العراق: اتساع حدة الخلافات داخل "الحشد الشعبي" والعبادي مستهدف

26 ابريل 2018
تنقسم فصائل "الحشد" في تقليدها الديني(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعد الخلافات والانقسامات في العراق بين فصائل "الحشد الشعبي" وقادتها خفية، بل باتت واضحة وبدأت تتسع خلال الأسابيع الأخيرة، وهو ما بدا من خلال تصريحات قادتها أو البيانات التي تصدر عنهم ومواقفهم السياسية، وحتى تحركات مسلحي "الحشد"، في ظل انقسام بين توجّهين داخل "الحشد"، خط إيراني قوي مناوئ للحكومة العراقية، وآخر معارض للأول ويُعرف اليوم باسم الجناح العراقي، وهو يعتبر نفسه مرتبطاً بالمرجعية الدينية في النجف ويرفض وصاية إيران ويسعى لأن يلتزم بقرارات الحكومة العراقية.

وتنقسم فصائل "الحشد الشعبي" في تقليدها الديني إلى مراجع عدة، فالكثير منها ترجع بأصولها المذهبية إلى ما تقره "ولاية الفقيه" والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وتتلقى تمويلاً ودعماً سياسياً وعسكرياً من طهران، في حين تتبع فصائل أخرى المرجع علي السيستاني في النجف، الذي لديه ممثلون عنه في أغلب مدن العراق، فيما تذهب فصائل أخرى إلى تقليد المرجع الراحل محمد صادق الصدر، وكذلك المرجع محمد اليعقوبي.

ويمثّل الخط الإيراني أو ما يُعرف اليوم في العراق على نطاق واسع بـ"الحشد الولائي"، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، قيادات عدة في "الحشد الشعبي"، مثل أبو مهدي المهندس وهادي العامري وقيس الخزعلي وأوس الخفاجي وأكرم الكعبي، وهؤلاء يتبنّون حالياً موقفاً مناوئاً للحكومة العراقية ورئيسها حيدر العبادي، ويصرون على مخالفة توجّهات الحكومة في ما يتعلق بانسحاب الفصائل المسلحة من المدن والسماح لأهلها بالعودة إليها، مثل جرف الصخر ويثرب وبيجي وغيرها. وكذلك يدعمون رئيس النظام السوري بشار الأسد، وجماعة الحوثي في اليمن، وقدّم بعضهم أخيراً العزاء بمقتل رئيس ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" في اليمن صالح الصماد، ويهاجون التحالف بقيادة السعودية. كما أن الفصائل التابعة لهؤلاء تمتلك سجوناً خاصة بها، تخفي داخلها آلاف المعتقلين على خلفيات ودوافع طائفية، كذلك فإن هذا الجناح هو الذي سيطر على مشهد العنف الطائفي طيلة السنوات الماضية.

بينما يمثّل الخط الثاني المعروف بالخط العراقي، وهو الأكثر انضباطاً، قيادات مثل ميثم الزيدي، والشيخ علي الحمداني، والشيخ أبو دعاء العيساوي، والشيخ حسين الساعدي، والسيد فاضل المكصوصي، وآخرين من القيادات الميدانية الفاعلة في الساحة العراقية وبعضهم غير معروف إعلامياً، وهم في الغالب زعماء لفصائل مسلحة مرتبطة بمقتدى الصدر أو المرجع علي السيستاني.

ووفقاً لمصادر مقربة من "الحشد الشعبي"، فإن الخلافات الحالية مزدوجة، الأولى بين فصائل "الحشد" نفسها، والثانية بين جزء من "الحشد" والحكومة العراقية. وقال مسؤول في المكتب الإعلامي لإحدى الفصائل المعروفة بتقليدها للمرجعية الدينية في النجف، إن "إيران تحاول تكرار تجربة لبنان في العراق من خلال خلق جيش موازٍ مستقل، فهناك فصائل ترفض قرارات الحكومة والالتزام بها، بل تتصرف عسكرياً على الأرض من دون موافقتها وتأخذ أوامرها من إيران، فيما هناك فصائل تلتزم بقرار الحكومة لأنها تتبع النجف وكربلاء". ولفت إلى أن قيادات كثيرة في "الحشد" تريد الاستفادة من "قانون الحشد" ومرتباته عراقياً، لكنها ترفض الالتزام بالقانون وقرارات الحكومة وتحترم رغبات إيران أكثر من المصلحة العراقية، مشيراً إلى أن رأي السيستاني هو التزام "الحشد" بشكل تام بقرارات الحكومة العراقية.


وخرج عناصر من مليشيات "الحشد الشعبي"، الأحد الماضي، في تظاهرة لم تستمر أكثر من ساعة واحدة قبل فضها من قبل القوات العراقية وسط العاصمة بغداد، ورفع المتواجدون فيها وعددهم لم يتجاوز 150 شخصاً، شعارات تطالب بصرف مرتباتهم، وتتهم العبادي بـ"إهمال حقوق الحشد". قبل أن يعودوا مرة أخرى، يوم الثلاثاء، في تجمّع أقل عدداً في الحديقة المقابلة لوزارة التخطيط العراقية عند المنطقة الخضراء، وحاولوا نصب خيام لكنهم فوجئوا بقوات حماية المنطقة الخضراء تفضّ خيامهم وتأمرهم بالرحيل، فضلاً عن اعتقال ثلاثة منهم لاستجوابهم ومعرفة من يقف وراء التظاهرة. وسارعت "فرقة العباس" و"سرايا السلام" و"الإمام علي" ومليشيات أخرى إلى التبرؤ من هذا الحراك، في الوقت الذي هاجمت فيه فصائل أخرى من الخط الإيراني تعامل الأمن العراقي مع "المطالبين بحقوقهم" من "الحشد".

ويعتقد مسؤولون أن هدف التظاهرة ليس المطالبة بالحقوق، إنما تقويض حظوظ العبادي بالانتخابات المقبلة، لا سيما مع تسريبات انتشرت داخل أوساط سياسية عراقية تؤكد أن إيران غير راغبة بولاية ثانية للعبادي، فدفعت بالفصائل الموالية لها للخروج والاحتجاج، مع الإشارة إلى تقصير العبادي مع المقاتلين والجرحى من "الحشد الشعبي"، بحسب المسؤولين الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد".

ولم يصدر أي تعليق من قبل قادة "الحشد" إلا بعد مرور 24 ساعة على التظاهرة، ليعلنوا امتعاضهم مما تعرض له المتظاهرون، مؤكدين "قانونية" مطالبهم. وقال المتحدث باسم مليشيا "عصائب أهل الحق" ليث العذاري، إن "التظاهرات التي خرجت من قبل جرحى وعناصر الحشد عفوية"، معتبراً في بيان، أن "الدستور العراقي كفل حق التظاهر لكل فئات الشعب، وهؤلاء الأبطال قدّموا تضحيات كبيرة على مدى ثلاث سنوات وقاتلوا وضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الوطن". وأشار إلى أن "الحكومة ومنذ إقرار قانون الحشد الشعبي، تُسوّف في تنفيذ وعودها بإعطاء هؤلاء المقاتلين حقوقهم"، مشيراً إلى أن "الحكومة خرقت الدستور من خلال الاعتداء على المتظاهرين من عناصر الحشد الشعبي".

في المقابل، حذرت "فرقة العباس القتالية"، وهي إحدى مليشيات "الحشد الشعبي"، بعض الجهات السياسية من إقحام قضية "حقوق الحشد" في تنافسها الانتخابي "المحموم"، فيما نفت مشاركتها في التظاهرة. أعقب ذلك صدور بيان شبيه عن زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، اتهم فيه "البعض" باستغلال اسم "الحشد" في الانتخابات المقبلة، مشدداً على أن هذا الأمر "ممنوع، بل لعله حرام، لأنه يُضر بسمعة المذهب والإسلام".

وقال مصدر مقرب من العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرة التي قادها بعض المقاتلين في الحشد الشعبي، مدعومة بالأصل من قياديين في الحشد، وتهدف إلى النيل من حيدر العبادي وتعبئة العراقيين ضده، بحجة أنه لم ينصف قوات الحشد، والهدف واضح هو للحصول على مكاسب انتخابية". وأضاف أن "الحكومة العراقية قادرة على دفع المخصصات المالية للمقاتلين في الحشد، وتسليمهم حقوقهم، إلا أن العبادي يدرك الفساد في ملفات عديد الحشد، والسبب في عدم إعطائهم رواتبهم وتنفيذ الأمر الديواني الصادر بشأنهم، يعود إلى مواصلته التدقيق بملفات قوات الحشد والإجراءات المتخذة من قبل وزارة المالية، وهذه الإجراءات تحتاج إلى وقت طويل وجهد مكثف حتى تكتمل".
وأشار إلى أن "بيان فرقة العباس وكذلك مقتدى الصدر، على أنهما لم يشاركا بالتظاهرة، جاء بعد تأكدهما أن التظاهرات مدفوعة من جهات من داخل الحشد تتلقى دعماً من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وهي مؤيدة لإيران وخاضعة لقراراتها، لذا فإن الصدر، وفرقة العباس الموالية لمرجعية النجف المتمثلة بالسيد السيستاني، أعلنا البراءة وعدم مشاركتهما فيها، فضلاً عن دعوتهما إلى عدم استغلال ملف حقوق الحشد لأغراض انتخابية".

في المقابل، أكد القيادي في "الحشد الشعبي" جواد الطليباوي، لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرات خرجت بطريقة عفوية، والمطالبة بالحقوق هو ما دفع شباب الحشد إلى الاحتجاج، لكنهم فوجئوا بالرد القاسي من قبل القوات الأمنية، الذين انتهكوا حرمة المقاتلين". وقال الطليباوي إن "على الحكومة العراقية عدم نسيان المقاتلين وتنفيذ قرار البرلمان بأسرع وقت، ومساواتهم مع باقي القوات الأمنية العراقية"، مشيراً إلى أن "الوقت حرج، وأي تدخّل من أحد السياسيين في ملف حقوق الحشد، ستعتبره كل الأحزاب والتحالفات السياسية دعاية انتخابية".

من جهتها، أشارت عضو البرلمان العراقي جميلة العبيدي، إلى أن "الحشد الشعبي أُسس لأجل أهداف عدة، وليس فقط الدفاع عن الوطن حين احتل تنظيم داعش مناطق عراقية، إنما لاستغلاله بعد الحرب من قبل قياديين فيه وسياسيين للحصول على مكاسب مادية ومناصب"، مضيفة في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الدليل على ذلك، هو استقالة معظم قادة الحشد بعد إعلان العبادي عدم السماح لأي عسكري منهم بالترشح للانتخابات البرلمانية، فقد ترك القادة حشدهم الذي سعوا إلى تقويته ما إن عرفوا أنهم سيخسرون المناصب البرلمانية إذا استمروا فيه".

يُذكر أن البرلمان العراقي وافق على إقرار "قانون الحشد الشعبي"، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ويقضي القانون بتحويل "الحشد" إلى هيئة تابعة لرئاسة الوزراء تمتثل لأوامر العبادي، كذلك مساواتها من حيث التنظيم والمخصصات المالية بباقي الأجهزة الأمنية النظامية في العراق. والشهر الماضي أصدر العبادي قراراً ينظّم ذلك، ويساوي مرتبات "الحشد" مع أقرانهم في الجيش العراقي.