً من أعراس الديمقراطية في الجزائر.
في الحقيقة لم تأت الديمقراطية أبداً أعراساً في الجزائر، كل ما أوتيت حتى الآن مآتم تئد الطموح والشغف الديمقراطي للجزائريين، وتنتظم فيها جنائز لمزيد من الزمن الجزائري الضائع ومن الفرص المهدورة. ولذلك يجد الجزائريون أنفسهم في حلقة مفرغة منذ عقود، حول الانتخابات التي يقال لهم دائماً إنها ستنجب الديمقراطية، وإن الديمقراطية ستنجب مؤسسات نزيهة وعدالة مستقلة، والعدالة المستقلة ستحارب الفساد وتمنع مظالم الشرطة، والشرطة ستحمي الحريات، والحريات ستأتي بصحافة مستقلة، والصحافة المستقلة ستوفر حرية الرأي، وحرية الرأي ستفجر حرية المبادرة، وحرية المبادرة ستنجب الإبداع والكفاءات، والكفاءات ستجد مكانها الذي تستحق في الحكومة، والحكومة ستحترم القانون وتمنع التزوير.
لا شيء من ذلك تحقق، في كل مرة يستفيق الجزائريون على سراب مخيب وقاتل، لا عرس ولا ديمقراطية. ولعل الذاكرة المثقوبة تلعب لصالح السلطة التي تعيد اللعبة نفسها دائماً وتنجح ترغيباً وترهيباً في إقناع جزء من الجزائريين، خوفاً وطمعاً، بالانخراط مجدداً في الحلقة المفرغة، والطرف الأبرز في اللعبة هو التزوير الذي يسكن كالشيطان في التفاصيل، وهذه المرة انتقلت السلطة من تزوير التاريخ إلى تزوير الانتخابات ثم إلى تزوير المستقبل ومنع صناعته خارج ميكانيكا المؤسسة الحاكمة.
ثمة إجماع في الجزائر على أن تدبير السلطة الذي قاد إلى فرض انتخابات أزمة تحت عنوان الحفاظ على روح الدستور، هو في التفسير الاستباقي للتاريخ إجهاض للحركة الوحدوية للجزائريين نحو الديمقراطية، وإعطاب مسار التوافقات السياسية، وهي في النهاية ربع حل أو أقل من ذلك بكثير. وكان ممكناً بربع تعقل ونصف بصيرة أن يصبح 12 ديسمبر عرساً ديمقراطياً لو أتيح للجزائريين بناء توافقات سياسية وصياغة مشتركة لوثيقة المرحلة وأولوياتها والاتفاق على الهيئات الناظمة، ولو كانت للسلطة النوايا الحسنة والصادقة في وضع البلد على سكة الحل النهائي والمسار الديمقراطي، بدلاً من ترحيل الأزمة إلى ظرف آخر قد تكون فيه أوضاع الجزائر الاقتصادية والاجتماعية أكثر صعوبة وتأزماً.
كان هذا في منطق العقل والممكن، ولكن في منطق القوة يظهر للبعض أن الحراك ليس في مقدوره توقيف الانتخابات، ذلك أن النظام الصلب ما زال عصياً على التفكك، وكذلك تعتقد مجموعاته السياسية المزهوة بدعمها للسلطة وتملقها للجيش، ولسان حالها يقول إن "المحشوشة" (بندقية كانت تستعملها المجموعات الإرهابية المسلحة في التسعينيات)، وعنتر زوابري (أمير الجماعة الإسلامية المسلحة)، لم يقدرا على وقف انتخابات عام 1995، فكيف سيوقفها ناشط سلمي وتظاهرة احتجاج وشعار على قطعة قماش؟
ليس من الضروري التذكير بأن تلك الانتخابات (1995) كانت في حد ذاتها أزمة ولم تحل الأزمة، لا يحتاج الأمر إلى محاججة في ذلك والتاريخ يشهد، كما لم تكن غيرها من الاستحقاقات الانتخابية، وكذلك انتخابات 12 ديسمبر المقبل لن تخرج عن المآل نفسه، كونها من الطين نفسه ومن اليد المرتعشة نفسها، لن تكون لا عرساً للجزائريين ولا للديمقراطية. بهذا المعنى يصبح الحراك الشعبي وهو أكبر تصالح تاريخي وأول تحالف جمعي بين الجزائريين حول سؤال الديمقراطية منذ الاستقلال، يصبح استمراره مقاومة سلمية ضد اختطاف البلد مجدداً، وجهداً ثورياً ضد تزوير المستقبل.
في الحقيقة لم تأت الديمقراطية أبداً أعراساً في الجزائر، كل ما أوتيت حتى الآن مآتم تئد الطموح والشغف الديمقراطي للجزائريين، وتنتظم فيها جنائز لمزيد من الزمن الجزائري الضائع ومن الفرص المهدورة. ولذلك يجد الجزائريون أنفسهم في حلقة مفرغة منذ عقود، حول الانتخابات التي يقال لهم دائماً إنها ستنجب الديمقراطية، وإن الديمقراطية ستنجب مؤسسات نزيهة وعدالة مستقلة، والعدالة المستقلة ستحارب الفساد وتمنع مظالم الشرطة، والشرطة ستحمي الحريات، والحريات ستأتي بصحافة مستقلة، والصحافة المستقلة ستوفر حرية الرأي، وحرية الرأي ستفجر حرية المبادرة، وحرية المبادرة ستنجب الإبداع والكفاءات، والكفاءات ستجد مكانها الذي تستحق في الحكومة، والحكومة ستحترم القانون وتمنع التزوير.
لا شيء من ذلك تحقق، في كل مرة يستفيق الجزائريون على سراب مخيب وقاتل، لا عرس ولا ديمقراطية. ولعل الذاكرة المثقوبة تلعب لصالح السلطة التي تعيد اللعبة نفسها دائماً وتنجح ترغيباً وترهيباً في إقناع جزء من الجزائريين، خوفاً وطمعاً، بالانخراط مجدداً في الحلقة المفرغة، والطرف الأبرز في اللعبة هو التزوير الذي يسكن كالشيطان في التفاصيل، وهذه المرة انتقلت السلطة من تزوير التاريخ إلى تزوير الانتخابات ثم إلى تزوير المستقبل ومنع صناعته خارج ميكانيكا المؤسسة الحاكمة.
ثمة إجماع في الجزائر على أن تدبير السلطة الذي قاد إلى فرض انتخابات أزمة تحت عنوان الحفاظ على روح الدستور، هو في التفسير الاستباقي للتاريخ إجهاض للحركة الوحدوية للجزائريين نحو الديمقراطية، وإعطاب مسار التوافقات السياسية، وهي في النهاية ربع حل أو أقل من ذلك بكثير. وكان ممكناً بربع تعقل ونصف بصيرة أن يصبح 12 ديسمبر عرساً ديمقراطياً لو أتيح للجزائريين بناء توافقات سياسية وصياغة مشتركة لوثيقة المرحلة وأولوياتها والاتفاق على الهيئات الناظمة، ولو كانت للسلطة النوايا الحسنة والصادقة في وضع البلد على سكة الحل النهائي والمسار الديمقراطي، بدلاً من ترحيل الأزمة إلى ظرف آخر قد تكون فيه أوضاع الجزائر الاقتصادية والاجتماعية أكثر صعوبة وتأزماً.
كان هذا في منطق العقل والممكن، ولكن في منطق القوة يظهر للبعض أن الحراك ليس في مقدوره توقيف الانتخابات، ذلك أن النظام الصلب ما زال عصياً على التفكك، وكذلك تعتقد مجموعاته السياسية المزهوة بدعمها للسلطة وتملقها للجيش، ولسان حالها يقول إن "المحشوشة" (بندقية كانت تستعملها المجموعات الإرهابية المسلحة في التسعينيات)، وعنتر زوابري (أمير الجماعة الإسلامية المسلحة)، لم يقدرا على وقف انتخابات عام 1995، فكيف سيوقفها ناشط سلمي وتظاهرة احتجاج وشعار على قطعة قماش؟
ليس من الضروري التذكير بأن تلك الانتخابات (1995) كانت في حد ذاتها أزمة ولم تحل الأزمة، لا يحتاج الأمر إلى محاججة في ذلك والتاريخ يشهد، كما لم تكن غيرها من الاستحقاقات الانتخابية، وكذلك انتخابات 12 ديسمبر المقبل لن تخرج عن المآل نفسه، كونها من الطين نفسه ومن اليد المرتعشة نفسها، لن تكون لا عرساً للجزائريين ولا للديمقراطية. بهذا المعنى يصبح الحراك الشعبي وهو أكبر تصالح تاريخي وأول تحالف جمعي بين الجزائريين حول سؤال الديمقراطية منذ الاستقلال، يصبح استمراره مقاومة سلمية ضد اختطاف البلد مجدداً، وجهداً ثورياً ضد تزوير المستقبل.