"صفقة القرن": كوشنر بمهمة خليجية لجباية تكاليف "السلام الاقتصادي"

08 فبراير 2019
سيزور كوشنر عُمان والبحرين والسعودية والإمارات وقطر(سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
تستعد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لوضع خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، موضع التطبيق، فور انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في التاسع من إبريل/نيسان المقبل. ويتولى كل من صهر ترامب، كبير مستشاريه، جاريد كوشنر، الحصول على دعم خليجي للشق الاقتصادي من الخطة، مع تأجيل الكشف عن الشق السياسي، وهو ما يحيي نظريات "السلام الاقتصادي" العزيزة على قلوب حكام تل أبيب ومعظم رموز الإدارات الأميركية المتعاقبة، بما هي نظرية رشوة الفلسطينيين ببعض الإغراءات الحياتية الاقتصادية، في مقابل تخليهم عن حقوقهم الاقتصادية التاريخية. 

وسيحمل كوشنر والمبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، إلى سلطنة عمان والبحرين والسعودية والإمارات وقطر أواخر فبراير/شباط الحالي، الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، وذلك بعد أن يكونا طرحا الرؤية الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية على وزراء خارجية دول عربية وأوروبية يشاركون في مؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط في 13 و14 فبراير. ويرتقب أن يحضر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المؤتمر إلى جانب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أشارت إلى أن ترامب يرغب في نشر "صفقة القرن" خلال إبريل/نيسان المقبل، بعيد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية للكنيست. وكان ترامب أعلن في عام 2017 أن فريقاً برئاسة كوشنر، يعكف على "صياغة خطة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وأعلن الفلسطينيون رفضهم المسبق لـ"صفقة القرن"، بعد اعتراف ترامب بالقدس المحتلة "عاصمة" لإسرائيل، ومحاولاته إسقاط قضية اللاجئين الفلسطينيين، بعد وقفه تمويل بلاده لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

ويتماهى تسويق "الشق الاقتصادي" في "صفقة القرن" مع طرح اليمين الإسرائيلي، وتحديداً حزب "الليكود"، لفكرة "السلام الاقتصادي"، والذي كان طرحه أيضاً وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري. ويهدف "السلام الاقتصادي" إلى ابتكار سبل تشتت انتباه الفلسطينيين عن قضيتهم الأساسية، وتشغلهم بمتطلبات الحياة اليومية والمعيشة فقط، من خلال توفير فرص عمل وتسهيلات في مختلف نواحي الحياة. تركز الخطة على "السلام الاقتصادي"، باعتباره مدخلاً لإنهاء الصراع. وكان كوشنر تحدث سابقاً عن "السلام الاقتصادي"، مشيراً إلى أن "خطة الإدارة الأميركية تشمل تأسيس مشاريع استثمارية كبرى في البنية التحتية الحديثة، والتدريب المهني والتحفيز الاقتصادي للفلسطينيين، ولن يقتصر ذلك على الأراضي الفلسطينية فحسب، وإنما سيشمل الأردن ومصر أيضاً". وتعدّ هذه من أفكار شمعون بيريز وغيره من الزعماء الإسرائيليين الذين رأوا أن التطبيع العربي مع إسرائيل كفيل باختفاء القضية الفلسطينية، وتبقى القضايا المعيشية الحياتية.

وقال مسؤولان في البيت الأبيض، أمس الجمعة، إن كوشنر سيسافر إلى خمس دول عربية على الأقل أواخر فبراير لإطلاع المسؤولين هناك على الشق الاقتصادي من خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، والسعي لنيل دعم هذه الدول. وأوضحا أن كوشنر وغرينبلات يعتزمان زيارة سلطنة عمان والبحرين والسعودية والإمارات وقطر في جولتهما التي ستستغرق أسبوعاً، وقد يضيفان بلدين آخرين إلى جدول رحلتهما، لكن إسرائيل والأراضي الفلسطينية لن تكونا ضمن الجولة. وأوضحا أن كوشنر وغرينبلات، اللذين سيرافقهما في الجولة رئيس لجنة مراقبة أنشطة إيران بوزارة الخارجية الأميركية برايان هوك ومساعد كوشنر، آفي بيركويتس، لن يطلعا المسؤولين في الدول الخمس على "المكون السياسي" لخطة "صفقة القرن"، بل سيقيسان مستوى الدعم للشق الاقتصادي من الخطة الذي يتوقع أن يشمل مزيجاً من المساعدات والاستثمارات. وقال مسؤولون إنه كان من المقرر أن تتم الجولة في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنها تأجلت بسبب الإغلاق الحكومي في أميركا.



وقال مسؤول إن كوشنر"سيطرح عناصر الخطة الاقتصادية على المنطقة. ستنجح الخطة الاقتصادية فقط إذا دعمتها (دول) المنطقة". وأضاف "هذا شق مهم للغاية من الخطة الشاملة". والسعي إلى الدعم الإقليمي لـ"الخطة الاقتصادية" خطوة تسبق الكشف النهائي عن اقتراحات ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. وقال المسؤولان إنهما يدركان أن الدبلوماسيين العرب الذين سيجتمع معهم كوشنر ستكون لديهم الرغبة في معرفة عناصر "المكون السياسي" قبل أن يبدوا رأياً في الشق الاقتصادي. وقال أحد المسؤولين "لن يدعموا الخطة الاقتصادية دون التأكد من أنهم سيدعمون أيضاً الخطة السياسية، ونحن ندرك ذلك. لذلك سيكون الدعم مشروطاً على نحو ما، بما إذا كانوا سيشعرون بالارتياح للخطة السياسية".

وتتضمن الخطة، بحسب وسائل إعلام أميركية، اقتراحات بتنمية اقتصادية للفلسطينيين، بما يخص البنى التحتية الأساسية، وتطوير مشاريع صناعية، خصوصاً في قطاع غزة. وأشار موقع "بوليتيكو" الأميركي إلى أن الجانب الاقتصادي يتضمن حزمة من الاستثمارات في القطاعين الاقتصاديين العام والخاص، بالإضافة إلى إيجاد مبادرات اقتصادية، لخلق فرص عمل للفلسطينيين. ونقلت وسائل الإعلام عن مسؤولين أميركيين قولهم إن نجاح الخطة متوقف على موافقة أولية من الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية الخليجية، التي سيُطلب منها، في النهاية، تمويل الشق الاقتصادي في "صفقة القرن". وقال المبعوث الأميركي الأسبق لعملية السلام دينيس روس لموقع "بوليتيكو" إن "جزءًا من الزيارة يهدف إلى إظهار جدية الأميركيين في تقديم شيء ما. أعتقد أن الهدف هو إقناع الزعماء العرب بأن كل الصفقة، وليس فقط الشق الاقتصادي، معقولة بالنسبة لهم".

وسيقدم كوشنر لرئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورغ براندي، في وارسو، ملخصاً عن جهوده للتوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى ما تأمل الإدارة الأميركية تحقيقه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وتعمل الإدارة الأميركية على تسويق الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن" على الرغم من انقطاع الاتصالات بينها وبين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. وأوضح المسؤولون أن البيت الأبيض تشاور مع عدد من المسؤولين الفلسطينيين للحصول على رأيهم بالملف الاقتصادي، مشيرين إلى أن كل هؤلاء الفلسطينيين لا يملكون علاقات مباشرة مع عباس، التي تأمل الإدارة في النهاية أن يجلس حول الطاولة لبحث "صفقة القرن". وكان عباس قد رفض الحديث مع الولايات المتحدة عن أي خطة سلام في أعقاب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن المسؤولين في البيت الأبيض يأملون أن يتغير ذلك. وقال أحد المسؤولين "نأمل أن يقرأ عباس الخطة وأن يحكم عليها بصورة موضوعية وأن يجلس إلى الطاولة لإجراء مفاوضات بعد أن نعلن الخطة. شعبه لا يستحق شيئاً أقل" من ذلك. وأضاف أن المسؤولين الأميركيين يعقدون اجتماعات في نفس الوقت مع فلسطينيين "من مختلف المشارب" لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة.

وقال مسؤول رفيع المستوى لموقع "بوليتيكو"، "إذا اعتقد قادة المنطقة أن أفكارنا جيدة بالنسبة إلى الفلسطينيين، وستؤدي إلى إدماج الفلسطينيين والإسرائيليين في المنطقة، ووافقوا على تمويل الخطة، فإن ذلك سيمثل نجاحاً". وكانت صحيفة "هآرتس" نقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله، الأسبوع الماضي، إن ترامب يرى في "صفقة القرن" جزءا من جهوده لبناء حلف بين إسرائيل والدول العربية ضد إيران. وكانت السلطة الفلسطينية حذرت، الخميس الماضي، الدول من المشاركة في مؤتمر وارسو الذي دعت إليه واشنطن في حول "السلام والأمن في الشرق الأوسط"، معتبرة أنه مؤامرة أميركية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. وتستضيف الولايات المتحدة وبولندا "الاجتماع الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والامن في الشرق الأوسط" في وارسو في 13 و14 فبراير، لكن أطرافاً عدة وفي مقدمها روسيا ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، أعلنت عدم مشاركتها. واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية أن هذا المؤتمر "مؤامرة أميركية تستهدف النيل من استقلالية قرارات المشاركين في المؤتمر السيادية حيال قضايا جوهرية تعتمد على مواقف مبدئية لهذه الدول، مثل الموقف من القضية الفلسطينية". وأكدت، في بيان، أن الموقف الفلسطيني واضح حيال "مثل تلك المؤتمرات الهادفة الى النيل من قضية شعبنا وتصفيتها، وهي لن تتعامل مع مخرجات مؤتمرات غير شرعية". وأضافت "هذا المؤتمر أميركي بامتياز، الهدف منه دفع الدول المشاركة إلى تبني مواقف الإدارة الأميركية من القضايا المطروحة وتحديداً القضية الفلسطينية". وشددت على أنها "لن تتعامل مع أية مخرجات لهذا المؤتمر، وستتمسك بمواقفها الثابتة وتواصل مساعيها مع الدول وكأن مؤتمر وارسو لم يعقد".


المساهمون